أقلام

احذروا النصائح الصحية حول المكملات حتى لو كانت من مختص

د. غسان علي بوخمسين

راجت كثيرًا خلال فترة عيد الفطر الماضي الشكوى من خلل واضطراب في ساعات النوم لدى الكثيرين، وهذا أمر طبيعي؛ نتيجة الانتقال الموسمي من عادة النوم المختلفة أثناء شهر رمضان المبارك إلى النمط المعتاد في أيام السنة المعتادة.

ولكني لاحظتُ هذه السنة كثرة تداول النصائح بتناول بعض المكملات الغذائية مثل الميلاتونين، للمساعدة على تنظيم ساعات النوم أو المساعدة على إطالة ساعات النوم وتحسين جودته، ولم يقتصر الأمر على نصائح من أشخاص من غير المختصين، بل تعداه إلى أطباء ناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر أثار استغرابي، ولن أتحدث في هذا المقال عن فاعلية الميلاتونين وفائدته في المساعدة على تنظيم ساعات النوم أو أمانه، فهذا ليس هدفي من هذا المقال، ولكني استشهدت به، لأنه مثال راج خلال الأيام الماضية وحاضر في الأذهان.

هدفي من هذا المقال، هو الإضاءة على فكرة الترويج والدعاية لمكملات غذائية من ممارسين صحيين مختصين لديهم نشاط في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضهم لديه متابعون بالآلاف وآخرون بالملايين، لذلك هم مؤثرون وكلامهم مسموع ويلقى قبولًا وإصغاءً من كثيرين، وهذا يرتب عليهم مسؤولية كبرى في تحري الدقة في نشر المعلومة وطرق إيصالها، وتوقّع إساءة الفهم لها من مختلف شرائح المتلقين لها، واحتمال إساءة نقل المعلومة بالاختصار او التحريف للمعلومة.

ولا يفوتني التأكيد على أن سوق (المكملات الغذائية)، سوق تعمّه الفوضى والعشوائية وعدم الضبط، خلاف سوق (الأدوية) المحكومة جيدًا بأنظمة ولوائح تضبط أسس الممارسة الدوائية بدقة، ولذلك نجد كثيرًا من الفوضى في الدعاوى المتعلقة بالمكملات الغذائية من ناحية فائدتها الوقائية والعلاجية، وحتى سلامتها وأمانها.
وهنا تبرز عدة محاذير من كثرة الترويج للمكملات الغذائية وفوضويتها من قبل مختصين صحيين، منها:

1/ اعتبار نصيحة ذلك المختص باستعمال ذلك المكمل الغذائي، بمثابة نصيحة علمية موثوقة ورسمية وصحيحة، كونها صادرة من شخص مختص، وهذا خطأ؛ لأن الممارس الصحي المختص ليس جهة رسمية مسؤولة مخولة بإعطاء مثل هذه النصائح، بل ذلك موكول للجهات الرسمية مثل وزارة الصحة، أو هيئة الغذاء والدواء، أو المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، وغيرها من الجهات الرسمية ذات العلاقة. ولا يكفي أن يذيّل الممارس الصحي نصيحته في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي بعبارة (ليس إعلانًا) فإني لا أرى لهذه العبارة معنى أو فائدة، سوى التملص من تبعات الترويج والإعلان للمنتجات التجارية!

2/ زيادة التساهل في تناول هذه المكملات، رغم كل ما يحفّها من عدم الوضوح من ناحية الدعاوى الطبية لاستخدامها وفاعليتها وأمانها، وخصوصًا مع شياع الشراء الإلكتروني وخدمة شركات التوصيل للمنازل، فما على المستهلك إلا دخول الموقع الإلكتروني وطلب ما يشاء من منتجات، لتصله خلال أيام قليلة إلى عتبة داره، دون أية رقابة كافية للأسف؛ لكون هذه المنتجات لا تخضع للرقابة الصارمة التي تخضع لها الأدوية.

3/ مشاكل التموين والإمداد، وهذا أمر في غاية الأهمية، حيث أن هذه المنتجات تمر بسلسلة طويلة من الناقلين من مصدرها في المصنع حتى تصل للمستهلك، وقد أشرنا إلى الفوضوية والتراخي الحاصل مع هذه المنتجات خلاف الأدوية، فقد تتعرض لظروف سيئة من النقل والتخزين خلال رحلتها الطويلة هذه، مما يقلل فاعليتها أو حتى يسبّب أضرارًا صحية لمن يتناولها.

4/ احتمال التعرض لمشاكل صحية، نتيجة استخدام هذه المكملات الغذائية، دون رقابة طبية أو مراجعة الطبيب المختص، فكثير من هذه المكملات لها تداخلات ضارة مع الأمراض التي قد يعاني منها الشخص المتناول لها أو مع الأدوية كذلك، مما قد يسبب له أضرارًا صحية وخيمة.

5/ زيادة الهدر المالي على منتجات ليست لها فائدة بل أنها قد تكون ضارة بالصحة، فسوق المكملات الغذائية سوق ضخم وهو بملايين الريالات وهذا السوق في تصاعد مستمر، وغالب هذه المنتجات غالية الثمن، لذلك ينبغي التنبيه إلى هذه الناحية والاهتمام بالترشيد المالي والصحي.

في الختام، هي نصيحة للجميع، بعدم المسارعة إلى تصديق النصائح الموجودة في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو كانت صادرة من مختص صحي، فالموضوع حساس ومهم يتعلق بالصحة العامة والاقتصاد كذلك، لذلك أدعو الجميع للانتباه والفحص قبل شراء هذه المكملات بأنواعها وتناولها، واستقاء المعلومات الصحية من الجهات الرسمية حصرًا من أجل سلامة الجميع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى