أقلام

وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي

أمير بوخمسين

تفرّدت الصحافة المكتوبة لما يزيد على أربعة قرون في تشكيل الرأي العام وصياغته، والتعبير عنه، حتى ظهرت أولى المحطات الإذاعية سنة 1920م في أمريكا التي كانت تبث برامج منتظمة تدوم طوال اليوم وتبعتها محطات أخرى في أوروبا والعالم، وكانت أغلب المحطات الإذاعية تابعة لأصحاب المعامل المختصّة في صُنع أجهزة الاستقبال، وقدمت الأفكار والآراء والتعليقات لجماهير عريضة يجمعها الاختلاف وحب المعرفة. ثم جاءت مرحلة الأربعينات لتأتي بمنتج جديد هو التليفزيون، وما أن ظهر حتى أخذ موقعا واهتماما كبيرا من قبل الحكومات التي بادرت إلى إنشاء هيئات خاصة بالتليفزيون من أجل الإشراف عليه ومتابعته بما يخدم مصالحها، باعتباره أداة التواصل مع المجتمع. فكان تأثير مشاهدة التليفزيون على قراءة الصحف وتحول المجتمع إلى التليفزيون، فالأرسال للتليفزيون المنتظم في بريطانيا بدأ في عام 1937، ثم انتقل إلى أمريكا عام 1939 حيث دخل عالم الألوان هناك. أما في عالمنا العربي فدخل التليفزيون مصر وسوريا والعراق والسعودية في خمسينات وستينات هذا القرن. فأصبح متوفّر في كل منزل وفي كل دول العالم لما له من أهمية تمثّل وسيلة الاتصال بالجماهير تميزّت بوظائف عديدة أهمها:
1- وظيفة إعلامية: يتمتّع التليفزيون بقوة جذب ونفوذ واسع في نفوس الناس وعقولهم، فقد شكّل إطار إجتماعيا وإنسانيا.
2- وظيفة تثقيفية: من خلال نشر الإبداع الفني والثقافي، وعمل على تدوين التراث وحفظه من خلال تطويره، مما ساعد على اتساع آفاق الفرد المعرفية.
3- وظيفة ترفيهية: من خلال التخفيف على المشاهد عبر بثّ مواد تمثيلية ومسرحية إضافة إلى البرامج المنّوعة من موسيقى وأفلام ورياضة وغيره. هذه الوظائف جعلت التليفزيون يتبوأ مكانة بين وسائل الإعلام والاتصال الأخرى في التأثير على متلقيه. وهذا عائد إلى الميزّات التي تميّز بها التليفزيون وهي الفورّية في عرض الأحداث ونقلها لحظة بلحظة. والثانية الجاذبية في الأسلوب الذي يتم فيه عرض البرامج والأفلام والمسلسلات التي أستقطبت كافة شرائح المجتمع كباراً وصغاراً. وبالرغم مما للصحافة المكتوبة التي تعد من أعرق وسائل الإعلام والاتصال من دور مهم اضطلعت به في توعية الناس، إلا أن التليفزيون أستطاع الحصول على مراحل متقدمة من خلال عرضه للبرامج الجادة والترفيهية والمسلّية وغيرها، وحقق أكبر نسبة مشاهدة وهذا مردّه إلى أن الجمهور يعتبر المادة المسليّة والمرفّهة شيئا حيويا في حياته. إن كلا الوسيلتين لهما تأثيرهما لا يمكن الاستغناء عنهما، فمع التطور التقني والتكنولوجي المضطرد في العالم ودخولنا في عالم الرقميّة والاقتصاد المعرفي وتحوّل المجتمعات إلى عالم السرعة والتطبيقات الإليكترونية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الوسيلة الأولى في العالم في متناول الكبير والصغير والمتعلّم وغير المتعلّم، يؤكد لنا أهمية مواكبة هذه التطورات التقنية. إذ تأثرت الوسيلة المقروءة (الكتاب والجريدة) والمرئية (التليفزيون) بشكل كبير وأصبح الجهاز المحمول لدى كل شخص الأداة الرئيسة لمصدر المعلومات ووسيلة الترفيه والأخبار، وذلك من خلال إطلّاعه على مختلف المواقع والقنوات والصحف والكتب عبر جواله المحمول، الذي بات لا يفارقه في حياته، بل أصبح خير جليس بدل الكتاب حسب ما يقول المثل. ولأن لأدوات التواصل من ميزات:
1- سرعة انتشار المعلومات، ووصولها إلى أكبر شريحة من الأفراد. 2- توفير الجهد والوقت والمال، فلا يحتاج الأمر إلى مقرّات عمل ومكاتب وكوادر كثيرة وغيرها من المصاريف الأخرى، دفعت الكثير من المؤسسات الإعلامية والجهات الرسمية اعتمادها كأساس في استراتيجياتها وتسويق منتجاتها. والإحصاءات الأخيرة تؤكد على أن 60% ما يعادل (4مليار و100 مليون) من سكان العالم سواء أغنياء أو فقراء يستخدمون الإنترنت، وأن وسائل التواصل الاجتماعي (السويشيال ميديا) أصبحت الأداة الرئيسة في تشكيل العلاقات الاجتماعية والتأثير على الرأي العام، حيث جاء الفيس بوك في القائمة الأولى من ناحية مستخدميه عالميا، حيث بلغ عدد المستخدمين (2،177مليار)، واليوتيوب (1،500 مليار) واتس آب (1،300 مليار) إنستغرام (800 مليون) تويتر ( 330 مليون) وغيرها من وسائل التواصل، التي حلّت مكان الصحافة المقروءة والتليفزيون، ومع كل هذا يبقى من الصعب جدا الاستغناء عن هذه الوسائل لأن الإعلام سلسلة يتعذر فقد حلقة منها، ويزداد تأثير وسيلة على أخرى بقدر كسرها للطابع التقليدي والنمطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى