أقلام

ولادة متعسرة

(قصة قصيرة)

أحمد الحسين

مضت سبع عشرة ساعة منذ دخولنا غرفة الولادة، تملكني التعب والإرهاق فيما هي لا تزال تئن على سرير الولادة والشحوب يزداد على وجهها كلما مرت ساعة إضافية. مؤشر نبض الجنين أخذ بالتراجع قليلًا مما يزيدها قلقًا و توترًا. بدأ القلق يظهر عليها منذ الشهر الرابع من الحمل، فكرة عبثية الحمل والولادة وزيادة أعداد البؤساء في الحياة هي الفكرة المسيطرة على كل تفكيرها. كانت دومًا تسألني ماذا سوف يجني هذا الجنين من الحياة يا علي؟
هل من حقنا أن نمارس أنانيتنا ونسعد بإنجاب أطفال ثم نتركهم لشقاء الوجود؟!
لقد أجرمنا، وأنا أشعر بالذنب تجاه هذا البائس الجديد في أحشائي. لسنا سوى عابثين يزيدان الوجود عبثًا.

لا أملك في قاموسي اللغوي عبارات تسلية لدعمها نفسيًا سوى تلك التي اختزنتها الذاكرة من حسينيات الأحساء، ولا شيء منها ينسجم مع ما أنا وهي عليه الآن. منذ أعلنا إلحادنا ونحن نعيش صراعًا مع مخزون اللغة. سألتني ذات حيرة ماذا تنوي أن تصنع؟
لا أعرف كيف انفلتت من لساني عبارة (إن الله لا يضيع عبدًا )، رمقتني بنظرة ساخرة وقالت (ناد عليًا مظهر العجائب.. تجده عونًا لك في النوائب).

دخلت الاستشارية الهندية للمرة التاسعة لغرفة الولادة وأخذت تتفحص قراءات الأجهزة المربوطة بزوجتي وبدا على وجهها القلق.

توجهت نحو زوجتي وأخذت تكلمها بشيء من التحنان واللطف. أخبرتها أن القلق والتوتر يزيدان من تعسر الولادة وطلبت منها ايجاد وسيلة لتخفيف اضطرابها.

سألتها من أي منطقة أنت؟
أخبرتها زوجتي أنها من القطيف.

بدا على الدكتورة شيء من الاستغراب واستدركت:
ولكن كل من أجريت لهن عمليات الولادة من نساء منطقتك كن يهتفن منذ لحظة دخولهن غرفة الولادة باسم شخص واحد اسمه علي، إلا أنتِ لم اسمعك تهتفين باسمه.

ردت زوجتي بشيء من العصبية والغضب:
لست ممن يتعاطون المخدرات الروحية، وإن لم يكن العلم قادرًا على إنقاذ حياتي وحياة جنيني فلا توجد خرافة قادرة على فعل ذلك.

سكتت الطبيبة أمام عصبية زوجتي ثم طلبت مني اللحاق بها خارج الغرفة.

أخبرتني الدكتورة أن الوقت حرج وأن وضع الولادة حرج وأن ربما عليهم التضحية بحياة الجنين وإلا تعرضت حياة الأم للخطر وفيما هي مسترسلة قطعت حديثها صرخة عالية من غرفة الولادة (يا علييييييييييي) وأعقبها بكاء مولود.

ذهبنا مسرعين لغرفة الولادة، ناولتني إحدى الممرضات إياك فيما كان فريق طبي منشغلًا بإجراء إنعاش قلبي  لوالدتك . و للآن لم أعرف هل كانت في صرختها تناديني أم تناديك أم كانت تنادي ذلك الغائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى