أقلام

نظرية التكامل لا التفاضل الاجتماعي

طالب المطاوعة

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)

* منشأ النظرية.
كلنا يعرف النظرية الرياضية ” التكامل والتفاضل”
وما يهمنا هنا هو أن التكامل يركز على المساحة المشتركة أما التفاضل يركز على القيمة.

وعند أخذ هذه النظرية وإسقاطها على الناحية الاجتماعية. نجد أن حالة التكامل عند الإنسان هي الأساس الذي ينطلق منه ويبني عليه ترقيه في مدارج الكمال والسمو والسير إلى الكمال المطلق وهو رب العالمين.

وبادئ ذي بدء كلامي يأخذ منه ويرد عليه.
وما سأعرضه من أمثلة وشواهد ما هو الا اجتهاد حسب مشاهداتي وتشخيصي. ولا يعني بحال من الأحوال بأنه هو الحالة السائدة اجتماعيا. بل في المجتمع صور ومشاهد جميلة ورائعة وطيبة يحتذا بها.
وإنما نشير إليها لنراجع أنفسنا ونهذبها في هذا الشهر الكريم.

وقبل البدء لابد من مقدمة.

هل يحتمل أن يقع في تفضيل النفس العالم أو أنه معصوم؟
العصمة لأهل العصمة، وما سواهم من العلماء وغيرهم يحتمل وقوعه في مثل هذه الأمراض النفسية البسيطة والخفية وغير الظاهرة كثيرا. والبقاء والإستمرار عليها يجعلها مرضا متفشيا وكبيرا وقائما ومستهلكا لطاقات الأمة.

 

أمثلة على المستوى الشخصي:

* يلحظ الناس بعض التسقيط عند بعض رجال العلم والدين لبعضهم البعض الآخر، وكل ذلك تحت مسمى الخوف على دين الناس وعقيدتهم و النقد العلمي، وحقيقة ما يحصل بعيدا عن التدين و النقد والموضوعية كل البعد.
بل يتم ذلك لاعتبارات وجهائية وسلطوية على حساب أمور الناس وتدينهم.

* كذلك يتم ذلك بين المثقفين والنخب . فتخيلوا معي لو جعلت من نفسي أنا محور كل جلسة، فأنا من يأخذ دفة الحديث وأنا من يطرح الآراء وأنا من يداخل على كل صغيرة وكبيرة، لا أترك لأحد بالمجلس فرصة أن يشارك لا برأي ولا بتعليق ولا ولا. ركزوا معي على (أنا)!!!

* إذا كنت مع أصدقائي وأصحابي أتقدمهم في الدخول لأي مجلس، وفي الجلوس بصدر المجلس وما شابه ذلك.
“أجلس حيث يؤخذ بيدك وتُبر، ولا تجلس حيثُ يؤخذ برجلك وتجر”.

أجد لنفسي أفضلية عليهم بكل شيء.
أنا عالم أنا وجيه أنا مثقف أنا مشهور أنا شاعر ووو.
أنا أفضل من فلان في لباسه في بيته في سيارته في وظيفته.

* تلحظ مثل هذه التفضيلات عند بزوغ بعض الشباب الطلائعيين في نفس المجال أو الاتجاه الذي أنا مهتم به. فما إن أشعر أنه سينافسني في مكانتي ودوري وسلطتي ووو إلا وهجمت عليه بذاك الهجوم الشرس ونلت منه وأبنت نقاط ضعفه وقصوره، بدلا من دعمه ومساندته وتوجيهه والوقوف معه وتحفيزه وتشجيعه.

* تصدر صلاة الجنائز لبعض الأشخاص الذين لا تعنيهم الجنازة مباشرة، فلا هم من أهل الميت، لا أولاده ولا أخوانه ولا أصدقائه الخاصين ولا هو من رجال الدين الذين يفرح أهل الميت بتواجدهم في الصلاة على ميتهم ولا هم من القائمين على مراسيم التشييع والعزاء ولا ولا. كل ما يعنيهم أنهم يظهرون في التصوير وأنهم هم واجهة المجتمع.

* نشعر بذلك عند البعض، من يجد في نفسه أفضلية في التقديم للاحتفال أو الآذان أو قراءة الدعاء.

* تخيلوا معي في أحد مجالس العزاء 99% بلا مبالغة من الذين في الوجه مع المسؤلين من غير أهالي العزاء، كيف يكون ذلك!!!؟

* ” وما أبرئ نفسي إنّ النفس لأمارة بالسوء”

* ذات مرة نزل ضيوف أجانب من خارج الدولة، أعزاء ومن ذات المكانة المرموقة دينيا، وبعد تقديم واجب العزاء يقفون محتارون ولا يقوم لهم ولا يفضلهم أحد من أهل صنفهم من رجال الدين. هل هذا يصح في مجتمع متدين و واع؟.

* في أحد المؤتمرات جلس ضيفان واحد منهم مدعو دعوة حضور و دعا هو معه صديقه، وعند بدء جلسات الحوار يجلسان مكان الضيوف أصحاب أوراق العمل ولم يختشوا ولم يستحوا من حضور علماء كبار تنحوا جانبا لأنهم غير مشاركين بأوراق عمل.

* ذات عزاء حضر بعض المعزين الشعراء في مجلس عزاء مكتض وأخذ أحد المنظمين بترتيب مكان جلوسهم بجانب من يعتقد أنه محب للشعر والشعراء، وأثناء الطلب منه أن يرتب كرسيه وإذا به يصرخ ويدفر الكرسي برجله بقوة وهو يقول مو أنا اللي تقول له عدل كرسيك!!! وين الذوق و وين الرقي و وين حسن الخلق؟

* بعض الكتاب يتحسس من أن تنشر الصحيفة الفلانية مقالا لغيره من الكتاب، ويقول ما قيمة هذه المقالات أمام ما أكتبه أنا! وركزوا هنا على (أنا).

* ويلاحظ مثل هذه الحالة عند المرور بالسيارات في الطرقات ومشاة العبور.

* أتذكر في إحدى المناسبات الكبيرة، حضر فيها مسؤل كبير جدا، وأثناء وجبة العشاء أخذ أحدهم مكان جلوس له نفس مكان صاحب الدعوة والشأن، وعندما طلب منه بلطف بأن هذا المكان مخصص لفلان صاحب الدعوة، رفض القيام وهو يعلم حقيقة ومسبقا أن هذا المكان مخصص لصاحب الدعوة وبقي صاحب الدعوة بلا مكان، وكان بإمكان هذا الشخص أن يجلس في مكان معتبر وقريب وبخدمة خمسة نجوم.

* هذه المشاهد نلحظها في اللعب لبعض الرياضات والمسابقات.
يكون للمدرب رؤية في اختيار و توزيع فريقه حسب تشخيصه لقدرات الفريق الآخر وليس حسب رؤية ذاك اللاعب الذي يرى في نفسه الأفضلية والاحترافية ووو .

 

أما علئ مستوى الكيانات.
* نجد هناك بعض أصحاب المراكز والجمعيات والنوادي والمؤسسات الإعلامية والفنية والمهرجانات وما سواها تجد في نفسها أفضلية على ما سواها. بما يتسبب في حالة تنافر وتباغض وتحاسد بل ونزاعات غير عقلائية وغير منطقية وتفتقد للحكمة.

 

وهاتيك الأمثلة على المستوى الاجتماعي.
* النظرة العنصرية والقبلية والمجتمعية عند بعض المجتمعات.

〰️〰️〰️〰️〰️
واجعلوني أذكر بعض الأمثلة التكاملية والجميلة.

* ذات يوم كنت وأحد الوجاهات بمجلس، وأثناء التعريف أشرت إليه بشيء من المدح والثناء بما يستحقه، وما إن خرجنا حتى مسك يدي وانتزعها بقوة قائلا لي، أرجوك أن لا تكرر مثل هذا الكلام عني، فاستغربت منه وقلت له لم أقل فيك بما ليس فيك، فقال لي أنا أريد أن أهذب نفسي وأربيها عن التعالي على الآخرين فلا تحرمني من ذلك.

* وجيه آخر. استدعت الظروف أن أطلب منه أن يتصل بفلان لأخذ مجلسه ومكانه لدعم ولده في الانتخابات، فنظر إلي نظرة تأمل وقال لي، أخشى أن أتصل به وفي نفسه أن لا يدعم… (ولدي) وأسبب له حرج.
هذا الشخص لم ير في نفسه أفضلية على الآخرين أو يحاول أن يجير دعمه لهم بأن يردوه بدعم ولده. وحقيقة أكبرت فيه هذا الموقف.

* شاعر من أكبر الشعراء في المنطقة لم أره ذات يوم نال من شاعر دونه، بل يرفع كل شاعر ويضعه موضعه(يجلسه مكانه وليس بجانبه فقط)، دائما يمتدح الشعراء ويرفع من شأنهم ومكانتهم. ويترك للناس حق التقييم والأخذ بما هو الأنسب لهم.

الأفضلية أيها السادة لها معيار رباني وهناك معايير دنيوية إما حسب الإنجاز أو الدور والمشاركة وليس حسب إعطاء الشخص نفسه وجاهة بما لا يستحقه.

الآثار الإيجابية للتكامل الاجتماعي

1/ تنقية النفس من الحقد والبغض والحسد.

2/ الإرتقاء بالمجتمعات لأن تكون في مصاف المجتمعات المتقدمة والتي لديها معايير أهم من معايير التفاخر والتباهي على الخالي.

3/ تجعل من تلك المجتمعات مجتمعات ناهضة ومتطورة و متكاملة وراقية.

كيف نخلق تلك الحالة التكاملية؟

1/ ضرورة إيجاد معايير منصفة وعادلة للمساواة بين الجميع.

2/ إعادة التفكير الجدي في معايير المفاضلة، ونعطي كل ذي حق حقه وما يستحق.

3/ نشر تلك المعايير من باب نشر الفضيلة بين الناس بالعدل والمساواة بالتطبيق العملي لها.

4/ عقد الندوات التثقيفية و البرامج والأنشطة السلوكية في كل مرافق حياتنا.

5/ وجود متابعة من خلال مؤشرات حقيقية تكشف عن أدائنا لذلك.

6/ ضرورة التواضع للجان والجهات المسؤلة والأخذ بنظامهم وترتيبهم، وإذا وجدت ملاحظة تسجل وتدون وتوصل للمعنين بعيد اللقاء.

الخلاصة:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}

لابد لأي مجتمع يعيد تقييم نفسه وتقييم سلوكه بما يجعله سالكا طريق الله ورضوانه.

ملحوظة:
*ليس كل سلوك تفاضلي هو متعمد، بل بعضهم يقع في ذلك لشبهة ما، كأن يفهم من ذلك حفظ حقه.

* إذا لم نعمل على تنقية أنفسنا وتطهيرها من ذلك قد تأخذنا أنفسنا لمتاهات ومنزلقات خطيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى