أقلام

الوعي والاستقامة شرف الإنسان

السيد فاضل آل درويش

ورد عن الإمام الحسين(ع) لما سئل عن أشرف النّاس ، قال : من اتّعظ قبل أن يُوعظ، واستيقظ قبل يوقظ )(إحقاق الحق ج ١١ ص ٥٩٠) .

بيان من الإمام المعصوم وتعريف لمفهوم الشرف، ووضع خبر يعرف بماهيته وحدوده وقوامه، فمفهوم الشرف يرتبط بتقييم شخصية الإنسان ومدى امتلاكه صفات أخلاقية تحجزه عن التسافل والانحدار نحو الرذائل وارتكاب العيوب والنقائص، والإمام الحسين (ع) لا ينفي مثل هذا التعريف للشرف، ولكنه يشير إلى المحرك الداخلي في الإنسان، الذي يجعل منه مثالًا للنبل والمروءة، فلإمام الحسين ( ع) يوجه إلى ما هو المحرك للنفس بالالتزام بالضوابط الشرعية والقيمية، ومن يحرس الجوارح من التطاول وتناوش السيئات والرذائل وتجاوز الخطوط الأخلاقية الحمراء، فالصور الذهنية لكل فعل أو قول أو موقف يتخذ فيه الإنسان قرارا بالإحجام والامتناع من إقدامه والمضي فيه، وبالتالي فالتصرفات إن كانت حميدة أو سيئة ما هي إلا نتاج طريقة تفكيره وتصوره للموضوع أو الأمر، فإذا أردنا التخاطب مع الإنسان لتغيير مجرى حياته وانتشاله من وحل الأفعال القبيحة والعيوب، علينا محاورته على أساس تصوره وتقييمه ووجهة نظره لتلك الكلمة أو السلوك، وبغض النظر عن مجانبتها للصواب أو الجزئية في الخطأ أو الكلية، فإن الاستماع له يشكل عندنا صورة متكاملة لفكرته ويمكننا بعدها مخاطبته، وكأنه يقف أمام مرآة يخاطب نفسه ويحدثها ويناقشها حول تلك الخطوة الصادرة، ويصبح حديثنا معه نقدا إيجابيًّا يحمل عبارات لطيفة لا خشونة فيها ولا يمارس معه أي عنف لفظي، لئلا ينفر وتتشكل عنده مانعية نفسية تدعوه للدفاع عن نفسه – ولو كان متيقنا من الخطأ المرتكب ( المكابرة على الحق ) – ، فالوعظ والتوجيه يؤتي أكله عندما يتوفر فيه عدة شرائط وأهمها أسلوب التوعية والتفهيم والتبيين وإجلاء الصورة الناصعة للحق والفضيلة، كما أن التركيز على النتائج السلبية والمخاطر المترتبة على المعاصي ومقارفة الموبقات عامل يقظة ووعي وداع لإعادة الحسابات من جديد، وعامل ردع وتحذير للمرء من اقتحام موارد الإضرار بنفسه، فلا أحد يعزم على ورود نار جهنم بإصراره على الاستمرار في المعاصي، ولكنه لو وجد من يحذره ويبين له بهذه الصورة لعله يرتدع و يتراجع.

ومن عوامل سعادة المرء أن يحاط بأصحاب ينبهونه على موارد الخطيئة ويحثونه ويشجعونه على الأفعال الحميدة وصنع المعروف، والمهم في الأمر هو تقبل النصح والاستماع للتوجيه منهم بعيدًا عن المكابرة والعناد والإعراض عن الحق، ومتى ما استوعب المرء فكرة أن النقد الإيجابي والنصيحة خط مكمل ومبين لما خفي عنه وكاشف له عن الحقائق وأوجه الخطأ التي ارتكبها فسيكون التقبل سهلًا.
والاستماع إلى النصيحة والوعظ فضيلة وشرف ونضج عقلي، ولكن أعلى درجات الشرف والوعي والبصيرة في التفكير هو الاتعاظ قبل أن يوجهه الآخرون، وذلك بالوقوف أمام مرآة النفس والحديث معها ومحاسبتها على ما صدر منها، فالخلوة مع النفس وتسليط الضوء على كلماته ومواقفه وسلوكياته ومدى تطابقها مع الحق والفضيلة يضعه على جادة الصواب، ومتى ما تبين له أوجه تقصير أو خطأ تعلم منها ومضى متسلحًا بتلك الومضات والمواعظ التي قدمها لنفسه قبل أن يسمعها من غيره، فإن الأصحاب الثقاة الناصحين لن يكونوا أعرف بنفسه منه ولن يكونوا معه في كل الأوقات.

والشرف والكمال في الوعي والنظر في عواقب الأمور يعد للمرء خط التراجع وتنظيف النفس مما علق بها من الشوائب والآفات الأخلاقية ، فالواحد منا ليس بمعصوم – فالعصمة لأهلها – وارتكاب الذنب شيء وارد فالشيطان والهوى قد يدفعانه نحو الخطيئة، ومع حضور النفس اللوامة والضمير الحي يتعرف على ما ارتكبه وبالتوبة يعود إلى حضيرة الطهارة النفسية وتصحيح المسار والنهوض مجددًا ، ولذا عبر الإمام الحسين (ع) عن الغفلة بالنومة التي يعقبها الاستيقاظ ، وأما التوقف عن الخطايا بالرجوع إلى الله تعالى فهي اليقظة الروحية، كما أن النائم الذي تغيب حواسه يعود مجددًا للإحساس بما حوله وكذلك هي يقظة الروح بعد البقاء تحت ظلمة الذنوب.

الشرف الإنساني يتمثل بالوعي الفكري والتجلبب بثوب الأخلاق والسلوك المتزن، كما أن تعامله مع الآخرين يتكيء على قاعدة الاحترام والمحبة المتبادلة دون التجاوز على أحد في حقوقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى