أقلام

الديون Debts

أمير الصالح

في ذهنك:
– ماذا يفعل السيد جيف بيزوس مدير شركة أمازون بفائض أمواله المليارية المودعة في البنوك والمتصاعدة تدفقاً بشكل يومي في حساباته البنكية؟

– ماذا تصنع البنوك العالمية بأموال فاحشي الثراء من الصينيين وبقية دول العالم المودعة فيها؟

ربما لم يفكر بعض القراء الكرام في ذلك الأمر من قبل، أو قد يُجيب البعض بالقول: هذا الأمر لا يعنيني في شيء. ولكن قد تسمع من البعض إجابات تتراوح بين القول بأن الأثرياء يحصلون على فوائد بنكية نظير إيداعهم الأموال بالبنوك، أو يحصلون على تسهيلات اقتراضية بنكية بضمانات التدفقات المالية، وسجل أرصدتهم المتحركة لتوسيع أعمالهم التجارية حول العالم.
الجوابان صحيحان جزئياً، إلا أنهما لم يصيبا كبد الحقيقة بكاملها.
والواقع الأكثر إيلاما هو أن كل شخص منا معني بما يصنع البنوك بأموال فاحشي الثراء وصانعي الأسواق العالمية في سوق المال والأعمال، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

فعلياً أموال السيد بيزوس ومن في بحر ثروته تُستخدم لاستزراع روح إدمان الاستهلاك لدى قطاع عريض من الناس، ولاسيما في دول صناع السوق العالمي مثل أمريكا وكندا.

قد لا يخطر على بال العامة من الناس بأن أموال السيد بيزوس وغيره من الأثرياء يتم توظيفها استثماريا لزيادة نهم الاستهلاك لدى أبناء الطبقة الوسطى ومتدنية الدخل المالي من خلال أدوات عدة، ومنها إعطاء تسهيلات القروض البنكية الباذخة لعدد عريض من الناس بهدف تمويل شراء سلع استهلاكية (جوالات، سيارة، أجهزة كهربائية، أثاث منزلي، تملك بيوت، عمليات تجميل ….) حتى دون ضمانات مالية تُذكر.

الكل يعرف بأن تدوير المال هو المحرك الرئيس لدوام حياة السوق المالية و استمراره، ولذا يجيد أهل البنوك وصناع السوق كل وسائل الدعاية والإعلانات المغرية لزيادة عدد مستهلكي السلع بكل أنواعها، وبالتالي زيادة سرعة الاستهلاك ومنع توقف حركة تدوير المال، هذا أمر ضروري للأثرياء وللبنوك. لأن العكس يعني لهم خسائر فادحة، أو الاتجاه نحو النمو المالي وبالتالي الانكماش والتوقف تجارياً. إن إعطاء التسهيلات الميسرة للأفراد التي تؤدي إلى الحصول على قروض أمر مهم في أي اقتصاد في العالم، إلا أنه يجب التمييز بين القروض السالبة والقروض الموجبة. فالقرض الإيجابي محصلته خلق وظائف،
وإعادة ضخ التدفق المالي، وخلق محل تجاري أو صناعة محلية. في كتاب ” The House of Debt / بيت الدين ” يذكر المؤلفان: عامر الصوفي وزميله لطيف أن تراكم الديون الشخصية سببها الشراهة و الإدمان في اقتناء السلع الاستهلاكية من جهة، واختفاء الترشيد من جهة أخرى. ويذكر الكاتبان نماذج دعاية لإغواء المستهلكين وصلت ذروتها في بعض الأنشطة التجارية، مثل الترويج لبيع وحدات سكنية في مجمع سكني تحت الإنشاء إلى بناء منزل نموذجي في موقع رئيس يخطف أنظار المارة. ولزيادة بريق التسويق ودغدغة المشاعر تم جلب ساكني ذلك المنزل الدعائي بمواصفات جسدية جذابة، وقُدم النموذج السكني على أنه انعكاس لبيت ” الحلم ” وأنه الآن بإمكان المستهلك تحقيقه لذلك الحلم، وبتسهيلات قروض مبسطة. كل هذا للإيقاع بالفريسة والدخول في عالم القروض والديون. كتاب “The House of Debt / بيت الدين ” يستحق القراءة ويعد من أفضل الكتب التي صدرت عام ٢٠١٤ في مجال التحليل الاقتصادي، ويعالج الكتاب أسباب الازمة المالية التي وقعت عام ٢٠٠٨ م في شمال القارة الأمريكية، وظروفها.

من الجيد أن يتعرف الإنسان على نقاط ضعفه في الاستهلاك المادي، فيحصن نفسه من الانقياد الأعمى لها؛
ويتعرف على نقاط قوته فيزيد من متانتها. نقر بأن الكل منا يريد أن يستحوذ على أكبر قدر من الفخامة والراحة والدعة والأبهة في المأكل والمشرب والمسكن والسفر والوجاهة والولائم الباذخة، ولكن من الحكمة حسن استدراك النفس من الانخراط في عالم الاستهلاك المفرط حد الانزلاق في عالم الديون.

وعلى ضوء التقلبات العالمية في أسعار السلع الحيوية، وتدحرج الدخول المالية لكثير من الدول، أتوجس خيفة من أن ينخرط البعض في أخذ ديون مالية أو قروض بنكية بضمانات غير مستقرة التدفق المالي، فينتهي بذلك بالبعض إلى أن يشتري ما لا يريد بمال لا يملكه،
ويُلزم أن يسدده حتى لو اقتضى الأمر ان يُزاح من منزله. وأتوجه بصورة اجتماعية بطلب إصدار تعهدات أخلاقية ذاتية بالعزوف عن دعايات القروض الشخصية الممولة لشراء المواد الاستهلاكية التي لا تنمي دخل الفرد المقترض، وتهدف لمحاكاة خيال البعض في عيشة حياة الأثرياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى