النشاط الإعلامي هو ثالث نشاط يمارسه الإنسان
عبدالمحسن القطان: الأحساء
يشهد الإعلام الرقمي في عصرنا الحالي قفزات هائلة ونوعية نتيجة اندماج ثلاثة عناصر: الحاسب الآلي، والشبكات، والوسائل المتعددة؛ مما يجعله غير مستقر، ومتطور باستمرار. في هذا الحوار، يتحدث معنا رجل القيم الإعلامية، وصانع محتواها، الأستاذ ماجد بن جعفر الغامدي، عن الإعلام وصناعة المحتوى.
ما هو تعريفك للإعلام الجديد؟
الأفضل في العصر الحديث تغيير مسمى الإعلام الجديد إلى (الإعلام الرقمي)؛ لأنه من المتوقع أن يكون وسيلة إعلامية جديدة فماذا سوف نسميها (إعلام ما بعد الجديد)؟ بالطبع لا، ولكن الأفضل أن تُنسب كل وسيلة إلى السمة التي تقوم عليها، وهنا هي الناحية التقنية الرقمية؛ ولذلك نقول (إعلام رقمي).
هناك تعريفات كثيرة، واحد منها ينطلق من فكرة أنه مضاد للإعلام التقليدي (الصحافة، الإذاعة، التلفزيون)؛ فهو جديد ومختلف عنها، ولكن الأهم أن الإعلام الرقمي هو العملية الاتصالية الناتجة من اندماج ثلاثة عناصر هي: الحاسب الآلي، والشبكات، والوسائل المتعدد؛ لإنتاج محتوىً، ونشره للجمهور.
هل ترى أن العمل في مجال الإعلام مستقر؟
بالطبع لا. الإعلام ليس مستقراً، وإنما متطور باستمرار، ومتغير بكثرة، يتزامن تطوّره مع التطوّر في التقنية والاقتصاد؛ فالإعلام مرتبط بهما؛ فمتى ما تطورت التقنيات والإلكترونيات الحديثة تطوّر معها الإعلام، وكلّما تطوّر الاقتصاد يتطور معه الإعلام.
وبناء على هذا، نرى أن الأدوات تختلف في كل زمان؛ ففي فترة كانت الصحافة المطبوعة هي الأقوى والأكثر تأثيراً
حتى قال أحمد شوقي:
لِكُلِّ زَمانٍ مَضى آيَةٌ
وَآيَةُ هَذا الزَمانِ الصُحُف
فهو اعتبرها آية من آيات رب العالمين، حيث وصف بها الصحف الورقية؛ بسبب وجود أخبار بالأمس، وتظهر في اليوم التالي للناس. ثم بعد ذلك أتى التلفاز، وكان هو المنصة الأساسية، والآن نرى التلفاز في انخفاض شديد، وكأنه يحكي دورة الزمان المعتاد لكل أداة ومنتج إعلامي ارتفع زماناً ثم بعد ذلك انخفض، حسب تعبير شوقي فإن آية هذا الزمان هو منصات التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة.
في رأيك ما هـي الصفــات التي
يجب أن يتحلى بها الإعلامي؟
هناك صفات كثيرة يجب أن يتحلى بها الإعلامي حتى يكون أكثر احترافية ومن أبرزها ثلاث:
الأولى: توليد الأفكار الإبداعية؛ فأساس الإعلام هو المحتوى، وقوة المحتوى تأتي في القدرة على الإبداع باستمرار، وهذه المهارة تأتي بالمشاهدة الناقدة، وقراءة ما خلف المشهد، ومحاولة معرفة الكواليس، وكيف وصلوا لهذا المنتج الإعلامي الإبداعي؟
المهارة الثانية: صناعة المحتوى الإعلامي، وسواء كان في المنصات الرقمية، أو حتى في المنصات التقليدية.
المهارة الثالثة: العلاقات، وتذكّر أن قوة الإعلامي دائماً في العلاقات التي يملكها.
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي
أن يحل مكان الإنسان في المجال الإعلامي يوما ما؟
بكل تأكيد نعم، وهناك نماذج عالمية كثيرة على سبيل المثال:
وظيفة المذيع:
التجربة الصينية خير دليل، فقد قامت وكالة أنباء الصين “شينخوا Xinhua News Agency” في عام 2019 بعرض مُذيعة روبوت تقوم بقراءة الأخبار، وهي تُحاكي التصرفات والتعبيرات لوجه البشر، وتشبه الإنسان، بالإضافة لمذيعين آليين آخرين.
وظيفة المحرر الصحفي:
وهذه أيضاً تجربة وكالة AP الاستغناء عن المحرر الصحفي؛ فحسب تجربة قامت بها وكالة “الأسوشيتد برس Associated Press” الأمريكية، بالتعاون مع شركة تكنولوجية باستخدام منصة وورد سميث WordSmith، استطاعت الوكالة، عبر الاعتماد على برنامج روبوتي ذكي، أن تصل لحجم إنتاج أخبار يُعادل 14 ضعفا مُقارنة بإنتاج صحفي بشري سنويا!
وهو رقم هائل ومُغري للوكالات الإخبارية، والمؤسسات الإعلامية، ومع الفِكر الرأسمالي الذي يصفه البعض بالمتوحش، يُمكننا توقّع الأسوأ في الاستغناء عن الموظفين الإعلاميين.
وغيرها من النماذج التي تؤكد قوة الذكاء الاصطناعي في المستقبل الإعلامي.
يعتمــد الاعــلام على الموهبـــة
التي يمكن صقلها بالتعليم، لماذا لا نرى خريجي كليات الاعلام يقودون الصحف؟
عند النظر إلى الإدارة الإعلامية في المؤسسات الصحفية والإعلامية خلال عشرات السنين الماضية، نراها مرت بمراحل متعددة، فكانت المرحلة الأولى يقودها أهل الموهبة وليس أهل الدراسة والتخصص الأكاديمي، ونجحوا نجاحاً كبيراً في تلك المرحلة، ثم المرحلة الثانية التي نعيشها الآن كثير من المؤسسات الإعلامية يقودها الذين يجمعون بين الموهبة والشهادة العلمية في التخصص الأكاديمي بالإعلام، وحققوا نجاحات أيضاً يشكرون عليها، وأتوقع أن القادم سيكون لمن يجمع خليطاً خاصاً من: الشهادة العلمية في التخصص الإعلامي، بالإضافة إلى المهارات الرقمية، والوعي الاقتصادي والمالي، ويتوجها بمهارات إدارية عالية.
مـــن وجهـة نظـــرك، مــا هـي
أهم مهارة يجب توفرها في الممارس الإعلامي، سواء في الكتابة أو التحدث؟
أهم مهارة لكل إعلامي هي: (إتقان مهارات التواصل)، والتي يندرج تحتها التعامل مع الآخرين، ومهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي، ومهارات الكتابة والتحدث والكتابة، وهذه المهارات التواصلية العالية، بدورها، سوف تصنع الشغف الذي يصنع الإبداع والتميز في العمل الإعلامي .
إذا كــان الإعـــلام يعمــل علـى
صناعة وتوجيه الرأي العام، هل يمكن أن نقول: إنه يسيطر على حياتنا؟
نعم بالتأكيد. الإعلام يسيطر على حياتنا. النشاط الإعلامي هو ثالث نشاط يمارسه الإنسان في يومه بعد الأكل والنوم، كما يُسمى الإعلام بالسلطة الرابعة بعد السلطات: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، يأتي الإعلام كسلطة رابعة في التأثير على الرأي العام وعلى حياة الناس، كما يساهم الإعلام في قيادة اختياراتنا اليومية؛ فهو الذي يقوم بتوجيهنا في اتخاذ قرارات الشراء والتسوق، وبناء العلاقات، ويقود الآراء في اختيارنا للتخصص الدراسي، وفي كثير من الأمور الحياتية تجد أن للإعلام دوراً فيها.
(كــاريزمـــا الظهــور الإعـلامـي)
أحد مؤلفاتك ،كيف يمكن أن يكون الظهور الإعلامي ناجحاً للمسؤولين والقيادات؟
هناك ما يعرف بالصورة الذهنية، ويمكن توضيحها ببساطة كما يلي: إذا غاب اسم الشخص فماذا يقول عنه الآخرون؟ فيتذكرون ظهوره الإعلامي، والذي انعكس على مشاعرهم وأفكارهم ؛فلذلك إذا غاب اسمه ذكروا ما دار أثناء ظهوره الإعلامي، سواءً من أفكاره التي طرحها، أو لباسه، أو كلماته، أو من حوله من أصدقائه، أو الجهة التي ينتمي إليها، وهنا تأتي أهمية الظهور الإعلامي الذكي والمناسب.
أما الظهور الإعلامي للقيادات، فهو في غاية الأهمية، وهنا ظهور إعلامي مميز لعدد من القيادات في السعودية، ومن أبرزهم: الظهور الإعلامي لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – في اللقاءات التلفزيونية المتعددة، سواءً كانت محلية، أو مع جهات إعلامية عالمية، فهو نموذج لصناعة صورة ذهنية إيجابية للسعودية كاملة، ويوجد الكثير من النماذج الرائدة في الظهور الإعلامي مثل: معالي الأستاذ عادل الجبير في المحتوى الذي يقدّمه، وفي الردود الذكية على بعض الأسئلة المحرجة.
في ختام لقائنا رسالــة توجهها
لممارسي الإعلام وصناع المحتوى؟
أوجه رسالتين أساسيتين للزملاء والزميلات العاملين في الإعلام:
الأولى: اهتموا بنشر المحتوى الذي يخدم أهداف الوطن من خلال رؤية 2030م، واصنعوا كل محتوى مفيد يخدم هذه الرؤية العظيمة.
الرسالة الثانية: كونوا دائمي التطوير لمهاراتكم؛ لأن التميّز الإعلامي هو انعكاس لمؤشر المهارات التي تمتلكونها، فزيادة المهارات يعني زيادة التألق الإعلامي.
معلومات عن ضيف اللقاء:
ماجد بن جعفر الغامدي
– مستشار إعلامي في عدد من الجهات.
– حاصل على الماجستير في تخصص الإعلام من جامعة (انكارنت وورد) بالولايات المتحدة الأمريكية.
– مؤلف لعدد ٤ كتب في مجال الإعلام والاتصال.
– مدرب متخصص في (مهارات الظهور الإعلامي) للقيادات.