أقلام

الإعلام ودوره في صياغة المجتمع

أمير بوخمسين

كان دور الإعلام في الماضي القريب مقتصراً على جمع المعلومات ونشرها، وأحياناً تحليلها، وذلك ضمن مجالات عمل ضيقة وباستخدام إمكانات وأدوات محدودة الفاعلية، إلا أن تبلور إمكانات وأبعاد ثورات المواصلات والاتصالات والمعلومات، أدت في الآونة الأخيرة إلى زيادة أهمية العملية الإعلامية، وساهمت في مضاعفة مسؤولياتها ومجالات عملها.

ومع الزمن تطورت نشاطات العملية الإعلامية واهتماماتها، حيث أصبحت تتجاوز عالم السياسة والاقتصاد والإعلان، وما يترتب على ذلك من تحليل للحدث ومحاولة استباقه، وتسليط الأضواء على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وللترويج لبضائع وأشخاص وأفكار معينة، وبالتالي الإسهام بفاعلية واستمرار في تشكيل مواقف الشعوب وأذواق المستهلكين، وتوجهات القادة في المجتمعات الإنسانية، على اختلاف مشاربها.
إن التطورات الحديثة في مجال الاقتصاد والسياسة، وتبلور مفهوم الاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب المختلفة، باعتبارها حقيقة حياتية أدت إلى الإخلال بالتوازنات التي سادت علاقة الاقتصاد بالسياسة لقرون طويلة.
ويمكن القول باختصار إن المجتمعات الإنسانية الحديثة أصبحت تخضع اليوم لثلاثة أمور رئيسة: العملية السياسية، والعملية الاقتصادية، والعملية الثقافية – الإعلامية، وهي عمليات متداخلة لا تعترف بالحدود السياسية ولا تقف عند شعارات أو أفكار أيديولوجية محددة، فنضوج ثورات الاتصالات والمواصلات والمعلومات من جهة، ونجاح الاقتصاد والنظم الرأسمالية الغربية في السيطرة على أهم النشاطات الدولية من جهة ثانية، أدى إلى ظهور مجتمع استهلاكي عالمي ذي قيم حضارية ومواقف مجتمعية متشابهة إلى حد كبير..
هذا بدوره ساهم في التحرك نحو الغرب من حيث القيم والتطلعات، وبالتالي أسهم في ترابط العملية السياسية والاقتصادية والإعلامية على الساحات الوطنية والدولية، وقيامها بتبادل الأدوار فيما بينها وفيما يختص بقيادة المجتمع نحو تحقيق أهدافه وتطلعاته الرئيسة، فبعد تبلور أبعاد ثورتي الاتصالات والمعلومات، وظهور المجتمع الاستهلاكي المعقّد، أصبح من الصعب السيطرة على المجتمع للحدّ من الاستهلاك.
وبسبب رخص أجهزة الراديو والتلفزيون والكمبيوتر والجريدة والكتاب وتوافرها، أدى ذلك إلى تمكين العملية الإعلامية من إيصال رسالتها إلى كل من كانوا بحاجة إليها، وإلى كل من كان على استعداد لاستقبالها.
أصبح الإعلام بسبب قدرته الفائقة على الوصول إلى كل مكان مباشر، أقدر على نقل الحدث حال وقوعه، وأكثر مصداقية من كل الأطراف الأخرى، إذ تميّزت رسالة الإعلام بالتنوع والجودة والعرض المشوّق والمريح، وخاصة بعد تحررها من قيود الأدوات القديمة وظروف الخضوع لأوقات فراغ المستهلك، مما أعطى الإعلام دور السلطة الرابعة المؤثرة بكفاءة أكبر، وعرض رسالتها بأسلوب أفضل، فالعلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة حميمة، تتصف بالتكامل والتفاعل المستمر والتأثير المتبادل، يجعلها تشكّل ثنائية فاعلة في تكوين الرأي العام وصياغته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى