أقلام

المقارنات الفردية

أمير الصالح

الكثير من الحكماء وأهل العقل من كل الأديان السماوية والثقافات البشرية ينادون بالقول وضمنا: ” استمتع بما تكسبه بجهودك وتجنب المقارنات الدائمة مع من هم أعلى دخلاً مالياً منك؛ لان عقد المقارنات الدائمة مع ما يملكه الآخرون تجلب التعاسة وتسلب الإحساس بالنعم التي بين يدي الإنسان وتمحو عناصر السعادة من بين جنباته”.
تصدر أخبار قيمة عقود لاعبي كرة القدم المحترفين الفلكية للأنباء في العالم، وتصدر أخبار الإيرادات المالية الفلكية لفناني العالم، وتصدر أصداء نشرات مجلة فوربس لأغنى أغنياء العالم وإعلانات أرباح صفقات بعض رجال الأعمال المحليين، تحفز البعض من الناس لعقد مقارنات بين أنفسهم
وبين أولئك الأكثر دخلاً في المجتمع والعالم.
وقد تكون بعض تلكم المقارنات غير منطقية وغير عقلائية وغير عادلة لإغفالها جوانب رئسية عديدة. وفعلياً عقد المقارنات الدائمة بحياة وأملاك وإنجازات الآخرين مثل القول: هذا الشخص عنده سيارة أحدث مني، أو أبناؤه أكثر توفيقاً مني أو ذلك الشخص حاز شهادات أكثر أو راتبه الشهري أضعاف مضاعفه عن راتبي، سيُصاب المقارن ببعض الملوثات النفسية مثل الحسد أو خيبات الأمل القاتلة أو الاستقطابات الاجتماعية أو الضمور الذاتي أو الانهزام الداخلي أو النفور النفسي.

يعلق البعض على ذلك النداء بأن قولنا تجنب عقد المقارنات هو ضد النزعة البشرية وقد يعده البعض من الناس نداءً شبه إطلاق لمخدر الرضوخ للطبقية المقيتة، أو حجب عن المطالبة بالعدالة في توزيع الثروة، او انحياز لصالح فاحشي الثراء. وقد يقول آخر:
إن ذلك القول هو دعوة العاجز عن إبرام أي إنجاز، أي: دعوة ممن لم يطل قطف العنب فتقمص روح الزهد فيه بالقول إنه عنبٌ حامض. وآخر يقول: هذا التفاوت الكبير في الدخول المالية هو سبب لعدم الاستقرار الاجتماعي وحتماً سيزول أو يجب العمل على إزالته. وفي المقابل يقول البعض: لكل مجتهد نصيب وهؤلاء الذين وصلوا قمة الهرم في الاحتراف اجتهدوا فاخذوا نصيبهم.
وآخرون لا يرون أية غضاضة في تكدس الثروات بأيدي ١٪؜ أو ٥٪؜ من مجموع أبناء وطن ما، لأنهم مستفيدين أو ينتابهم نصيب من المستفيدين.

دعنا نتعمق قليلاً في الموضوع ونسترسل بعض الشي. ماذا ستكون ردة فعلك إذا عرفت أن رئيس شركتك الأعلى يستلم ١٠٠٠ (ألف) مرة ضعف راتبك؟
البعض قد يُصاب بالإحباط والارتباك النفسي، وقد يصل الحال بالبعض من الموظفين في مراودة القرار بالاستقالة من تلكم الشركة للإعراب عن ضيق النفس الذي حل بهم من العلم بالفارق الشاسع جداً في الرواتب بين الموظفين والمدراء. بل ينظر إلى نفسه على أنه معدم، ولن يقتنع بما في يده. وهنا يمضي الزمن وهو في حالة بسخط دائم على واقعه، وفي الوقت ذاته لا يستمتع بما استطاع أن يحرزه.
جملة اعتراضية: لك أن تتخيل ردود الأفعال لو أن الشفافية في بلد ما وصلت لدرجة كبيرة، بحيث يكون متاحاً لأي طرف من أبناء المجتمع أن يتمكن في معرفة الدخل المالي لأي شخص من أبناء وطنه!

على افتراض أن الإنسان جُبل على عقد المقارنة مع المحيطين به، فلا بأس أن ننوه بأن المقارنات لها اتجاهين: مقارنة في اتجاه الأعلى ومقارنة في اتجاه الأدنى. وإن كان لا بُد من عقد مقارنات فلا بأس بالتوظيف الإيجابي لها بعد عقلنة عناصر المقارنة ووضعها في الإطار
والحدود المعقولة. فمن الحكمة عند عقد مقارنات على المستوى الاجتماعي أو المالي مع من هم الأعلى دخلاً مالياً أو وجاهة اجتماعية upward social comparison أن نوظف تلكم المقارنة بهدف استجلاب التحفيز الذاتي للمزيد من العمل والمثابرة والجد للارتقاء نحو القمة في الهرم الوظيفي أو التجاري أو الصناعي، والمبادرة في البذل بسخاء لتحصيل المكانة المرموقة اجتماعياً من خلال استكشاف نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف inspiring and motivation.
ومن الجيد أيضاً عند عقد مقارنات مع الأدنى دخلاً أو وجاهة downward social comparison زرع روح الحمد والرضا والقناعة، وليس استنبات روح الكسل أو التفاخر أو الركون إلى ما تم تحصيله.

الإفراط في المقارنة مع من هم أعلى دخلاً مسبب للاستقطاب الداخلي وانخفاض معدل الولاء للانتماء الاجتماعي، ويزيد البون في نفس الشخص العاقد للمقارنة مع الأيام، ولا سيما إذا اضمحلت العدالة الاجتماعية وانطمست مستويات تكافؤ الفرص وتجذرت مستويات المقارنة السلبية بإفراط مشين.
يورد مؤلف كتاب (السلم المكسور / Broken ladder ) مجموعة تحاليل نفسية لأحداث واقعية تسلط الضوء على ملفات المقارنات الاجتماعية مع من هم أعلى دخل مالي من عدة جوانب. وهناك جملة كتب تساعد الإنسان في تجنب مشاعر سلبية جمة أبرزها “الإنسان المقهور ” للكاتب حجازي.
وختاماً، بعد بذل الجهود وتوظيف المهارات المكتسبة والسعي الجاد في صقل الخبرات لخلق واقع أفضل من كل شخص لصالح نفسه، أدعو لتقليل أو تفادي المقارنات مع حياة الآخرين وتبني مقولة ” القناعة كنز لا يفنى “. وفي الوقت ذاته أدعو لأن يكون واقع كل منا:
” اعمل جاهداً ودائماً حتى يكون يومي أفضل من أمسي وغدي أفضل من يومي “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى