بشائر المجتمع

الموسى يلقي الضوء على مشكلة الفقر ويطرح ما يعالجها

مالك هادي: الأحساء

“تدرَّجَ القرآنُ في طرحِ حلولِ الفقرِ في المجتمعِ المسلمِ بشكلٍ خاصٍّ، وفي المجتمعاتِ بشكلٍ عامٍّ، وقدْ بدأَ القرآنُ بالحثِّ على العملِ في جملةٍ مِنْ آياتِهِ” بهذا استهل سماحة الشيخ عباس الموسى إمام مسجد الإمام الكاظم ببلدة الحوطة في الأحساء حديث الجمعة.
فأكد سماحته على أن الإسلامُ ركزَ على أمورٍ اجتماعيةٍ دينيةٍ تساعِدُ على معالجةِ الفقرِ، مثل الصدقةُ، فهي تدلُّ على التكافُلِ الاجتماعيِّ؛ فبِها تنكسرُ جَميعُ الحواجزِ بينَ الغنيِّ والفقيرِ، وتختفِي مظاهِرُ الحسدِ والحقدِ في طبقةِ الفقراءِ للأغنياءِ الناتجِ عنْ تقتيرِ الأغنياءِ في النفقةِ واقتصارِها على أنفسِهِمْ، ويُعزِّزُ ذلكَ قيمةُ المسؤوليّةِ لدى الفقيرِ فيَضْطرُّهُ للسعيِ والعملِ بدلاً مِنْ سؤالِ الناسِ.

وذكر الموسى أن مِنْ أصعبِ الحالاتِ التي يمرُّ بها الفردُ والمجتمعُ حالةُ الفقرِ التي تجعلُ الفردَ أوِ الأسرةَ في وضعٍ يصعُبُ عليهِمْ مواجهةُ الحياةِ، فقدْ يصلُ الإنسانُ في بعضِ الأحيانِ إلى تمنِّي الموتِ وعدمِ رؤيةِ نفسِهِ في وضعٍ عاجزٍ عنْ توفيرِ قوتِ عيالِهِ، كما عبرُ أميرُ المؤمنينَ عنْ ذلكَ بقولِهِ: (الْقَبْرُ خَيْرٌ مِنَ‏ الْفَقْر).

وعن أسباب الفقر قال سماحته: للفقرِ أسبابٌ عامةٌ قد لا يتدخَّلُ الفردُ فيها أحيانًا، فالحروبُ والكوارثُ التي تحصلُ في العالمِ تدمرُ القُرى والبيوتَ والأُسَر والأفرادَ، وقدْ يكونُ الفقرُ بسببِ تدنِّي الأجورِ، وعدمِ توفرِ فرصِ عملٍ جديدٍ للأفرادِ، وأيضًا التمييزُ الطبقيُّ والعنصريُّ الذي يكونُ في بعضِ المجتمعاتِ والذي مِنْ خلالِهِ تحصلُ بعضُ الطبقاتِ على الامتيازاتِ الماليةِ دونَ غيرِها، وعندَما تتمركزُ قُوى الفسادِ على المجتمعاتِ ونَرَى السُّرَّاقَ كلٌّ بحسبِهِ الصغيرَ والكبيرَ، يكونُ ذلكَ على حسابِ الطبقةِ التي لا تملِكُ قُوًى مؤثرةً في المجتمعِ فتكونُ فقيرةً.

وعنْ أسبابِ الفقرِ الخاصةِ، ذكر سببين وهما:
السببُ الأولُ: ما يعودُ للفردِ نفسِهِ: والنظرُ للفردِ مِنْ جهتينِ: الأولَى: مِنْ جهةِ عدمِ حركيتِهِ للحصولِ على العملِ، إمَّا بسببِ عدم المبالاةِ أوِ النومِ وعدمِ البحثِ عنْ عملٍ، ولِذا يقولُ الإمامُ الصادقُ (ع) كما وردَ في الصحيحِ عنهُ: (أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَ‏ رَجُلًا دَخَلَ‏ بَيْتَهُ‏، وَأَغْلَقَ‏ بَابَهُ، أَ كَانَ‏ يَسْقُطُ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ مِنَ السَّمَاءِ؟)، وفي روايةٍ أُخرَى عنهُ قَالَ:‏ (لَا تَكْسَلُوا فِي‏ طَلَبِ‏ مَعَايِشِكُمْ‏ فَإِنَّ آبَاءَنَا كَانُوا يَرْكُضُونَ فِيهَا وَيَطْلُبُونَهَا)، وهذا ما نلمسُهُ في الواقِعِ مِنْ آبائِنا، يعملونَ في الفلاحةِ والتجارةِ الصغيرةِ -يبيعُ الخضارَ في الشارعِ وفي حرِّ الشمسِ وفي شدةِ البردِ- وکلُّ ذلكَ مِنْ أجلِ توفيرِ المعيشةِ لأولادِهِمْ، لماذا لا يتحركُ الشبابُ كالآباءِ في ذلكَ؟
عندَما يستشعِرُ الشابُّ الحاجةَ إلى الزواجِ، والحاجةَ بلْ ضرورةَ الإنفاقِ على زوجتِهِ وعيالِهِ، فمِنَ المفترضِ أنْ يقبلَ بأيِّ عملٍ مِنْ أجلِ توفيرِ سُبُلِ المعيشةِ.
ووجه الموسى رسالته لمن لا يعملون من الشباب فقال: إنَّ كلَّ عملٍ فيهِ كفُّ يدكَ عنِ السؤالِ مِنْ هذا وذاكَ، وحِفظُ ماءِ وجهِكَ وصونٌ لعيالِكَ فهو عملٌ شريفٌ، وأبسطُ الأمثلةِ غسيلُ السياراتِ، لماذا لا تقومُ بغسيلِ السياراتِ وتأخذَ أجرتَكَ. بعضُ الشبابِ يقولُ: بذلتُ جهدًا في الجامعةِ ولا أريدُ أنْ أعملَ في غيرِ تخصصِي، أو يقولُ: أريدُ وضيفةً في مكتبٍ باردٍ وجلسةٍ مريحةٍ، وهذا غيرُ صحيحٍ، نعمْ، إنْ توفرتِ الوظيفةُ المتطابقةُ معَ التخصصِ، والوظيفةُ المريحةُ فبها ونعمت، وإنْ لمْ تتوافرْ فليسَ بالضرورةِ أنْ نعملَ عملًا في مكانٍ مريحٍ بل لا بدَّ مِنَ العملِ، حسبَما تتوفرُ الفرصةُ ويقتضيهِ الرزقُ.

ومن جانب ثانٍ تحدث عن تقديرُ المعيشةِ والمصروفِ الشهريِّ واليوميِّ، فقال: الكثيرُ مِنَ الشبابِ يصرفونَ بِلا حسابٍ ولا تدقيقٍ، حتَّى مَعَ الظروفِ الصعبةِ التي نمرُّ بِها مِنَ التدهورِ الاقتصاديِّ، فالوظائِفَ قَلَّتْ، والأجورَ تدنَّتْ حتَّى إنَّ بعضَ الشركاتِ قالَتْ لموظفِيها إمَّا أنْ تأخذَ أجرًا أقلَّ أوْ تخرجَ مِنَ الشركةِ، وصحيحٌ أنَّ الموادَّ ارتفعَتْ: الكهرباءَ والمياهَ والمحروقاتِ، والموادَّ الغذائيةَ، والمكالماتِ الهاتفيةِ، علاوةً على الضرائِبِ التي تكونُ مِنْ حسابِ الأفرادِ، ولكنَّ السؤالَ: كيفَ تعامَلْنا معَ هذِهِ التغيراتِ الصعبةِ؟ كيفَ كانَتْ سلوكياتُنا في المصروفِ الشهريِّ، والكمالياتِ في حياتِنا؟ هلْ تغيَّرَتْ وتبدَّلَتْ أوْ هيَ على ما هيَ عليهِ؟ بلْ ربَّما زادَتْ!

من جهة أخرى أشاد الشيخ الموسى ببعض مظاهر البذخ التي أختفت بسبب الجائحة فقال:  كمظاهِرِ الزواجِ المكلفةِ على عاتقِ الزوجِ، والولائمُ الكبيرةُ، والصالاتُ الكبيرةُ والمرتفعةُ الأجرةِ، وتعدُّدُ المناسباتِ؛ ليلةُ الحناءِ وليلةُ الشبكةِ وليلةُ العرسِ وغيرُ ذلكَ مِنَ الاستهلاكاتِ الماليةِ، بالإضافةِ إلى أنَّ الزواجَ انحصَرَ بالعائلةِ والأصدقاءِ المقربينَ، وتزوجَ العديدُ مِنَ الناسِ في زمنِ كورونا وأنجبوا الأولادَ، فهلْ نحنُ بمستوَى الوعيِ في الاقتصادِ وعدمِ الإسرافِ في ذلكَ؟
فهل نواصلُ الزواجَ بهذِهِ الطريقةِ حتى بعدَ ارتفاعِ الوباءِ أو تخفيفِ القيودِ أوْ نعودُ كما كُنا؟!

وقدم سماحته للشباب توجيها مهما في حياتهم الاقتصادية فقال: عليكم بالعقلانيةُ أيُّها الشبابُ في الحسابِ الاقتصاديِّ الذي يساعدُكَ على العيشِ بكرامةٍ، فمِنَ الضروريِّ أنْ يلتفِتَ الشبابُ إلى تخصيصِ حصةٍ للطوارئِ الاقتصاديَّةِ، بمعنَى أنَّ الفردَ الموظفَ عليهِ أنْ يقسِّمَ مرتبَهُ الشهريَّ إلى أقسامٍ، منها ما يُستهلَكُ، ومِنها ما يُدَّخَرُ، ومِنها ما يكونُ للطوارئِ،

السببُ الثانِي: مساهمةُ المجتمعِ في الفقرِ، وذلِكَ مِنْ جهتينِ: الأولَى: عدمُ وجودِ التكافُلِ الاجتماعيِّ القويِّ والمؤثرِّ في رفعِ حالةِ الفقرِ عندَ بعضِهِمْ، مِنْ خلالِ المؤسساتِ الاجتماعيةِ كالجمعياتِ الخيريةِ والصناديقِ المخصصةِ لذلِكَ، وتفعيلِها  مِنْ قِبَلِ المجتمعِ بالدعمِ والمساهمةِ المستمرةِ والفاعلةِ في ذلكَ.
والثانيةُ: تعويدُ المجتمعِ للفقراءِ مِنَ الشبابِ على العطاءِ الماليِّ، وهذا ما يساعدُ على اكتفائِهِمْ بِذلكَ والكسلِ وعدمِ البحثِ عنْ وظيفةٍ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى