أقلام

تزامن اللقاء وطيب الأثر

أمير بوخمسين

في عام 1992 اتصل علي أحد الأقرباء وقتها، كنت أعيش مع عائلتي في لندن «بلاد الضباب» وطلب مني أن أتوجه إليه، حيث من عادته أن يصيّف سنوياً مع عائلته في سويسرا، وأخبرني بأنه سيكون متواجداً في شهر يوليو، وهو الشهر الذي تسافر فيه عوائل دول الخليج العربي إلى أوروبا أو دول أخرى، من أجل التصييف والخروج من تلك الأجواء شديدة الحرارة.

كنا آنذاك نتكون من عائلة صغيرة، عدد أفرادها أربعة، وحيث كنت مرتبطاً بعمل، فقد استأذنت وتوجهت إلى تلك البلاد، وهناك قبل الذهاب قمت بترتيب أموري وتواصلت مع بعض الأصدقاء من أجل ترتيب أمور الإقامة، فقد تم الاتصال بصديق عزيز يعمل في جامعة لوزان في القانون المقارن بروفسوراً، انتقل إلى رحمة الله فيما بعد، حيث كان صديقاً عزيزاً وكريماً، دعاني عدة مرات من أجل زيارته في سويسرا، إذ كان يقطن في مدينة لوزان الجميلة وذات الطبيعة الساحرة، وإصراره المستمر على أن أزوره وأسكن في شقته، وكنت أحاول التملّص وعدم تحميله هذا العبء، إلا أنه أصّر على قدومي لهذه البلاد فالمكان متوافر.

الدكتور كان مثالاً للصديق الوفيّ، وقد شملني برعايته وكرمه وقمة أخلاقه، وتعامله مع أبنائي مثل أبنائه، وبالرغم من اختلافنا فكرياً ودينياً لم تكن هناك أية حساسية في التعامل معه، فعاملني كأخ له ووفّر لي كل ما أحتاجه من سبل الراحة أنا وعائلتي، حيث ترك لنا الشقة بالكامل ولمدة أسبوعين للسكن فيها، وسلمني المفتاح وكل ما تحتويه أمانةً لدي، وذهب مع زوجته إلى أهلها في مدينة بازل شمال سويسرا، وترك لي حرية التصرف جيئةً وذهابا، وعرض عليّ خدماته في حال احتجت إلى شيء، أسبوعان قضيناهما مرا مروراً سريعاً وكأنهما سويعات، تنقلنا بين مدن سويسرا عبر المترو، هذه الدولة التي أبهرت الجميع والعالم بجمالها وطبيعتها الخلابة والتزام أهلها بالنظام.

كان الدكتور على اتصال مستمر لكي يطمئن علينا، هذا الصديق الحبيب افتقدته، وذكراه ما تزال عالقة في أذهان العائلة.

في هذه الرحلة التقيت كذلك بأحد الأقرباء الذي رحل إلى الرفيق الأعلى بسبب أزمة كورونا، في تاريخ 16 يونيو من هذا العام، وبعد مضي 27 عاماً كان دائماً يذكر رحلتنا ومرافقتنا لهم آنذاك خصوصاً بعد رجوعنا إلى بلادنا، وكم كان كريماً وسعيداً عندما التقيت به بعد فراق 13 عاماً، حيث أمضينا وقتاً ممتعاً وجميلاً، استمتعنا في تلك الزيارة التي اعتبرتها تاريخية، تم توثيقها عبر الصور الفوتوغرافية لمشاهدتها بين فترة وأخرى، وكلما اشتقنا لرؤيتها لتذكّر أحداث تلك الرحلة، بقت ذكرياتها عالقة في عقولنا ولا تزال بكل تفاصيلها، وأثر الأخوين ومحبتهما في قلوبنا، لقد فُجعنا برحيلهما، الدكتور وقريبنا كلاهما فارق الحياة ورحل، وما تزال ذكراهما حاضرة في أذهاننا، فطيب أثرهما ترك حسرة ولوعة في النفوس على فراقهما، وحزناً عميقاً لن يرحل إلا بعد فترة من الزمن. ستطول بحكم الذكريات الجميلة المليئة بالأحداث التي عشناها مع بعضنا البعض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى