بشائر المجتمع

الشيخ آل سيف: المختار الثقفي حَظِيَ بالإذن الخاص من الإمام المعصوم

بشائر: الدمام

تحدث سماحة الشيخ فوزي آل سيف حول حركة المختار بن أبي عبيدة الثقفي، مبيناً تقييم الشخصية، وتقييم الحركة نفسها، متسلسلاً في أحداث هذه الحركة من البداية إلى مقتل المختار الثقفي، على صعيد التسلسل الزمني، ذاكراً ذلك في الليلة الـ ٢٩ من محرم.

وتناول شخصية المختار وحركته، لاسيما وأن كِلا الأمرين من الأمور التي تثير جدلاً بين أتباع مدرسة الخلفاء، وبين أتباع مدرسة أهل البيت، بل حتى في داخل دائرة أتباع أهل البيت، إجمالاً يرى أتباع مدرسة الخلفاء شخصية المختار الثقفي شخصيةً سيئة، فالبعض يرى أنه ادعى النبوة، وادعى نزول الوحي عليه، وكان يتعامل بالسحر كما يزعمون، وهذه الألفاظ موجودة في مصادر كتب المدرسة السنية واضحةً جدًا، لاسيما وأن الذي كتب مصادر التاريخ عندهم إما كان ضمن الجو الزبيري، أومتأثرًا بما تركه الزبيريون من كتب.

وذكر سماحته بأن إبن الزبير الذي يستفيد من علاقته مع زوجة رسول الله عائشة، باعتبار أن عبدالله وأمثاله أمهم أسماء بنت أبي بكر، فهم مختلطون في النسب، فمن البديهي أن يكون لهم موقعية أيضًا باعتبار موقعية عائشة زوجة النبي في وسط مدرسة الخلفاء، فحين كتب هؤلاء التاريخ تعرضوا للمختار الثقفي وهو عدوهم في المواجهة العسكرية، فمن الطبيعي ألا ينصفوه.

وبين سماحته الجهات المختلفة لكُتاب التاريخ، قائلاً: “قسم آخر ممن كتبوا التاريخ كانوا متأثرين بالاتجاه الأموي، باعتبار أن المختار تتبع قادتهم العسكريين، وقتل عبيد الله بن زياد، وواجههم مواجهة شرسة فليس من الطبيعي أن يمدحوه، فهذه المدرسة بشكل عام كان نظرها نظرًا سيئًا تجاه المختار”، ومشيراً إلى موقف مدرسة أهل البيت بأن بعض العلماء تبين لهم جزءً من الروايات ذم المختار الثقفي، ورأوا أمامهم أيضًا كمًا كبيرًا من النقولات التاريخية التي كتبها الزبيريون والأمويين وأتباعهم، فأصبحت هذه مضافة إلى هذه، لذلك اتخذوا من المختار موقفًا غير إيجابيًا.

واسترسل بذكر القسم الآخر الأكثر عددًا  والأكثر تحقيقًا، بحسب ما ورد من الروايات هي روايات مادحة وواضحة وكثيرة، ولا يمكن أن تُترك ويُصدق كتاب أمويين أو زبيريين أو من يتأثر بهم، مُختصراً بذكر ما كتبه المرحوم مرجع زمانه الإمام الخوئي، وكما يقولون: (إذا وصل الأمر إلى تحقيق مثل الإمام الخوئي فيكفي).

وبين في كتاب الإمام الخوئي (معجم رجال الحديث) أن الرواة الذين رووا روايات عن المعصومين، وتحقق إن كان ثقة أو غير ثقة، وهل هو ممدوح أو مذموم، مُفصّلاً ذلك أن الجزء ١٩ بالكتاب باسم (المختار بن أبي عبيدة الثقفي)، ذاكراً الأخبار الواردة في حق المختار على قسمين مادحة وذامة، أما المادحة فهي متضافرة -يعني كثيرة-، مستشهداً برواية عن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق قال: (ما امتشطت فينا هاشميةٌ ولا اختضبت، حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين)،موضحاً السرور الذي ادخله المختار على بني هاشم وزوجات المعصومين وغيرهم، مُعقباً السيد الخوئي بصحة هذه الرواية.

وتابع مستشهداً برواية أخرى عن أبي جعفر الباقر قال: (لا تسبوا المختار فإنه قتل قتلتنا، وطلب بثارنا وزوج أراملنا وقسم فينا المال على العسرة)، أي أعطى أهل البيت وبني هاشم أموال ساعدهم فيها على حياتهم.

وأكمل مسترسلاً بالرواية الثالثة عن الإمام الباقر، التي تُعد من أوضح الروايات يقول الراوي: (دخلنا على أبي جعفر يوم النحر في منى، وهو متكىء وقد أرسل إلى الحلاق  فقعدت بين يديه، إذ دخل عليه شيخٌ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه الإمام ثم قال له: من أنت ؟ قال أنا أبو محمد الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فمد الإمام يده إليه وقربه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده، ثم قال الحكم بن المختار: أصلحك الله، إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك، قال الإمام : وأي شيءٍ يقولون ؟ قال: يقولون كذاب ولا تأمرني بشيءٍ إلا قبلته).

وتابع: (فقال: سبحان الله! أخبرني أبي إن مهر أمي كان مما بعث به المختار، أولم يبنِ دورنا؟ ،وقتل قاتلينا، وطلب بدمائنا رحمه الله، وأخبرني والله أبي أنه كان ليتم عند فاطمة بنت علي يمهد لها الفراش ويثني لها الوسائد، ومنها أصاب الحديث، ثم قال: (رحم الله أباك ما ترك حقًا لنا عند أحدٍ إلا طلبه قتل قتلتنا وطلب بدمائنا)، لافتاً سماحته إلى المطالب الكثيرة جداً في هذه الرواية.

وشرح قائلاً: ” أولاً: ترحم الإمام في هذه الرواية ثلاث مرات له معنى، ثانياً: تقريره أنه كان يعين أهل البيت ماليًا بالإضافة إلى أنه قتل قتلتهم، وطلب بدمائهم له معنى، ثالثاً: كونه كثير التردد على بيوتهم حتى أصاب الحديث من فاطمة بنت الإمام علي له معنى كبير أيضًا”، متسائلاً: “إذن ماذا نفعل في الروايات الذامة؟، بعد دراسة السيد الخوئي للدراسات الذامة يقول: (وأما الروايات الذامة فهذه روايات ضعيفة الإسناد جدًا)، فإذا كانت ضعيفة الإسناد فلا اعتبار بها، فكيف إذا كانت ضعيفة الإسناد جدًا ؟!، فالروايات التي تذم المختار حسب كلام هذا العالم الخبير لا اعتبار بها ولا يستند إليها”.

وأشاد قائلاً: “ثم يقول -الإمام الخوئي- فيه رواية من الروايات فيها تهافت وتناقض، فالقسم الأول ينقض القسم الثاني، فليس فقط سندها ضعيف، إنما في دلالتها يوجد تعارض وتهافت، فأول الكلام يناقض آخره مما يزيدها ضعفًا ووهنًا، ثم يقول ولو فرضنا أنها صحت، فسبيلها سبيل إنها لا تزيد عن الروايات التي تذم زرارة ومحمد بن مسلم، مع أن زرارة من أفضل أصحاب الإمامين الباقر والصادق!!”.

وعلل بتفسير العلماء على أن الأئمة كانوا لا يريدون أن يظهروا أمام السلطات والأعداء، شدة علاقة هؤلاء بالأئمة ويشبهونها بقضية السفينة المذكورة في سورة الكهف، التي خرقها الخضر، مُجيباً لأنه هناك ملك طاغية يبحث عن أي سفينة صالحة يسلبها، فإن كسرت بعض الألواح تصبح غير نافعة، مشيراً إلى إسلوب الدفاع عن هذه السفينة وهو العطب حتى لا تسلب ولا تغصب، منبهاً إلى أن الأئمة يذمون زرارة ومحمد بن مسلم والمختار حتى لا يكون في حسبان الطاغية إنه من جماعتهم، ويقضي عليهم قضاء مبرم.

كما تطرق إلى حركة المختار وعلاقته مع التوابين وكيف أقام هذه الحركة، متسائلاً: “أين كان المختار حين تحرك التوابون؟، ولماذا لا نرى له دور واضح في هذا الأمر؟، بل ربما لم يكن عنده تفاعل!”، مشيراً إلى أحد الأجوبة أن قسم من فترات إعداد التوابين أنفسهم كان المختار الثقفي مسجونًا.

وذكر القسم الثاني من أحد الأجوبة وهو اختلاف النظرية، منوهاً إلى وجوب الالتفات لهذا الأمر؛ لأن له تطبيقات في التاريخ حتى في الحاضر إلى الآن، مفصلاً أن جزء من الناس ينهض في مواجهة الظلم حتى لو أدى ذلك إلى قتله وقتل أهله، وجزء آخر لاينهض إلا بإعداد العدة بشكلٍ تام بحيث يصبح لعمله نتيجة وأثر، متمثلاً بِـ زيد بن علي بن الحسين الذي كان من علماء أهل البيت ومن المخلصين لهم، حينما أراد النهوض في مواجهة بني أمية استشار الإمام الصادق، فقال له الإمام: (يا عم إن شئت أن تكون المصلوب في كناسة الكوفة فافعل).

ووضح جواب الإمام الصادق على ثورة زيد قائلاً: “إن أردت من خلالها السيطرة على الكوفة وحكمها، وإسقاط بني أمية فهذا لن يكون، أما إذا كانت كلمة حقٍ عند سلطانٍ جائر حتى لو قتل الإنسان، فقام الشهيد زيد بثورته وقتل وترحم عليه الإمام، فلو سأل أحد لماذا لم يمده الإمام بالرجال والأموال مع أنه كان مخلصًا وعالمًا؟!”

وأكد على وجود نظريتان: نظرية عدم النهوض إلا بعد إعداد العدة بشكل كامل، والتأثير في الواقع الاجتماعي، ونظرية النهوض وقول الحق والتضحية بالنفس والوقوف في وجه الطغيان، متمثلاً بالشهيد محمد باقر الصدر في العراق الذي يعلم إنه لن يتغير شيء لكنه أقر بعدم النهوض في وجه الطاغية حتى لو قتل وسُفك دمه، فهذا من الممكن أن يؤثر في المستقبل، مشيراً إلى تأييد أكثر العلماء للنظرية الأولى.

ولفت إلى حركة التوابون ونظريتهم كانوا ينهضون والنتيجة عند الله، حتى وإن أدى إلى سفك الدماء، فالمهم هو أداء الواجب، بينما شخص آخر مثل المختار حركته مختلفة عنهم، ونظريته تكون في التخطيط السليم وإعداد العدة، فالمهم هو النتيجة والأثر، مُعللاً لذلك لم يشترك المختار الثقفي مع التوابين في حركتهم.

وتساءل قائلاً: “جميع الأئمة بعد الإمام الحسين لم ينهضوا بحركة ثورية قوية في مواجهة السلطات لماذا ؟، قد يكون هذا هو السبب أنه ليس هناك مقدمات ومعدات للانتصار، وكانوا يرون أن بقاءهم وبقاء شيعتهم وأن يبقى الدين والإسلام، أفضل من أن يقتلوا في عمل ثوري من ذاك النوع”، مبيناً اختلاف النظريات بين المختار الثقفي الذي يرى أن الثورة والحركة المعارضة لا بد أن تُخطط للنجاح والنصر، بينما التوابون الذين يقومون بأداء الواجب حتى لو لم يغيروا شيئًا فسيصبحون شهداء.

ووضح سبب تخلف المختار عن التوابين حيث إنه انتفع بمن بقي منهم بأن يكونوا معه في الثورة؛ ليقتلوا قتلة الحسين ويسيطروا على الكوفة ولو استطاعوا أن يأخذوا الخلافة بشكل كامل فلا مانع.

وتساءل: “هل كان عمل المختار على معرفة وتنسيق ورضا من المعصومين أم لا؟”، مستشهدًا بقول للسيد الخوئي: (ويظهر من بعض الروايات أن هذا يعني حركة المختار كانت بإذنٍ خاصٍ من السجاد وهذا يعتبر خطوة متقدمة، ثم يستشهد ويقول في رواية وقد ذكر جعفر بن محمد بن نما يقول: أنه جاءت جماعة وقالوا أن المختار يدعونا للنهوض وللحركة ونحن لا ندري هل أرسله إلينا محمد بن الحنفية أو لا، فانهضوا بنا إليه لنخبره بما قدم علينا فإن رخص لنا اتبعناه وإن نهانا تركناه).

وأكمل: (فجاءوا إلى محمد بن الحنفية وتحدثوا معه، فقال لهم: قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم علي بن الحسين، فلما دخلوا عليه أخبره بخبرهم الذي جاؤا لأجله فقال: يا عم لو أن عبدًا زنجيًا تعصب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته وقد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت).

وأكد موقف الإمام السجاد على قيام الثورات بعد مقتل الحسين، حتى لو كان شخصاً غريباً، فما بالك بالمختار!، متسائلاً: “لماذا لم يقل الإمام بنفسه للمختار تحرك؟ “، وذلك تحوطًا لنفسه من بني أمية، فغدًا بني أمية أو بني الزبير يظهرون وينتصرون، ويقولون هذا حركه علي بن الحسين فيقومون بإيذاء الإمام أو يقتلونه، وبالتالي لا منفعة في ذلك، موضحًا إنه كان هناك إذنٌ عامٌ و إذنٌ خاص للمختار، كما قال السيد من قِبل أهل البيت، وبناءًا على هذا تكون هذه الحركة مغطاة من الناحية الدينية.

كما نوه إلى أن ليس كل مجريات الحركة، من قِبل المعصومين، على سبيل المثال أنهم أحرقوا فلان من الناس بالنار، ليس بالضرورة أن يكون الإمام راضٍ عن مثل هذه التفاصيل، لكن أصل الحركة مأذونٌ فيها ومدعومة.

وعلل عن عدم الإذن الصريح المباشر من قِبل الإمام، مُفترضاً إنه لو قال الإمام أن المختار منا وعليكم بمساعدته في كل شيء، ولو أتى بعض أنصار المختار ببعض التجاوزات الشرعية، سيكون هناك حرج على الإمام، لذلك أصل الحركة والتوجه مأذونٌ فيه، لكن بعض التفاصيل التي قد لا يلتزم فيها بكل التوجيهات المطلوبة، تكون غير مؤيدة من قبل المعصوم.

يذكر أن أبناء الإمام الحسن وأحفاده، كانوا ممن يتبعون نظرية النهوض وقول الحق، ويرون أنه لا بد من إشعال الثورة، ومقاومة السلطات حتى لو قتلوا واستشهدوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى