أقلام

النظر من خلال عيون الآخرين – كيف نتبنى وجهات نظر الآخرين للحكم على الأشياء مما يساعدنا على التفصص الوجزاني والتنبؤ بما يفكر به الآخرون ويتصرفون

المترجم: عدنان احمد الحاجي

بقلم آمي كينغ

الحياة حافلة بحالات تتطلب منا أن نتبنى وجهات نظر الآخرين – على سبيل المثال، عندما نُري طفلًا كتابًا، نعرف حدسيًا كيف نمسك بالكتاب ونوجهه اليه بالوجهة الصحيحة حتى يتمكن الطفل من رؤيته ومشاهدته بشكل سليم، حتى لو أصبحت رؤيته بالنسبة لنا أكثر صعوبة. أو عندما نقوم بالتمثيل أمام جمهور، لا يسعنا في الغالب إلاّ أن نتصور كيف نبدو لهم وكيف يرونا.

بحث نُشر في مجلة “البيولوجيا المعاصرة(1) Current Biology'” زودنا بأول دليل مباشر على أنه باستطاعتنا أن نفعل ذلك ونتبنى وجهة نظر الآخر لأننا نكوِّن صورًا ذهنية بشكل عفوي لكيف يبدو العالم للشخص الآخر [كيف يرى الشخص المحيط] ، حتى نتمكن من أن نرى افتراضياً من خلال عينيه وإصدار حكمًا / رأيًا كما لو كنَّا نحن من نرى وليس هو.

مقطع فيديو للباحث الرئيس يشرح كيف نستخدم عيون الآخرين للحكم على الأشياء. https://youtu.be/X1x3n1siulA

توضح المؤلف الرئيس إليانور وارد Eleanor Ward: أن هذه الدراسة تثبت لأول مرة أننا نتجاوز تصوراتنا ونستخدم عيون الآخرين عند إصدار أحكام معينة.

ركزت الدراسة التي قادتها إليانور وارد والدكتور جورجيو غانيس Giorgio Ganis والدكتور باتريك باخ Patric Bach من جامعة بلايموث Plymouth، على مهمة التدوير الذهني(2) (mental rotation الشائع استخدامه في العلوم السيكولوجية، حيث يُسأل المشاركون عما إذا كان الحرف المدار على شاشة كمبيوتر معروضاً في شكله الطبيعي (على سبيل المثال حرف “R”) أو بشكله المعكوس على المرآة (“Я”). وعادةً ، كلما أُدير الحرف في اتجاه مخالف لاتجاه الشخص الذي يحكم على شكله، كلما استغرقه الأمر وقتًا أطول للتعرف على شكله (هويته). والسبب في ذلك هو أنه يتعين عليه أولاً تدوير الحرف ذهنياً إلى اتجاه مستوٍ [ upright [اتجاهه الصحيح ] قبل التمكن من الحكم على شكله (هويته) ، ويستغرق هدا التدوير وقتًا أطول كلما وُجه الحرف وجهة خلاف اتجاه الرائي.

لكن هذه الدراسة كشفت أنه بإمكان الناس تجاوز هذا التدوير الذهني في حال وجود شخص آخر. توضح الدراسة أنه حتى عندما توضع الأشياء في اتجاه خلاف اتجاه المشاركين في التجربة ، فإن فترة اتخاذ القرارات والحكم على هوية الشيء تكون سريعة بشكل مدهش لو بدا هذا الشيء في وضع مستوٍ upright بالنسبة للشخص الآخر الموجود ضمن المجموعة، وبالتالي يمكن التعرف عليه بسهولة من جانب المجموعة. في المقابل ، لو ظهر الحرف مقلوباً بالنسبة للشخص الآخر، فإن التعرف على الحرف لو كان سهلًا نسبيًا بالنسبة للشخص الموجود إلَّا أنه أصبح أكثر صعوبة بالنسبة للمشاركين في التجربة.

المؤلف الرئيس إليانور وارد ، طالبة الدكتوراه حينئذ في كلية علم النفس بجامعة بلايموث قالت التالي: توضح هذه الدراسة أن ما نراه يمكن تجاوزه إلى ما يراه شخص آخر لو كان ذلك يساعدنا على إصدار حكم على الشيء. لا يحتاج الناس إلى تدوير rotate الشيء ذهنياً لو كانوا “يشاهدون” الشيء بالفعل في الاتجاه الصحيح (المستوي) المعتاد من خلال عيون الآخرين. لقد استطاع المشاركون التعرف على الشيء بالرغم من أننا لم نعطهم تعليمات عن الشخص الآخر الذي أدخلناه ضمن المجموعة ولم يتفاعلوا معه أبدًا [لم يديروا له بالًا، كما نقول]، إلَّا أنهم رغم ذلك إستخدموا عينيه كعينين إضافيتين، مما يوحي بأن هذه العملية حدثت عفويًا [تلقائيًا في العقل الباطن]”.

الأهم من ذلك، لم تجد الدراسة نفس التسرع في إصدار الأحكام على هوية الشيء. حين ضُمَّ جماد (مصباح، مثلًا) بدلاً من ضم شخص إلى مجموعة المشاركين، على الرغم من أن المصباح كان بنفس حجم الحرف تقريبًا وتم وضع اتجاهه نحو أتجاه الحرف بنفس وجهة الشخص. هذا أمر منطقي لأن المصباح لا يمكن أن “يرى” حتى لا يكوِّن المشاركون صورة ذهنية لكيف يبدو العالم للجماد.

تابعت اليانور القول: تخيل أنك في سيارة ورأيت أحد المشاة يعبر الطريق، وحافلة متجهة بسرعة نحو خط عبور المشاة . فجأة أدركت أنت أن السائق لم ير المشاة ويمكن أن يصدمهم، لذلك عليك أن تضغط على هرن سيارتك. كيف اتخذت هذا القرار الخاطف؟ تشير دراستنا إلى أنك وضعت نفسك تلقائيًا مكان سائق الحافلة ورأيت المشهد من خلال عينيه. ”

أضاف الدكتور باتريك باخ ، الذي يرأس مختبر التنبؤ بالأفعال حيث تم إجراء البحث: “تبني وجهة نظر (perspective-taking) هو تمييز موقف أو استنتاج مفهومٍ ما من وجهة نظر بديلة، مثل وجهة نظر شخص آخر.(3) الجانب المهم من الإدراك الاجتماعي [الإدراك الاجتماعي (social cognition) هو تشفير المعلومات وتخزينها واسترجاعها ومعالجتها في الدماغ، ويرتبط بـالمناوع (أفراد النوع نفسه](4). يساعدنا ذلك على فهم كيف يبدو العالم من وجهة نظر الآخرين. وهو أمر مهم بالنسبة للعديد من الأنشطة اليومية التي نحتاج فيها إلى التفاعل مع الآخرين. ويساعدنا على التقمص الوجداني معهم(5) أو محاولة معرفة ما يفكرون فيه. دراستنا تزودنا بأفكار جديدة بأن الناس يفعلون ذلك لأنهم يشكلون بسرعة وبشكل تلقائي صورة ذهنية لكيف يبدو العالم لشخص آخر. بمجرد أن تكون لدينا هذه الصورة الذهنية، من السهل أن نضع أنفسنا في مكان الآخرين (التقمص الوجداني) وأن نتنبأ بكيف سيتصرفون “.

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://www.cell.com/current-biology/fulltext/S0960-9822(19)30075-2?_returnURL

2- “التدوير العقلي mental rotation يشير إلى القدرة الفراغية والتي تنطوي على القدرة على إدراك الأشياء والأشكال والأجسام وإحداث تغييرات عليها ثم تذكُّر جوانب منها؛ وتعريف آخر له على أنه تخيل لشيء ما يدور ضمن زاوية معينة في الفراغ؛ وعرفه آخر على أنه القدرة على تدوير التمثيلات العقلية للأشياء ذات البعدين أو الثلاثة أبعاد ويستخدم لدراسة سرعة معالجة المعلومات المكانية ويرتبط بالذكاء الفراغي والتطور المعرفي لدى الفرد.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/414/6/2/175224

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/تبني_وجهة_نظر

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/استعراف_اجتماعي

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/تقمص_وجداني

المصدر الرئيسي

https://www.plymouth.ac.uk/news/seeing-through-anothers-eyes-nil-research-shows-for-the-first-time-how-we-use-others-viewpoints-to-make-decisions

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى