أقلام

التركيز

أمير الصالح

كل الحالمين بالثراء تلهج ألسنتهم واستشهاداتهم في الأقوال والكتابات بقصص ثراء السيد بيل جيت والسيد وارن بافيت ومارك وغيرهم. ففكر الحالمين وتركيزهم متعلق بالشخصية التي يتمنون أن يكونوا نسخة منها في مجال المال والأعمال، ويغفلون واقعهم أو لا يعيشونه بكل تشعباته ومعطياته ومتغيراته في بلدانهم. وتمضي الشهور والسنون من أعمارهم، فلا هم أصبحوا أثرياء ولا هم استمتعوا مع أفراد أسرهم بما حباهم الله به من نعم وصحة ووقت. بل إن البعض أهمل أشياء رئيسة عديدة على أساس شيء يحلم به ويدغدغ مشاعره به ويوهم نفسه أنه يعيش طموحاً.

على النقيض من ذلك الصنف البشري، هناك اُناس يمطرونك برسائل ليل نهار بأخبار كل الراحلين والقلاقل والأحداث السوداوية في العالم أجمع من حروب
وإفلاس شركات وانهيار مؤشرات ووفيات دون هوادة. حتى بلغ البعض بهم الحال أن يجلبوا أخبار المتوفين من العالم الغربي وعالم السينما وأخبار زواجات وطلاق أهل الطرب في البوليوود وهوليوود كما لو كانوا روؤساء تحرير صفحة الحوادث في أحد المواقع المختصة. وإيضاً هذا المجموع البشري انفصلوا اختياراً عن واقعهم وأتعسوا أنفسهم ومن حولهم بالإفراط في ذكر أخبار الموت وإن رفعوا يافطة ” كفى بالموت واعظاً “، وكان الأجدر هو التحفيز على الإنتاج واستكشاف الموهوبين أو التشجيع على صقل مهارات الأحياء و تبنيها أو الدعوة لتبنيها.

ولا يفوتني أن أذكر فئة أخرى تمتطي وهم الثقافة وتفسد سعادتها وتوتر علاقاتها مع المحيط الاجتماعي في جدليات أزلية جوفاء وعناوين باهته مشروخة ومشاغبات فكرية غير مبتلى بها في وسطه، فيضيع أيامه والكثير من موارده بالحروب الكلامية التي لا تُسمن ولا تُشبع من جوع.

فلا هذا الحالم بالثراء الفاحش ولا ذلك المكتئب ولا ذلك المتثاقف غير الواقعي يثيران الرغبة في حياة معتدلة تنم عن روح الاستمتاع والسعي المحمود ولا أجادوا التركيز في السعي لصنع حياة أفضل وخلق أفق أكبر للسعادة. ففشلوا جميعاً في أن يكونوا مثال يحتذى به في صنع الحياة السعيدة.

على الضفة الأخرى، كما العديد من الناس أصبحت اُثقل من تعدد المهمات التي تُناط بي كأب وكزوج وكموظف وكابن وكطامح وككاتب ومؤلف وباحث ومستقصٍ حقائق وحامل لأهداف. وأضحيت أسمع كلمة ركز معنا في بعض الاجتماعات الأسرية والمكتبية حينما يشرد فيها ذهني. كما نعلم، الشرود يطرأ نتيجة عدة أمور، ومنها كثرة الالتزامات وتقارب تواريخ استحقاق الأهداف المطلوب إنجازها وتسارع المتغيرات في أسعار السلع والقوانين والتشريعات وأيضا الانغماس في فكرة ما أو التعرض لكم هائل من الضخ الإعلامي المثير للفضول في أي مجال. والجزئية الأخيرة أي الضخ الإعلامي عبر وسائط التطبيقات الاجتماعية هي محطة جدير تسليط الضوء عليها بعض الشيء.
حديثاً قمت بتجربة بسيطة في مضمار تطبيقات الذكاء الصناعي ووقفت بنفسي على نتائج مخيفة. ففي التجربة، أدرجت متابعة لمغرد في التويتر يعرض مواد فكاهية بقصد كسر الرتابة ورسم الابتسامة على محياي. بعد إعادة التصفح في تطبيق تويتر وجدت تغريدات مغردين آخرين على الصفحة الأولى لتصفحي لذات التصنيف ( مفاكهة ونُكت)
بعد أقل من ٤ أيام، وجدت أن كمية الضخ لمواد الضحك
وفيديوهات المواقف الطريفة قد سيطرت على كامل قائمة التغريدات التي تماطرت. فأوقفت المتابعة وألغيتها.
لك أن تتخيل أن المتابعة وقعت في يد طالب لم تنضج أهدافه ورؤيته عن العالم. ولك أن تتخيل أننا نعيش في الثورة الصناعية الرابعة حيث إن إرهاصات الانتقال من إنترنت الأشياء internet of things أي الجيل الخامس إلى الحديث عن إنترنت الأحاسيس internet of feelings حيث الجيل السادس من ثورة عالم الاتصالات.

في الجيل السادس سيكون للتطبيقات الذكية القدرة على تحليل وقراءة أحاسيس مستخدم التطبيقات عبر الهاتف الجوال وتغذية ما يود المبرمج / الشركات أن يغذيه من أحاسيس في عقل وقلب الشخص أو الأشخاص المستخدمين لبعض التطبيقات الصناعية.
هكذا معلومات قرأتها وفهمتها بناء على ما يجول في أروقة بعض المواقع الإلكترونية وبودكاستات عربية وأجنبية.
وعليه أسترعي انتباه القراء من محاورة الذات عند وجود إغراق إعلامي تجاه معين صادر عن تطبيقات الذكاء الصناعي التي قد تغرق الإنسان في بحور من الفضول التافه، والأمر لعله بأهمية أكبر في استحضار العقل الناقد والباصر في محضر استخدام الشباب والطلبة لبعض تلكم التطبيقات.

فتشت عن عمليات تحسين مستوى التركيز لدي لكي أضبط البوصلة نحو تحقيق الأهداف سواء الصغيرة أو الكبيرة منها. بعد عدة تصفحات وقراءات وممارسات تطبيقية لمست أهمية الآليات التالية، وأحببت أن أشارككم إياها وأن كان البعض منها أضحى معلوماً ويطبق في حياته اليومية:

– تفعيل استخدام قائمة الأعمال To- Do List بشكل يومي أمر مهم وحيوي ومجذر لممارسات صحيحة.

– إيقاف تنفيذ عدة مهام في ذات الوقت والأكتفاء بإنجاز مهمة واحدة في الوقت الواحد.

– في الغالب جملة ” لا أستطيع ” تعني ” لا أريد” أي هروب من الإنجاز بطريقة سهلة، ” لا أريد ” تعني في بعض التوظيفات غير المبالي. استدراك القول قبل الفعل أمر مهم.

– تجنب المشوشات والمقاطعات مثل إيقاف التصفح المستمر للواتس والتويتر والفيس بوك والسناب شات وتك توك وتقليل العضوية في القروبات التي لا تتماشى والأهداف البناءة لطموح الواعي والواقعي

– الاكتفاء بمشاهدة الأخبار الرئيسة مرة واحدة باليوم والاقتصار على متابعة أخبار الحوادث والوفيات في منطقتك في القروبات المخصصة لذلك.

– الابتعاد عن أية مجموعة أو ديوانية أو مجلس أو نادي أو قروب افتراضي يهدر ويستنزف الوقت فيما لا يهم الشخص المعني ولا حتى المجاملة في ذلك

– إعادة استكشاف طرق العيش بسعادة، والاستمتاع بما في حيازتنا من مواد ونِعم مع من حولنا من الاهل والأقارب والأصدقاء.

– الاستلهام من قصص أهل الثراء وأهل الزهد وأهل المعرفة بالقدر المعقول والعملي والمتاح والمتوائم مع طبيعة وإمكانات كل فرد.

وأختم المقال بما روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: “*صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله ”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى