أقلام

الاحتراف ضرورة أم ترف؟

أمير بوخمسين

«إن خير من استأجرت القوي الأمين» سورة القصص 26، هذا خطاب بنات نبي الله شعيب –عليه السلام- عندما استأجر النبي موسى –عليه السلام- في مساعدته لرعي غنمه وتأمينه بناته، فإطلاق الاستئجار يفيد أن المراد استخدامه لمطلق حوائجه التي تستدعي من يقوم مقامه، وإن كانت العهدة باقتضاء المقام رعي الغنم.
وفي حكمها بأنه قوي أمين، دلالة على أنها شاهدت النبي موسى من نحو عمله في سقي الأغنام، ما استدلّت به على قوتّه، وكذا من ظهور عفتّه أثناء الحديث معها وسقي أغنامها، ثم في صحبته لها عند ما انطلق إلى نبي الله شعيب، حتى أتاه ما استدلّت به على أمانته.
عامل القوة ليس كافٍ في تحقيق الهدف المنشود، إذ لم يتلازم مع الصفات الأخرى كالأمانة والصدق، والقوة المطلوبة في الحادثة المذكورة آنفاً، كانت مرتبطة بصفة رئيسة وهي الأمانة والإيجابية التي من خلالها تخدم الآخرين وتساعدهم في تحقيق أهدافهم، وهنا تبرز أهمية الاحتراف في أي عمل، حيث الكثير من أعمالنا ننجزها دون النظر في جودتها وإتقانها، ومع الزمن تتحول إلى روتين تتم ممارسته بشكل تلقائي تمر عليه السنين وتمضي وفي نفس المكان والزمن.
هذه الحالة جعلت الكثير من الشعوب والمجتمعات ترضخ للأمر الواقع دون إرادة السعي للاحتراف والجودة في العمل، فقد نرى شخصاً محترفاً في عمل ما ولكنه ينقصه الإتقان في عمله، وآخر تنقصه الأمانة وهكذا، ولعل القصة المشهورة للاعب المنتخب الفرنسي الجزائري الأصل المحترف زين الدين زيدان، الذي فوّت فوز منتخب بلاده عام 2006 بكأس العالم في المباراة النهائية التي أقيمت في ألمانيا بين فرنسا وإيطاليا، وذلك بسبب غضبه عندما ضرب اللاعب الإيطالي برأسه، ما سبب طرده من الملعب وأدى بذلك إلى خسارة المنتخب الفرنسي، رغم احترافيته وحصوله على جوائز كثيرة في مسيرته الكروية.
ليس الاحتراف فقط يعني حصولك على الشهرة، إذا لم تكن لديك المؤهلات الأخرى التي تحافظ بها على استمرارك في هذا الطريق، إذ يتطلّب ذلك العمل الجاد والاستمرارية، ولعل الآية القرآنية عندما أكدت على القوي الأمين، هاتين الصفتين، في أداء العمل، قد تشمل المقومات التي تساعد في بناء صفة الاحتراف الحقيقي:
· الإنتاجية سواء على صعيد الفرد أم المجتمع، فعندما نتحدث عن إنتاجية تكون مستمرة سواء في العمل أم المهارة.
· الإتقان، أي جودة العمل المنتج.
· التطوير.
· الإيجابية في العمل، لا أن تكون هناك الحالة السلبية، وإنما بالعمل بروح راضية بالعمل.
· التوازن في العمل، بحيث لا يهمل حياته الشخصية والعائلية ويكون عمله واحترافه على حساب حياته الخاصة، بينما التوازن وإعطاء كل ذي حقه.
هذه المقومات المطلوبة لأي مجتمع أو فرد يريد أن يحترف، وهو طريق يحتاج إلى بذل الجهد والتعب من أجل الوصول إلى القمة، وكما يقول المثل الإنجليزي «من السهل الوصول إلى القمة ولكن من الصعب المحافظة عليها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى