أخبار الصحف

طول فترة الصيام.. فرصة ذهبية لبطن هادئ وصحي

بشائر: الدمام

هناك تغيير يحدث في أمعائنا عندما نصوم، فالدراسات حتى الآن تشير إلى أن التوازن الدقيق في تكوين أمعائنا يمكن أن يتغير استجابة لما نأكل ومتى نأكله.

تم إنفاق أكثر من 1.7 مليار دولارا في العقد الأخير على البحث العلمي، للتأكد من أن وظيفة الأمعاء وما تحويه من تريليونات الكائنات الحية الدقيقة التي تُسمى “الميكروبيوم” (Microbiome)، تتجاوز مجرد هضم الطعام وامتصاصه؛ فهي المقر الرئيسي لجهاز المناعة لدينا، وترتبط ارتباطا وثيقا بالغدد الصماء، ومنها يتكون نظامنا العصبي المعوي الذي يُسمى “الدماغ الثاني”، وفقا لصحيفة “نيوزويك” (Newsweek) الأميركية.

وهو الدماغ الذي يؤثر على عواطفنا وإدراكنا عبر إشارات بين الدماغ الرئيسي والبطن، تأخذ شكل طريق ذي اتجاهين؛ يتواصل عبرهما الدماغ مع البطن كيميائيا وعصبيا، وترسل البطن المعلومات إلى الدماغ، من خلال واحد من أهم 12 عصبا أساسيا في الجسم، وهو العصب المُبهم (أو الحائر).

فإذا كان البطن هادئا وصحيا، فإنه يرسل إشارة واضحة تماما إلى الدماغ بذلك، أما إذا كان هناك عدم توازن بين تركيب الميكروبيوم أو إذا أكلنا شيئا جعل أمعائنا ليست على ما يُرام، فإن الرسالة تتغير في هذه الحالات، وتنقل القناة الهضمية للدماغ شعورا بالقلق وعدم الارتياح.

لذا، تشير الأبحاث إلى روابط أولية بين “ميكروبيوم الأمعاء” وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري، كما تتوفر الدلائل على أن “الصيام قد ساعد في ضبط الحالة المزاجية، والوقاية من أمراض القلب والسكري وارتفاع الكوليسترول وضغط الدم”؛ وهي معلومات ضرورية لفهم ما يفعله الصيام بالبطن، أو “الدماغ الثاني”.

الصيام يعالج القلق والتوتر دون أدوية
الصيام بالمعنى العلمي، هو الامتناع الطوعي عن تناول الطعام؛ وهو “مهم لتجديد الجسم وتطهيره وتقويته، وعلاج الكثير من الأمراض”. بالإضافة إلى فوائد أخرى، من بينها منح الجهاز الهضمي قسطا من الراحة، ولو مرة واحدة كل فترة، أو شهرا واحدا في السنة، “بعد إرهاقه بالعمل لفترة طويلة، يستنزف فيها المزيد من الطاقة اللازمة للشفاء والصيانة العامة للجسم”؛ وفقا لما ذكرته اختصاصية التغذية المُعتمدة راشيل، لصحيفة “شيكاغو تريبون” (Chicagotribune).

وأوضحت هيند أن الصيام يسمح لنظام إنزيمات الجسم بالتركيز على إزالة السموم، من خلال تفكيكها وتوزيعها في أنحاء الجسم أثناء الصوم، مما يؤدي إلى الحد من القلق والتوتر بسرعة وكفاءة ودون أدوية، بدلا من الانشغال في هضم الطعام الثقيل، (إزالة السموم من الجسم دفعة واحدة؛ يمكن أن تسبب مشاكل صحية خطيرة، تضر أكثر مما تنفع).

لذلك “عندما نمرض تقلّ شهيتنا، وحتى الحيوانات عندما تكون مريضة، فإنها تستلقي، وغالبا لا تأكل أو تشرب”، كما تقول راشيل هيند. مُضيفة أن الصيام، هو قرار لمنح جهازك الهضمي فترة راحة، ورسالة لجسدك مفادها أنك تبدأ بداية جديدة؛ وطريقة مُثلى للتخلص من القديم، وإدخال عادات وأطعمة صحية جديدة، “تمنحك الانطلاق لتنقية جسمك، وتحويل حياتك في اتجاه إيجابي، يجعل طاقة الجسم تتجه نحو تحقيق الشفاء بدلا من تسخيرها بالكامل لهضم الطعام”.

أهمية طول فترة الصيام
هناك تغيير يحدث في أمعائنا عندما نصوم، فالدراسات حتى الآن تشير إلى أن “التوازن الدقيق في تكوين أمعائنا يمكن أن يتغير استجابة لما نأكل، ومتى نأكله”، من خلال الإشارات الموجهة إلى دماغنا، وإيقاعات الساعة البيولوجية، وأنظمة التمارين، والجينات؛ وإن كان هذا يحدث “بطرق لم يتم فهمها بشكل كامل بعد”.

ففي دراسة نُشرت عام 2020، وجد الباحثون أن الفئران التي صامت لمدة 16 أو 20 ساعة “حققت زيادة في أنواع من البكتيريا المفيدة، مقابل نقص في نوع آخر يلعب أدوارا مختلفة في الجسم، ولكنه مرتبط ببعض الأمراض والالتهابات”؛ وبعد فترة الصيام، توقف هذا التأثير على الميكروبات.

وذلك في الوقت الذي لاحظت فيه مراجعة أجريت عام 2021، حول الصيام والميكروبيوم، “أن التغيرات في ميكروبيوم الأمعاء، تقاوم التعديل المؤقت في النظام الغذائي؛ مما يتطلب الصيام لفترة أطول، لرؤية تأثير دائم على البكتيريا في أمعائنا، والحصول على أي فائدة صحية يمكن أن تأتي من هذا التأثير”.

الصيام يضبط الضغط عن طريق البطن
تشير الدلائل الأكثر إقناعا إلى فوائد الصيام والميكروبيوم في التأثير على ضغط الدم، والتقليل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية. ففي دراسة نُشرت عام 2021، جرّب الباحثون الصيام المتقطع على الفئران المعرّضة للسكتة الدماغية المصابة بارتفاع ضغط الدم، وقد أظهرت الفئران التي صامت انخفاضا في ضغط الدم، وذلك بمقارنتها بفئران مماثلة يمكن أن تأكل وقتما تشاء، وأخرى تتغذى كل يوم.

وذلك مقابل تجربة أجريت على البشر في نفس العام، وفحص فيها العلماء كيف أثر الصيام لمدة 5 أيام على المشاركين الذين بدؤوا اتباع نظام غذائي متوسطي. ووجدوا أن “ميكروبيوتا الأمعاء خضعت لتغييرات كبيرة، وانخفض ضغط الدم لديهم حتى بعد 3 أشهر من تغيير النظام الغذائي”، حتى أن المشاركين قللوا من تناول أدوية ارتفاع ضغط الدم. وقال فريق الدراسة إنهم يعتقدون أن “هذه التغييرات تأثرت بالصيام، وليس فقط النظام الغذائي الذي بدؤوه”.

الصيام والتمارين الرياضية
أيضا هناك علاقة بين الصيام وتغييرات الميكروبيوم، والتمثيل الغذائي، حيث يُخبرنا الدكتور إيميران ماير أستاذ علم وظائف الأعضاء والطب النفسي في كلية ديفيد غيفن للطب بجامعة كاليفورنيا، أن “الميكروبات تبتعد عن بطانة الأمعاء أثناء الصيام”؛ وذلك بناء على ما رصدته الدراسات من تغيرات في الميكروبيوم لدى الفئران الصائمة، “أدت إلى زيادة الدهون البنية الصحية وانخفاض السمنة”؛ مما يُشير إلى “ارتباط الصيام بالتمثيل الغذائي” الذي تتكون شبكة الخلايا العصبية المبطنة له من 100 مليون خلية عصبية.

وهو ما أظهرته أيضا دراسة صغيرة أجريت على بعض المرضى من البشر يعانون من السمنة، أدى تقييد طعامهم بالوقت إلى خسارة طفيفة في وزن الجسم، رغم محدودية التغييرات في ميكروبيوم الأمعاء.

لذا، يوصي ماير مرضاه بشيئين أساسيين لعلاج متلازمة التمثيل الغذائي -حتى قبل ظهور جميع الدراسات البشرية الحاسمة في هذا الشأن- هما: “التمارين الرياضية، والصيام”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى