أقلام

عميد المنبر الحسيني في ذاكرة الخلود

رباب حسين النمر

هكذا هم العظماء، يسافرون بأجسادهم إلى العالم الآخر، وتبقى آثارهم خالدة تشهد على إنجازاتهم ومشاريعهم الروحية والتأسيسية، وعلى مناهج السمو التي ابتكروها.
يمضون وتبقى شواهدهم حاضرة! يُعتنى بها وتتحول إلى منارات تحفظ تاريخهم، وتقدمهم للأجيال قدوةً تُحتذى ومثالاً يحسن السير على نهجه.
ومن أولائك الذين خلدهم التاريخ عميد المنبر الحسيني الخطيب الراحل الشيخ الدكتور أحمد الوائلي الذي قاد حركة التجديد للمنبر الحسيني في القرن العشرين الهجري.
مما جعل أمانة بغداد تهتم بآثاره وتعلن عن المباشرة بتحويل داره إلى متحف ومركز ثقافي بمدينة الكاظمية.

وجاء في بيان أمانة بغداد أن “الدار التي كان يسكنها العلامة الدكتور الشيخ وعميد المنبر الحسيني أحمد الوائلي تم استملاكها من قبل أمانة بغداد لتحويلها إلى متحف يضم آثاره ومقتنياته الشخصية والثقافية والوثائقية، وفتح مركز ثقافي تقام فيه الندوات والنشاطات الثقافية”.

وقد باشرت بلدية الكاظمية عمليات الترميم والصيانة لهذه الدار وتهيئتها إحياءً لذكرى عميد المنبر الحسيني والتعريف بشخصيته وآثاره العديدة بالتعاون مع عائلته.

وقد أصدرت وزارة الاتصالات العراقية عام 2017 طابعاً بريدياً تذكارياً يخلد العميد لكونه رمزاً للاعتدال ولا يختلف على خطابه الديني والوطني أحد.

ولقد كانت شخصيته الفذّة وأعماله الجليلة وعكوفه على العلم والتعلم، وتجديده للمنبر الحسيني والعمل على تأصيله وتقعيده هو السر الذي جعله خالداً في القلوب قبل أن يكون خالداً في الزمن.
ولم يكن الشيخ أحمد الوائلي مجرد رجل دين، وإنما كان أشهر خطيب حسيني على الإطلاق في المشهد الثقافي العربي برمته، وواعظاً، وشاعراً وأديباً وأكاديمياً وحوزوياً.

ولنلقي الضوء على شيء من سيرته الذاتية العطرة في الأسطر القادمة.

هو أحمد بن حسون بن سعيد بن حمود الوائلي الليثي الكناني (1928 – 2003).
ولد في النجف الأشرف سنة 1347هـ/ 1928م، في السابع عشر من ربيع الأول، الذي يصادف ذكرى ولادة الرسول (ص) وحفيده الإمام الصادق (ع)، فسمّاه أبوه “أحمد”.

وينتسب إلى آل وائل من بني ليث من قبيلة كنانة العدنانية، ويلتقي نسبه مع نسب رسول الله في الجد: كنانة بن خزيمة بن مدركة.
لم تكن عائلته”آل حرج” مشهورة مثل العائلات العلمية الكبرى في النجف مثل آل المظفر، وآل بحر العلوم، وآل كاشف الغطاء، وغيرهم، ولكن العميد هو الذي أكسب أسرته الشهرة لما علا نجمه وطار ذكره في الآفاق.

كان والده حسون خطيباً غير مشهور، وقليل القراءة، حيث انضمّ إلى ميدان الخطابة في منتصف عمره، بخلاف ابنه الذي ارتقى المنبر في سن مبكرة كما يرى البعض( عشرة أعوام أو أربعة عشر عاماً) وإن كان البعض يرى أن بدايته الحقيقية في المنبر عندما ارتقاه مؤهلاًً بما يتمتَّع به من ميزات وقدرات.

جمع العميد بين الدراستين: الحوزوية والأكاديمية، فقد قرأ مقدّمات العلوم على يد أساتذة الحوزة البارزين وقتذاك مثل:محمد رضا المظفّر،أبو القاسم الخوئي ومحسن الحكيم ومحمد باقر الصدر، وتابع التحصيل الأكاديمي في مستوياته العليا فحصل على درجة الماجستير من جامعة بغداد بأطروحته: “أحكام السجون في الشريعة الإسلامية”، ثم حصل على درجة الدكتوراه في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، فنالها بأطروحته: “استغلال الأجير وموقف الإسلام منه”، وأكمل أبحاث ما بعد الدكتوراه ليحصل على درجة الأستاذية ليدرس الاقتصاد حاصلاً على الدبلوم العالي من معهد الدراسات والبحوث العربية التابع لجامعة الدول العربية عام 1975م.
وعلى مستوى المنبر الحسيني تبوأ العميد مركزاً مرموقاً منذ منتصف القرن العشرين، وحاز مركز الصدارة في الخطابة الحسينية، حتى استحقَّ عن جدارة لقب “عميد المنبر الحسيني” دون منازع لما يتمتع به من قدرات خطابية وفكرية وأدبية، فهو صاحب مدرسة مستقلّة تميزت بأسلوبها الرائد ومنهجها الفريد، ولذلك كانت نادرة في عطاءاتها، فأخذ الخطباء يسيرون على منهجه ويقتبسون من أسلوب مدرسته، ويقلّدون حركاته ونبرة صوته لما له من عبقرية فذّة في مجال الخطابة الحسينية.

وكان العميد أحد روّاد الوحدة الإسلامية، حيث دعى الفرق المسلمة إلى أن يدرسوا بعضهم بعضاً بروح علمية، وأن يتبيّنوا الخلفيات المشبوهة التي أدّت دوراً كبيراً وما زالت في تمزيقهم. كما دعاهم إلى وعي وحدة المنبع عند المسلمين. إن القرآن إمامنا والسنة النبوية رائدنا. لا ينبغي لنا أن نبقى متفرجين دون أن نجنّد الفكر الشريف والقلم النظيف في ميادين وحدة المسلمين.
كما كان دائم البحث عن الحقيقة يأخذها حيث وجدها دون تعصّب أو هوى. وكان منهجه يقوم على الدليل والبرهان.
ولذلك كان يتميز بسعة اطّلاعه على كل المذاهب، يقول: “من الأمور التي عملتها وأكدت التجارب صوابها، الانفتاح على تراث المذاهب الإسلامية الأخرى والتفاعل معها نقداً وتقويماً بأعصاب هادئة وموضوعية تامة واتباع الدليل. وقد برهنت لي التجارب أن هذا المنهج مثمر وفاعل”.

وكان العميد حريصاً على أن تواكب حركة المنبر العصر المعاش وما يشهده من ثورة علمية ومعرفية ومعلوماتية وتطورية.

ولو تمعنا في شعرالعميد لأدهشنا بفخامة ألفاظه وبريق كلماته وإشراقة ديباجته، ولا غرو في ذلك فهو شاعر محترف من الرعيل الأول.
ويمتاز شعره الحسيني بالحرارة و قوة التأثير ليتناسب مع احتياج المنبر إلى الشعر السلس المقبول جماهيرياً وأدبياً.
وقد طرق العميد في شعره أغراض عدة ولم يقتصر على فن الرثاء والموضوعات الدينية فقط، فتناول القضايا السياسية والاجتماعية، مثل قصائده: حديث فلسطين، سماسرة الحرب، أمتي، وغيرها.

وبالرغم كل هذه المكانة الجليلة التي تبوأها العميد ، لم يسلم الشيخ الوائلي من بطش النظام ، ما اضطره إلى الهجرة والتنقل، واستمر خطيباً يرفد الجاليات الإسلامية بالعلوم الإسلامية.
وقد فُجع بمآسٍ عديدة:
فجائع شعب العراق، واغتيال رفيق دربه الشهيد الصدر، ووفاة ولده سمير عام 1999م. وظَّل متنقلاً في البلاد ربع قرن من الزمان، مغترباً يحمل في قلبه حرارة الشوق والحنين إلى مسقط رأسه التي عاد إليها لتحتضنه بحنان كبير.

ترك العميد ثروةً علمية لا تُقَّدر ضمَّت آلاف المحاضرات المسجّلة ومئات الأبحاث، وعدداً من الكتب المطبوعة، ومنها:

1 ـ أحكام السجون في الشريعة الإسلامية.

2 ـ استغلال الأجير وموقف الإسلام منه.

3 ـ هوية التشيع.

4 ـ إيقاع الفكر.

5 ـ من فقه الجنس في قنواته المذهبية.

6 ـ جمعيات حماية الحيوان في الشريعة الإسلامية.

7 ـ الخلفية الحضارية لموقع النجف قبل الإسلام.

8 ـ تجاربي مع المنبر.

9 ـ نحو تفسير علمي للقرآن الكريم.

10 ـ دفاع عن العقيدة.

11 ـ الأوليات في حياة الإمام علي (ع).

12 ـ ثلاثة دواوين مطبوعة.
إضافة إلى عدة مخطوطات لم تر النور بعد.
وخلّف الآلاف من المحاضرات المسموعة والمكتوبة والمرئية. ………..

مصادر معينة:
1-التمرد في شعر أحمد الوائلي (هنا)

2-الشيخ الوائلي
الوعي الرسالي في المنبر الحسيني (هنا)

3- موسوعة ويكيبديا (هنا)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى