أخبار الصحف

رمضان زمان في مصر.. لماذا تكتسب المقاهي خصوصية تاريخية عند المصريين في الشهر الفضيل؟

بشائر: الدمام

شاردا بأفكاره اتجه عبد الرحمن إلى منطقة حي الجمالية بالقاهرة متذكرا عادته السنوية التي كان يقوم بها، وهي الذهاب إلى حي الحسين ليسير بين شوارعه التاريخية، ويجلس بأحد المقاهي التاريخية هناك.

قرر عبد الرحمن بعد جولته الذهاب إلى مقهى الفيشاوي، الذي لطالما أحب الجلوس فيه، لتناول كوب من الشاي، قبل أن ينهي جولته بالذهاب لتناول وجبة السحور وصلاة الفجر بمسجد الحسين.

يقول عبد الرحمن للجزيرة نت “الأجواء رائعة في المقاهي عموما، خصوصا عند مشاركة الأصدقاء والمعارف جلسات السمر الرمضانية، التي حُرم الكثيرون منها خلال العام الماضي، عقب الحظر جراء الموجة الأولى من فيروس كورونا”.

ورغم جائحة فيروس كورونا وتبعاتها؛ إلا أن ذلك لم يمنع اعتبار المقاهي قبلة للكثير من الفئات، خصوصا الشباب، خلال شهر رمضان الجاري، حيث يمثل ذلك الطقس أحد الطقوس الضاربة في القدم، التي اعتاد عليها المصريون منذ مئات الأعوام.

ولعل ذلك هو ما ظهر في تجمع كبير لمشجعي كرة القدم، خلال مشاهدة الدوري الأوروبي منذ أيام، وهو ما يراه خالد المصري، صيدلاني، أمرا جميلا رغم التحفظات حول التجمعات، وسط الحديث عن ضرورة التباعد الاجتماعي والإجراءات الاحترازية، اللذين يحتاجان إلى تطبيق، لا سيما خلال المباريات في ظل الحضور الواسع من الجمهور هناك.

ولفت المصري إلى أن المقهى عند المصريين عبارة عن وسيلة لتغيير جو وقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء، مبينا أن الذهاب خلال شهر رمضان إلى المقاهي الموجودة بمنطقة الحسين يعطي شعورا مختلفا في ظل جو من الروحانيات، والشعور بعبق الماضي الممزوج بالحضور الكبير من المواطنين هناك.

ويجدر بالذكر أن الحكومة المصرية كانت قد حددت مواعيد فتح وإغلاق المقاهي والمحلات في رمضان 2021 يوميا، حيث تفتح في 7 صباحا، وتغلق الساعة 11 مساء، وفق المواعيد الصيفية التي بدأ العمل بها مؤخرا.

ولا ينحصر دور المقاهي على مر التاريخ في تقديم المشروبات المختلفة للحاضرين فحسب، وإنما كانت مكانا لحضور متنوع ومختلف، فتجد مقاهي خاصة بالمثقفين، وأخرى بالكتاب والأدباء، وتارة بالسياسيين، وأخرى لعامة الشعب خلال شهر رمضان أو غيره من الشهور الأخرى.

ولعل مقهى الفيشاوي، الذي يوجد بقلب حي الحسين المتاخم لخان الخليلي، وأنشئ المقهى عام 1797، وهو أحد أبرز المقاهي في شهر رمضان، حيث اكتسب شهرته من خصوصية المكان الذي يوجد فيه، بجانب اعتباره قبلة لعدد من المشاهير والساسة بداية من نابليون بونابرت الذي قصده لتناول مشروب الحلبة.

ومرورا بشخصيات مصرية مشهورة مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكاتب الراحل نجيب محفوظ وأحمد زويل، ويكتظ بالحضور خلال شهر رمضان بشكل خاص؛ نظرا لموقعه المتاخم لمسجد الحسين، ناهيك عن خصوصية المنطقة، التي تتسم بكونها قبلة للسياح نظرا لتاريخها القديم.

ونجد مقاهي أخرى كانت وما زالت قبلة للمثقفين والأدباء والساسة مثل مقهى ريش، الذي تأسس عام 1908، وشهد أحداثا سياسية ساخنة، مرورا بكونه مكانا سريا لكتابة وطبع منشورات ثورة 1919 التي قادها سعد زغلول.

وكذلك مقهى بترو، الذي تعرف فيه نجيب محفوظ الأديب المصري الراحل على الأديب الراحل توفيق الحكيم، وكان يقضي فيه بعضا من وقته كما الحال بالنسبة لمقهى قصر النيل وعرابي.

ونجد أيضا مقهى زهرة البستان بمنطقة وسط البلد، وهي جميعها مقاهٍ ثقافية، اعتاد روادها من الكتاب والأدباء والفنانين على حضور الأمسيات الرمضانية الثقافية، التي كانت تعقد فيها، لتتحول إلى قبلة للعائلات ومختلف الأطياف الشعبية بمرور الوقت.

في كتابه “ملامح القاهرة في ألف سنة” يسرد الكاتب الراحل جمال الغيطاني خصوصية المقاهي في مصر، وأهميتها التاريخية منذ عصور طويلة، قائلا في الفصل الأول من الكتاب “حرم البعض القهوة لما رأوه فيها من الضرر، وخالفهم آخرون ومنهم المتصوفة، وفي 1037 للهجرة زار القاهرة الرحالة المغربي أبو بكر العياشي ووصف مجالس شرب القهوة في البيوت وفي الأماكن المخصصة لها”.

وتابع “في مطلع القرن الـ10 الهجري حسمت مشكلة تحريم القهوة أو تحليلها، وانتشرت في القاهرة الأماكن التي تقدمها، وأطلق عليها اسم المقاهي، ويبدو لنا أن هذه الأماكن كانت موجودة من قبل ذلك بمئات السنين؛ لكن لم يطلق عليها اسم المقاهي؛ لأن القهوة نفسها لم تكن دخلت إلى مصر”.

وقد يغفل كثيرون عن التاريخ الدموي للقهوة ولأماكن شربها، فها هو السلطان العثماني مراد الرابع يصدر أوامر بإعدام من يشرب القهوة، ويغلق أماكن شربها بدعوى حُرمة المشروب التي تحولت إلى فتنة؛ قبل أن تنتصر القهوة في النهاية بإباحتها وإتاحة تناولها، وفق الدكتور صبري أحمد المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث للجزيرة نت.

ولفت إلى أن البن دخل مصر في القرن الـ16، ومن بعدها ظهرت المقاهي التي انتشرت بالتدريج بعد أن قام العثمانيون بتعيين مفتٍ في مصر أجاز شرب القهوة لوأد الفتنة، التي حدثت بين المشايخ وتجار البن بعد أن كان هناك اعتقاد سائد بأن القهوة مشروب محرم.

وهنا انتشرت المقاهي وبات استخدامها وسيلة من وسائل قضاء وقت الفراغ وجلسات السمر، كما تحولت لمكان مثالي للأمسيات الرمضانية، التي كان يتخللها الغناء والشعر وعرض قصص ألف ليلة وليلة في صورة حكايات كان يقصها الحكاؤون داخل هذه المقاهي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى