أقلام

التعاطف

أمير الصالح

المتابع للأخبار حول العالم يرى انعكاسات مايراه على نفسه أنه مع أو ضد كمتعاطف مع أحد الفريقين أو لا يعنيه الأمر برمته. كل أنسان في داخل نفسه تجاذبات نفسية وعاطفية وفكرية ودينية وقومية متفاوتة. ولعل الحجر الصحي الطويل أتاح للبعض بعقد مراجعات داخلية كاملة. من أقوى الأحداث التي مرت حديثاً على شريط الأخبار في أحداث العالم اليوم، موضوع ” Black lives matter – حياة السود مهمة ” وأحداث ” فقدان الأمن الوظيفي في أصقاع العالم الناتجة عن التذبذب الاقتصادي الكبير.

نرى تسجيل أصداء أحداث حادثة وقعت في مدينة أمريكية قد انتقل حول المعمورة في مدن وقارات متعددة بسبب التعاطف. فجالت شوارع عواصم عالمية حشود بشرية ضخمة هزها مشاهد فيديو إزهاق روح الأمريكي الأسود بدم بارد للإعراب عن التعاطف مع أسرة الضحية، والوقوف ضد الاستهتار بحقوق الملونين. ومشاعر التعاطف ذفسها اجتاحت الملايين حول العالم بعد إعلان الكثير من شركات القطاع الخاص بتسريح الملايين من الموظفين بسبب انحسار الطلب على الخدمات والسلع التي تقدمها تلكم الشركات كالطيران والسياحة والفندقة والتدريب.

قد ينشغل البعض من أبناء مجتمعنا بأخبار المجتمعات الأخرى نتيجة اشتراكاته في تطبيق تويتر ومتابعته محطات الأخبار الدولية المتعددة والنشطة جداً وبعض المغردين. وقد يصل حد المتابعة إلى درجة أن المتابع لا يدرك ما يدور حوله جغرافياً أو ما يدور في مجتمعه أو في شارع منزله أو وطنه. وبالمقابل تراه مطلعاً على كل شاردة وواردة في شمال وغرب وشرق الكرة الأرضية !!

بحمد الله، في مجتمعاتنا الشرقية المتداخلة نسباً ومصاهرة وأنشطة اجتماعية بشكل وطيد ومكثف ودوري ، درجات التعاطف محسوسة وكبيرة إلى حد جداً معقول. إلا أن أدوات الترجمة لمواقف التعاطف تنحصر في التعازي أثناء مواقف الموت لأحد الأعزاء والتبريكات في الأفراح. وأحياناً تطول لتمتد تلكم التعاطفات من خلال قنوات الفزعة وردود الأفعال وشبه أفعال رجال الإطفاء.

يذكر الدكتور جمال زكي في كتابة (حرب اللطف- بناء التعاطف في عالم مهشم) war of kindness , building empathy on fractured world ، إن هناك درجات متباينة ومتناقضة يظهرها الناس اثناء التعاطف مع من حولهم أو الصدود عنهم. لعل وباء كورونا جعل البعض في حالة صراع داخلي بين أن يتعاطف مع المصاب بالفيروس وبين أن يحبس نفسه عن زيارة المصاب حتى لو كانت درجة القرابة درجة أولى. والحال أيضاً يكون حالة صراع داخلي بين ( التعاطف مع) و (الغضب من) للموظف المستثمر في أسهم الشركة التي يعمل بها (قطاع خدمات أو طاقة أو بتروكيمياويات) التي أعلنت لتو استغناءها عن خدماته للحفاظ على أداء الأسهم.
للإنسان الذي يبحث عن تحسين وضعه، عليه أن يتذكر بأن الإنسان الأول والأخير لحل معضلاته الشخصية هي ذاته وما تعطاف الأخير إلا مؤقت وإن طال. وعليه لا يجب استنفاذ مخزون التعاطف من الآخرين بسبب كثرة المشاكل والأزمات التي يخلقها الشخص بنفسه ونفاذ صبر الأقرباء والاصدقاء لدوام حالات التخبط.
يجب أن لا تؤخذ مسألة التعاطف على أنها للأبد. مع تغيرات الأمور بسبب الجائحة سنلاحظ تغيير مسارات التعاطف. ولعل الإنسان المدقق يدرك بأنه إن لم يكفل ضمانات ومخزون عاطفي ونفسي ومالي واجتماعي وفكري جيد فإن تعدد تعثراته لن تحظى بتفاعل وتعاطف.

توظيف الفزعة أو العاطفة الدينية أو المناطقية أو القومية من قبل البعض بشكل مسرف ومنهك في كل الأمور خلق إنساناً اتكالياً من جهة، وزرع أعباء كبيرة على المحيطين به. وعلى مدى مرور السنين وتقلبات الأمور قد ينتج عن ذلك المخزون السلوكي لذلك الشخص احتقانات وصور مهزوزة في البناء الاجتماعي وتراشق كلامي مكرر
في تعليل أسباب انعدام النمو. في الختام خصلة التعاطف خصلة نبيلة، ومن الجميل أن يحسن الإنسان استثمارها بطريقة وحدود معقولة ومنطقية بعد استنفاد الجهود الذاتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى