بشائر المجتمع

الهميلي: كنت خائفة من مواجهة اللجنة والجمهور.. ولكن تورطت!

رباب النمر، سهام البوشاجع: الأحساء

ضمن فعاليات مجموعة آراء وأصداء الثقافية، استضافت المجموعة الشاعرة المتألقة حوراء الهميلي عبر منصة الزوم الافتراضية في أمسية عنوانها (حوراء والضوء، مسيرة الظمأ) في حوار شائق أنيق تظلله القوافي، وتنتثر بين أغصانه بلابل النقد، حاورتها القاصة (أمينة الحسن)،وقدم الناقدكاظم الخليفة ورقة نقدية حول ديوان الهميلي (ظمأ أزرق).

وقدم الأستاذ كاظم الخليفة قراءة انطباعية لديوان الشاعرة حوراء الهميلي (ظمأ أزرق) عنوانها (بنان خضبه الشعر)، حيث وصف الديوان  بذكاء كاتبته، وأنه جسد شخصيتها الأنثوية في كثير من قصائده، وقال عن مجموعته الأولى: إنها اتسمت بالأنثوية الطاغية، كالجرأة فيالإفصاح عن المشاعر أكثر من الرجل، وقال: إنالحبفي مجموعته الثانية جاء حاضرًا كقيمة إنسانية أصيلة متشحًا بردائه، وهذا خلافما قالهسيمون دي بوفوار(إن النساء يحلمن من خلال أحلام الرجال). وأما عن المجموعة الثالثة في الديوان فقد نقدهاالخليفةبأنهامجموعة طغت فيها الفلسفة الوجودية والاشتباك مع قضاياه من خلال محوري الموت والقدر، مشيرًا إلى أن نصوص الديوان تعطي ملمحًالسمات الشعر السعودي المعاصر من حيث بروز الأنا الأنثوية الخالصة، مقابل هاجس الذكورية والتباسها في شعر المرأة، وأيضًا الالتزامبوحدة الموضوع في النص الشعري، وأن الذات القلقة والمتفاعلة مع الوجود لها حضور كبير.

ثم بدأت الحسن رحلة السؤال مع الهميلي.

بـ/ فكرة المشاركة في أمير الشعراء

دخول حوراء الأول على لجنة التحكيم في مسابقة أمير الشعراء التي أقيمت العام الماضي 2021م، كانت لحظة تاريخية للشاعراتالسعوديات عمومًا والأحسائيات خصوصًا، فكيف تولدت فكرة المشاركة في البرنامج؟ ولماذا فكرت حوراء أن تشارك فيه؟

قد يستميت البعض للمشاركة في برنامج أمير الشعراء، ولكن لم تخطر ببالي أبدًا مثل هذه المشاركة

لولا إلحاح بعض الزملاء من الشعراء، مع شعوري بالذعر والرهبة من هذا الموضوع.  وقد اعتقدت أن المشاركة هذا العام ستكون عن بُعد فلنأخسر شيئًا، فشاركت  كضربة الحظ وأرسلت النصوص بشكل عشوائي، وكنت خائفة جدًا. وقبل البث المباشر كانت هناك بعض الاختبارات،وكنت أتمنى في كل خطوة أن ينسوني، حيث كنت خائفة من مواجهة اللجنة والجمهور، ومن الوقوع في الحرج في البث المباشر، ومنالارتجال. كل هذه كانت هواجس، ولكن

تورطت!  فما كان أمامي غير إكمال التجربة التي كانت متميزة وصعبة ولاسيما أن هذا الموسم كان استثنائيًا بسبب الظروف المحيطة، ففيالمواسم السابقة كان الشاعر يقدم قصيدته ثم يعود إلى بيته، ويعود مسافرًا مع موعد حلقته القادمة، ولكن في هذا الموسم كان الشرط هوالبقاء لمدة ثلاثة أشهر في الإمارات ثم نغادر المسابقة نهائيًا أو نكمل حسب ظروف المسابقة.

كان التحدي يكمن في البقاء بعيدًا عن الأسرة والأطفال، وفي جو تنافسي صعب.

إن التجربة كانت مميزة واستثنائية وتعمل على إنضاج الشاعر شعريًّا وأدبيًا وإنسانيًا، وبالمصادفة أن يكون توقيت هذا اللقاء هو توقيت أميرالشعراء، فبعد ليلتين بالضبط كانت أولى مشاركاتي بالبرنامج.

المواجهة الاولى أمام اللجنة

صفي أول تجربة دخول على اللجنة في الإستوديو

كان برنامجنا للاستعداد طويًلا ومتعبًا. فقد كنا نذهب إلى المسرح تمام الواحدة ظهرًا ولا نعود إلا في وقت متأخر جدًا بعد منتصف الليل،وننتقل بين مهمات البروفات واللقاءات والتصوير والاستعداد، كان الجو متوترًا.

كانت أنفاسي تتسارع من فرط الخوف لما كان الدخول الأول على اللجنة، لذلك لم أكن أركز على اللجنة بل أتوهم بأني ألقي النص علىالجمهور، فالمقاعد كانت خالية بسبب جائحة كورونا، فلم يكن يسمح بحضور جماهيري.

مع دخولي الأول كانت أعين  أعضاء اللجنة تفيض فخرًا ومحبة وقد تلمست ذلك منذ البداية، لذلك كان الدخول جيد جدًا، وقد أحبت اللجنةتجربتي ودخولي.

تحديات أمير الشعراء

ما أبرز التحديات التي واجهتك أثناء مشاركتكِ في برنامج أمير الشعراء؟

يكمن التحدي في أن الوقت  كان محدودًا، وكل الشعراء يحكمهم هذا الظرف. ففي المراحل الأولى كانت مواضيع القصيدة اختيارية،ويحدد فقط عدد الأبيات 14 بيتًا، وفي المرحلة الثانية عشرة أبيات، وفي المرحلة الثالثة ثمانية أبيات..  وهكذا.

وكلما قل عدد الأبيات كبر التحدي حيث اختزال الفكرة المطلوبة في عدد قليل. من الأبيات حسب الضوابط.

في البداية كانت نصوصي المشاركة مكتوبة سابقًا (المرحلتان الأولى والثانية)  وفي المرحلتين الثالثة والرابعة كانت هناك شروط محددةبالنسبة للموضوع، فكان المشاركون مضطرين للكتابة، وكان التحدي يكمن في كوننا تحت ضغط هائل وسننتج نصًا يليق بذواتنا وبالجمهورواللجنة وبالحضور. كان يوم عرض الحلقة هو الثلاثاء، ويومي الأربعاء والخميس تصوير، والجمعة فراغ، وينبغي يوم السبت تسليم عنوانالقصيدة وموضوعها ومضمونها وأبياتها، ويوم الأحد موعد تسليم القصيدة، فالأيام معدودة، مع شعور المشترك بتمثيله للآخرين مما يحملهالكثير من المسؤولية وشعوره بهاجس تحقيق الكمال والمثالية في كل التفاصيل: الظهور والإطلالة والإلقاء وموضوع القصيدة.

وقد أصبت بالقولون من فرط القلق، ودخلت إلى المستشفى، وتنتظرني حلقة في الغد، وأنا مطالبة بالتصوير. كنا نعيش في دوامة من القلقوننتظر بفارغ الصبر متى ننتهي، ولكننا نستمتع الآن عندما نتذكر أيام التحدي.

النقطة المتميزة أننا نكتشف أنفسنا وأدواتنا تحت هذه الظروف الضاغطة، لقد شعرت بقدرتي رغم ظروف البعد والاغتراب وغياب الأهل.  ولمانصل إلى المحك نكتشف الأدوات الخفية التي لم نكن نعرفها سابقًا عن أنفسنا.

قصيدة مميزة

ما أقرب القصائد إلى قلبك في الفترة التي كتبتِ بها القصائد الارتجالية ببرنامج أمير الشعراء؟

أثناء فترات الضغط عادة لا يرضى المبدع عما يكتب، لأن الكتابة تكون مريحة عندما لا تُقيد بوقت.

أقرب قصيدة إلى قلبي شاركت بها في البرنامج هي القصيدة الأولى وكانت تمثلني، وتمثل فتيات العالم الإسلامي وتمسهم. هذا ما  استنتجته من خلال الرسائل التي وصلتني منهن، ولذلك شعرت بأن هذه القصيدة موفقة إلى أبعد حد.

متابعة ردود أفعال الجمهور

هل كنت تحرصين على متابعة ردود الأفعال التي تصلكِ بوقت البرنامج وما يتصل بها من تفاصيل؟

كنت أحرص على المتابعة بحدود، وفي بعض الأوقات كنت أغلق جوالي حتى أتفرغ لأداء مهمتي.

كانت رحلة أمير الشعراء لبعض الزملاء رحلة استجمام ، فخرجوا واستمتعوا باكتشاف المنطقة. وقد حاولت أن أعيش هذه الأجواء، ولكن كانضغط المسابقة وشعوري

حيالها كان غالبًا، ولذا كنت أتابع مع ضبط الأمور حتى لا تجرفني المتابعة من جو المسابقة.  ولما عدت إلى الوطن كانت مئات الرسائل عبربرامج التواصل تنتظرني. وحرصت حسب قدرتي الرد عليها حرصًا على حب جمهوري، فالمسابقة ظرف ينتهي.  أما كسب محبة الجمهوروشعورهم تجاه المبدع فذا باقٍ.

الشعر أكسبني عائلة، وجعلني أكتشف الآخر

هل هناك شئ معين مميز ومختلف علق بذاكرتك أثناء مشاركتك بأمير الشعراء؟

شيئان عالقان بالذاكرة، الأول: أن الشعر أكسبني عائلة حيث عشنا معًا شهرين والبعض ثلاثة أشهر بسبب ظروف التصاريح ومنع السفر،وفي هذه الفترة كنا نعيش الأجواء ذاتها وكان كل منهم يحمل الخوف على الآخر، وكل منهم يطمئن الآخر قبل أن يتواجد بالمسرح على الرغممن كون الآخر منافسًا. كنا ندعم بعضنا البعض.

الثاني: أتاحت لي هذه التجربة اكتشاف الآخر لكوننا ننتمي إلى دول وحضارات مختلفة، نكتشف الحس الإنساني في كل شخص من خلال قـصائدهم وبيئاتهم وثقافاتهم وفلسفاتهم تجاه الحياة.

ومن الاكتشافات الجميلة الشعور بالنعمة، فالبعض محروم من أبسط الأشياء ومع ذلك يحاول أن يسعى ويجاهد ويثبت نفسه ويمثل وطنهبأفضل صورة.

حوراء قبل أمير الشعراء وبعده

ما الذي تغير في حوراء بعد أمير الشعراء؟

أصبحت أكثر تأنيًا وحذرًا وانتباه، لزيادة الإحساس بالمسؤولية وبعيون الرقباء التي ازداد تركيزها.

قبل أمير الشعراء كنت أتمتع بالحرية في النشر وفي الظهور أو عدمه، ولكن هذه المسؤولية جميلة أحب الحافظة عليها وأتخير متى يكونظهوري وأين، ومتى أنشر.

برامج قادمة

هل من خطط جديدة بعد أمير الشعراء كالمشاركة في برامج أخرى تماثل هذا البرنامج أو لها طبيعة مختلفة؟

لا أعتقد أن يتكرر البرنامج، وأحب أن أحافظ على الصورة التي كونتها من خلاله، فعندما تكون التجارب وحيدة تكون منفردة، فليس منخططي المشاركة في مسابقات تماثله، ولكن من الممكن المشاركة في مسابقات قادمة.

صورة المرأه الأحسائية النمطية

هل تشعرين بأن هناك مفهومًا جديدًا ظهر في السنوات الأخيرة حول المرأة الأحسائية مغايرًا للصورة النمطية؟ وهل هناك جذثر فكرية أوواقعية لهذه الصورة أو لهذا المفهوم الجديد؟

المرأة السعودية كانت غائبة عن الساحة والتطورات والتحولات في العالم؟

عندما نتتبع وضع المرأة في العالم نجد المرأة عانت من بعض الأمور لتي واجهتها على مر التاريخ بدأً بحقها في التعليم والانتخاب، أو أن تتقلد مناصب مهمة في المنطقة، فلم تكن المرأة بمعزل عن هذه التحولات، ولكن المعايير تختلف من مجتمع لآخر وكذلك بعض التحفظات،ومجتمعنا محافظ يحرص على ظهور صورة المرأة بالشكل المتزن، وربما كانت تجربتي في أمير الشعراء تمثل هذه الصورة إلى حد كبير. إنالتطور والانفتاح في مجتمعنا يجعل الكثير يخاف من الانفتاح، وظهور المرأة وتمكنها. ولكن أعتقد أنه لا مكان للخوف الذي كانت له أسبابعدة منها ظهور بعض النماذج التي لا تمثل المجتمع أو يشعر المجتمع بتماديها وانفتاحها بشكل كبير، ولذا يعد خوف المجتمع طبيعيًا،والتطور طبيعي لأن الثابت الوحيد في العالم هو التحول الذي لا بد أن نتقبله، ولكن بروح متأنية وخطوات ذكية.

بالنسبة لي شخصيًا أحاول أن لا أتمرد على المجتمع، ولكن أسير بخطوات مدروسة وواثقة ومتأنية حتى أكسب رضا المجتمع ولا أفقد ذاتي،فالبعض يفقد ذاته لإرضاء الآخر، والبعض يفقد الآخر لٱرضاء ذاته، فالتوازن مطلوب في مثل هذه المراحل.

وقفة شعرية

لغزٌ مُفرَغٌ بانزياحٍ كوني

هل ثَمَّ مُتَّسَعٌ لجرحٍ ثانِ؟

ما الفرقُ

إنْ ناديتُ أو ناداني؟

مفتونةٌ بالغيبِ

يرقصُ في دمي متصوِّفًا

في رحلةِ العرفانِ

عمَّدتُ أسئلتي الوليدةَ

ريثما

تَسَعُ الحقيقة وحشة الأكفانِ

وصلبتُ أوهامَ الشكوكِ

فخِلْتُني قديسةً

في منحرِ الرهبانِ!

ما للحقيقةِ غيرُ لونٍ واحدٍ

فعلام فاضتْ جَرَّةُ الألوانِ؟ ….

صورة جديدة للمرأة الأحسائية

هل حاولت حوراء أن تقدم صورة لهذه المرأة الجديدة؟

هناك مقولة(كن أنت التغيير الذي تنتظره وتسعى إليه فيمن حولك، أو تريد أن تراه في الآخرين) ربما كنت أحمل هاجسًا في اللاوعي وهوأن أمثل صوت الشريحة الكبرى من النساء اللواتي لم تتح لهن الفرص أن يكتبن بأسمائهن، ولكن لم يكن هاجسًا مسيطرًا بل كنت أسعىلتحقيق ذاتي لأن أكون مختلفة. منذ الصغر لم أعِ هذا الشعور ولكن كنت أسعى إليه، وربما كان هاجس تكوين صورة المرأة الجديدة دونوعي.

المرأة السعودية والمنصات

ما أهمية تواجد المرأة السعودية عامة والأحسائية خاصة على منصات المسابقات الشعرية؟

المرأة السعودية عامة والأحسائية خاصة تحمل إرثًا ثقافيًا وحضاريًا لم يظهر للآخر بشكل واضح وكبير، ومع هذا الانفتاح ووجود هذهالمنصات أصبحت المرأة قادرة على الترويج لموهبتها وإبداعها.  فمن المهم أن نعكس صورنا وهويتنا وحضارتنا للآخر.

صارحني زملائي في أمير الشعراء بخوفهم من السلام عليّ في أول لقاء أو إلقاء التحية أو نبادر بالكلام فقد ظننا أن المرأة السعودية متزمتةومنغلقة على ذاتها لا تحاور ولا تناقش ولا تختلط بالآخرين، فكانت صورة مفاجئة بالنسبة لهم أن حوراء شخصية لطيفة، وهكذا عكستصورة حسنة في البرنامج وهي أن المرأة السعودية تحمل وجوهًا كثيرة وتستطيع أن تندمج مع المحيط، وأن تتحدى وتنافس وتثبت جدارتها،وكانت هذه الأمور طيبة ومؤثرة.

قراءات شعرية

لمن تقرئين الشعر من العرب وسواهم؟

ليست هناك قراءات معينة للشعر ولسواه، لابد أن تكون المعرفة شاملة وتلاقحية.

وفي هذه الفترة أحاول التركيز على قراءة الشعر المترجم والانفتاح على الآخر بشكل كبير، مثل الشعر الإسباني والأدب اللاتيني والفيتناميوالكوري.  وقد أنهيت كتاب للشعراء الأسبان واكتشفت كيف تحمل الأندلس في زوايا أشعارهم  الحنين للوطن المهجور. كانت الشاعرة(روساليا ديكاسترو)من القرن التاسع عشرتحمل هموم المرأة وعندما نقرأ أشعارها نتحسس مواطن الألم المشترك للشاعرات، وفيمقطوعة لها تقول:

(أيها القديس أنطونيو المبارك

هب لي زوجًا

فإن المرأة بلا زوج هي عيد بلا حنطة وجسد بلا روح)

هي تمثل نظرة المجتمع للمرأة غير المتزوجة. ولا غرابة أن تمر النساء جميعهن في العالم بالتجارب نفسها مع اختلاف المعايير.  ولذا من الجيدأن نقرأ للآخر.   

وقرات للشاعر البرتغالي (فيرناندو بيسوا) وكانت لديه نظرة مهمة للحياة بسيطة ولكنها عميقة جدًا، يقول:

ليس طموحي أن أكون شاعرًا، هي طريقتي في أن أكون وحيدًا. وكان يتحدث عن علاقته بالأشياء( عندما أفكر أفكر بفمي ويدي وأذني.  عندما أفكر بالوردة أنا أستنشق عبيرها، وعندما أفكر بالثمرة فأنا أتذوقها)

هذه الحساسية مع الأشياء واللغة والموجودات والطبيعة لا نستطيع أن نستشفها عندما نقرأ فقط لمن هم في محيطنا نفسه.  فلا بد أن ننفتحعلى الآخر، ولذلك أشعر بشعور عميق أن قراءتنا وانفتاحنا على تجارب الآخرين تثرينا.

هل تحرصين على متابعة

التجارب الشعرية المحلية.. وتقرئين لها؟

أحاول متابعة النتاج العام وٱن كنت في بعض الأوقات أتوارى وأكون مقلة في المتابعة والتفاعل، ولكن بشكل عام أحرص على قراءة مايُكتب، وأهم الموضوعات المطروحة التي تثير اهتمام الشاعر.

حوراء والفلسفة

عندما أقرأ قصائدكِ أشعر بفلسفة وجودية، وحديث عن الروح والأبدية والذات، وعن الذاكرة الفردية التي تكونها هي عن نفسها او عنمحيطها، فهل تحرصين على قراءة الفلسفة؟ أو تشعرين أن القراءات الفلسفية تعزز من بعض رؤاكِ وأفكاركِ؟

الفلسفة تمنطق العالم والتساؤلات، والفيلسوف يرفض بدهيات العالم ويسكن في داخله طفل يحافظ على هذه الدهشة في اكتشاف الأشياء،ومن وظائف الشعر أن يكون مسكونًا بالدهشة والتساؤل والاكتشاف.

في مرحلة من مراحل تجربتي الشعرية كنت أجد الشعر أداة سؤال، والفلسفة هي المفتاح الذي يؤهلني لاكتشاف نفسي وما حولي من خلالالفلسفة شعرًا لأن علاقة الشعر بالفلسفة وثيقة جدًا ة، والشعر أداة بحث وانكشاف على الذات وعلى الآخر، وقد يكون أداة تطبيب للجروح. والشعر مساحة حرة  للتجريب والمبدع لا يكون محصورًا في منطقة معينة بل يحاول أن يخرج. قد أحمل تساؤلات غيبية أو وجودية في فترة،وقد أطرق موضوعات أخرى.

نصل حينما نؤمن بذواتنا

الكثير من الفتيات الموهوبات يطرحن سؤالًا: كيف وصلت المرأة المبدعة إلى هنا ولا سيما حوراء؟

الركيزة الرئيسة هي إيماننا بذاتنا وأن لدي شيئًا أريد أن يظهر وان يكون مؤثرًا في هذا المجال وأن تؤمن بما تستطيع أن تقدمه.

البعض ينتظر الدعم من الأهل والمجتمع والمصفقين والمهتمين، وهذا الانتظار لا يفيد.  فعندما أتمكن من الوقوف على رجليّ وتمثيل شيءحقيقي وفعلي، فسيُلتفت لهذه الموهبة.

منذ الصغر لدي شعور بأني سأصبح شيئًا مهمًا في المجتمع، وأزعم أنني حققت جزءًا بسيطًا، كنت أرى في نفسي  المشاركة في محافلدولية وأماسي عالمية في عالم الخيال، وعندما نتخيل فنحن نسعى إلى ما تخيلناه.

الشعر:  أنثوي وذكوري

هل علينا استحضار كون الشعر لأنثى دائمًا، أم علينا تجاوز هذا الإطار إلى عالم من الشعر غير المؤطر ولا محدد الهوية الجندرية من جانبالشاعر والمتلقي؟

الشعر لا يؤطر وليس له جنسية أو هوية، فهو منطقة حرة للاكتشاف، ولكن بالنسبة  لي،شخصيّا أحب أن تحمل قصائدي صوت الأنثى لأنهاعالم متسع من العواطف والمشاعر فهي أم وأخت وزوجة، وتستطيع أن تسكب هذه المشاعر في قصيدتها.

للأسف بعض الشاعرات والكاتبات يتكلمن بصوت ذكوري، وللأنثى أدواتها، حتى اللغة لم تقصر في ٱعطائنا الهوية، ولذا أحب أن تكونالأنثى شاعرة موجودة في القصيدة، ولكن لا أومن بتصنيف الشعر إلى نسائي ورجالي وفحولة الشعر للرجل. فالمبدع سيبدع في أي مجال.،والبعض يرى أن الشعر العمودي أكثر  مناسبة للرجال لأنه فحولي.  ولكني بعيدا عن الجدال فندت الكثير من هذه النظرية، فالشعر العموديلا يليق فقط بالرجل، فقد كتبت شعرا عموديا وتمكنت منه، وليس من فرق بين الشعر النسوي أو الذكوري.

وعلق كاظم:  تصنيف الشعر إلى ذكوري وأنثوي مشحون بتراكمات تاريخية سابقة، وعنذ الرجوع إلى حركات المرأة من النسوية وما بعدالنسوية بالموجة الأمريكية الأولى والثانية والثالثة نجد تحولات، حيث كانت المرأة تحاكي الرجل كما أشارت سيمون دي بوفوار أن المرأة تحلمبحلم الرجل، بمعنى أنها تتبنى المقولات الذكورية والمفاهيم الذكورية أكثر مما تعي ذاتها كأنثى.  ولو ألقينا نظرة على ما قالته الشاعرةالرائدة فوزية أبو خالد قبل ثلاثين عامًا، وحتى نصل إلى حوراء الهميلي، فهذه الأجيال الثلاثة فصلت ما بين الشعر النسوي بمعنى أن المرأةتحاول أن تعبر عن ذاتها ومهمومة بأن تكون موجودة في الساحة، وتشير إلى الحاجات التي تنضوي تحت مفهوم الأنا، بينما نجد حوراءمرتاحة  جدا تتحدث كأنثى، وهذا هو المطلوب. فليس المطلوب أن يكون هناك خطاب أنثوي، ولكن أن تعبر عن ذاتها كأنثى.

الشعر والكيمياء

كونكٍ تهتمين بالجانب الأنثوي في القصيدة، وكيمائية تنتسبين للعلم والعلماء وليس لعالم الشعر والأدباء فقط، هل تعتقدين أن باستطاعتكتقديم شيء فيه تمثيل لمشاعر المنتسبين للعلم والعلماء مثل الكيمياء والطب والهندسة والرياضيات وغيره، كون مشاعرهم وقدراتهم وإنجازاتهم ودورهم قد يكون مهمشًا قياسًا بالقضايا الاجتماعية والإنسانية وما شابه؟

المعرفة شمولية وتلاقحية وغير اختصاصية، علاقتي بالشعر والكيمياء تكاملية، وفي نصوص سابقة تطرقت للعلوم من خلال الشعر فلدي نصبعنوان سديم لم يولد بعد، وآخر يحمل الكثير من المفاهيم الفيزيائية وبعض القوانين وانفتاح الكون.  ونص آخر بعنوان سياحة في عقلي، منالممكن أن يناسب الأطباء باعتبار محاولتي تشريح العقل للوصول إلى الذاكرة، فاستخدمت المصطلحات العلمية.

البعض يعارض هذه الفكرة ويرى أن الشعر لا بد أن يكون محصورًا في مفردات معينة حسية، والعلوم مواضوعاته جادة وجافة جدًا. ولكنيأحب أن أكتشف العالم من حولي من خلال الشعر.

القراءة ثم القراءة ثم القراءة ثم تقبل النقد

كيف طورت الشاعرة المتألقة من أدواتها الشعرية، وكيف ارتقت بإبداعها الشعري؟

بالقراءة ثم القراءة ثم القراءة، ثم تقبل النقد.  البعض ينزعج عندما يقال له هذا النص لا يشبهك أو لا يمثلك، أنا أتأثر بشكل إيجابي ولاأنزعج، تأثر يجعلني أطور أدواتي وأنمي صوت الناقد الداخلي الموجود في كل شاعر، وأحاول أن لا أستعجل في النشر.  البعض ينشرلجذب التعليقات والإعجابات وهذا فخ مخيف جدًا، أحسب أني قد تخلصت منه.  التأني مهم أثناء الكتابة والنشر والظهور.

مداخلة صوتية للشاعر هاني الحسن ودعوة صريحة لترجمة شعر حوراء للغة الإنجليزية:

الشعر قبل حوراء في المنطقة كان شيء، وبعد حوراء انتقل إلى شيء آخر مختلف. وفي طفرة التكنولوجيا أصبحت حوراء أيقونة تقتدي بهاالشاعرات الشابات، ففي السابق لم يكن لدينا نماذج واضحة تُقدم عبر السوشل ميديا أو عبر الإعلام بشكل يتأتى للجميع الاقتداء بها، ولكنحوراء تمثل صوت المرأة الخالص، ولديها أمور كثيرة متفردة، وكونك مترجمة(أستاذة أمينة) أدعوكِ لترجمة بعض نصوص حوراء مثل قصيدةالطفل التي كانت عن تجربة وليست فقط صوت المرأة، ونزار قباني مثل صوت المرأة أيضًا في قصائد كثيرة، ولكن كلامنا هل أن كل قصيدةتجربة؟ هنا الفارق. حوراء تقدم تجربة أنثى وتنفرد بصوت نقي خالص للأنثى. كذلك قصيدة أنثى بآلاف القصائد حُبلى، فالقلق لدى حوراءحالة وجودية وأنثوية، وهي تستخدم جزءًا من الفلسفة ككمية الملح التي لا تفسد الطعام، فهي تستخدم منه ما يخدم الشعر، ولا تؤدلج الشعربالفلسفة، لأن الشعر يمكن أدلجته بأمور دينية واجتماعية وما إلى ذلك، وليست الأدلجة منحصرة في نوع واحد فقط.  نمت حوراء ونماإدراكها ونما إدراكنا معها أيضًا، والمتتبع لمسيرتها يعرف أنها لم تستعجل الشهرة والظهور وطباعة الديوان.

تأثير الشعر العراقي

العديد من شعراء الأحساء تأثروا بالشعر العراقي وهمومه، إلى أي مدى يوجد هذا التأثير في شعر حوراء؟

نحن تربينا في بيئة دينية وارتباطنا بالعراق وثيقًا، فالمواويل والأناشيد نمت معنا، والشجن العراقي مرتكز في الذاكرة ولا نستطيع ان نتنصلمنه، وهو موجود بشكل أو بآخر في أشعار المنطقة والمواضيع المطروقة.

مداخلة الأستاذ سلمان الجبارة

قرأت الديوان ورأيت أنه مكتنز بالمعاني والاشتغالات الفلسفية العميقة جدًا في كثير من النصوص، فهو مسكون بالتساؤلات الكبرى، بالشك،وفيه مفاهيم كثيرة، فهل أرادت حوراء التداخل بين الشعر والفلسفة لفك العزلة عن الشعر بواسطة الفلسفة وإسقاط بعض المفاهيم من الحالةالمتعالية إلى الواقع عبر ما يسمى بالقلق في الفلسفة لكي تستطيع التعبير عن اهتمام المرأة وقلقها المعاصر بالذات؟

لم أقصد أن أوظف الفلسفة بشكل مخصوص في الشعر لأجل أن أطرح هذه التساؤلات، ولكنها كانت معبر ومنفذ وتمثل تجربة مرحليةمعينة، ربما الآن لا أطرق الفلسفة لتشبعي من حوراء الفيلسوفة.  الآن مثلًا أجرب حوراء المتأملة في الطبيعة أو التي تطرق العلوم أو أي بابآخر. ولكن الفلسفة مفتاح لأنها تفتح لنا باب التساؤلات، والسؤال أهم من الإجابة.  فكان الشعر هو أداة للبحث والسؤال والتقصيوالاكتشاف في هذا الكون، وكان يمثل تجربة مرحلية.

الشعر وصفات القيادة

الثقة والإصرار والكاريزما والتخطيط وغيرها من الصفات الشخصية ظهرت بقوة في حوراء فكيف استطاعت اكتساب هذه الصفات القياديةدون أن تؤثر عليها كشاعرة مبدعة؟

ربما لا يصدق الجمهور أني إلى الآن أشعر بتوتر وقلق قبل الظهور، فكل طهور يحمل قلقًا، وترقب ورهبة، وهي أمور إيجابية تحفز علىالاستعداد والمواجهة.  في تجربة أمير الشعراء كنت متوترة وقلقة، ولكني أحاول أن أفصل بين اللحظة وكل شعور آخر، وهذا ما حرصنا عليه.  كانت لدى زميلة حالة وفاة قبل حلقتها بيوم واحد، فكيف تسيطر على كل هذه المشاعر وتفصلها عن الواقع الذي يحتم عليها الظهور بصورةمشرفة وتنعزل عن كل شعور تحمله.  أنا أحاول أن أطبق هذه القاعدة عندما يكون لي ظهور معين أن أفصل. مع التعويل على قبول الجمهوروالمجتمع.

الشعر والأساطير

هل توظيف الأسطورة في النص الشعري يؤدي به إلى الأدلجة؟

لا أعتقد فالبعض يحمل هاجس توظيف الأساطير في أشعاره، ولكن جميل أن يكون  النص مثقفًا يحمل رؤية الشاعر وثقافته واطلاعه علىالثقافات والحضارات، وعلى تفكير المجتمعات سابقًا، وعلى علاقة الإنسان ببيئته وبمعتقداته وبما يؤمن به.  والموضوع لا يصب في الأدلجةبشكل أو بآخر.

مسك الختام

وهنا انتهت الأمسية ولم تنطفئ شمعتها فعبق رائحة الشعر المنبعث منها جعل من تلك الليلة كالسراب الممتد إلى الفجر، وقد توج كل منشارك في الأمسية الحوارية بشهادة تذكارية كتعبير عن الشكر والامتنان من إدارة ملتقى آراء وأصداء لكل من ساهم في نجاحها والعبوربها إلى ساحة الجمال ولا سيما مع الشعر المقروء بصوت الشاعرة الذي تخلل فقرات الأمسية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى