أقلام

بتتقاعد؟ .. وش رايك نعمل جمعية؟ .. (لزوم الوجاهة)

كمال الدوخي

أعلم أنني بين الحين والآخر أقوم بملامسة خطوط حمراء لدى بعضهم، لكن من واجبنا أن نقرع الجرس في بعض الأوقات. فقد ابتلينا بما يسمى “لزوم الوجاهة”، فبعد “دال” الدكتوراه التي أصبحت سهلة المنال، وبعد مؤتمرات وندوات وجوائز شرفية تمنح مدفوعة الثمن، برز لدينا بالفترة القصيرة الماضية، داء جديد وهو “فلان بن فلان” رئيس جمعية “….”.

بعد التقاعد كان آبائنا سابقاً يفكرون بأخذ قسط من الراحة ثم البدء بعمل تجاري، ومع ما تقوم به وزارة الموارد البشرية مشكورة بتسهيل عمل الجمعيات المدنية، تغيرت رؤية بعض أبناء المجتمع من مشاريع صغيرة ومتوسطة تساهم في توظيف أبناء الوطن إلى جمعيات مدنية بعضها لا معنى لوجودها إلا “لزوم الوجاهة”.

لم يكتف هؤلاء بلزوم الوجاهة، بل أخذ بعضهم بحماس يستعرض مشاريع على الورق، ولديه كومة من نظرائه يجرون خلفه لإهداء عضوية ملمعة في استجداء لدفع ثمنها، ومن لم يؤسس جمعية عليه أن يفرح بأن يكتب بعد أسمه الدكتور فلان بن فلان عضو جمعية الرز المندي وعضو جميعة الحفاظ على دود التفاح، ويسرد بعد أسمه 10 جمعيات لم يحضر لها إلا مرة عبر “الزوم” بعد تسديد الاشتراك.

بعض هذه الجمعيات المدنية التي تتراوح أهدافها بين الاجتماعي والتطوعي والثقافي والأدبي والصحي والعلمي، أصبحت تستهلك أموال لا تذهب لمستحقيها، بل وتنافس الجمعيات الخيرية في التسابق لرجال الأعمال ورجال الدين للحصول على دعم مالي غير مستحق إلا لتسديد إيجارات وأثاث مكاتب فاخرة، في مواقع لا يستطيع دفع ثمنها منشآت تجارية.

وأتسائل كم جمعية من هذه الجمعيات ممكن أن تدمج تحت مظلة جمعية واحدة، حيث أن مستوى عطاء بعض هذه الجمعيات لا يحتاج لجمعية مستقلة، وأن إمكانياته وأهداف جمعيته لا تتجاوز إمكانية وأهداف لجنة في جمعية مرموقة.

كنا ندفع المال لمساعدة الفقراء والمحتاجين والآن يحاول بعضهم أن يجرنا لندفع لزوم وجاهته، وكنا ندفع المال لإطعام الفقراء والمحتاجين والآن يجبرنا بعضهم لدفع ثمن بوفيهاته المفتوحة لزوم وجاهته أيضا.

أدرك أنها موجة ولنا تجارب في موجات أخرى كمشاريع تمويل المنشآت الصغيرة في بدايتها، وموجة رئيس فخري وموجة “المدير العام التنفيذي لقروب واتساب الحارة”، لكن هذه المرة تورط فيها نخب، وشخصيات لها وزنها وأخشى أن تستهلك جهودها وأموالها في السعي وراء السراب، وهناك مع كل موجة، تجار لهذه الموجة. وأذكر رسالة “واتسابية” وصلتني برقم دولة عربية عن مكتب جاهز لعمل دراسة جدوى للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وفي السطر الأخير “وعمل دراسة وإعداد مسودة لنظام جمعية وفق متطلبات وزارة الموارد البشرية”.

وجود الجمعيات المدنية هو إثراء للمجتمع ولكن إنشائها دون تخطيط كافٍ بالخصوص في الجوانب المالية هي مشكلة ستلقي بظلالها على المجتمع وسيتحملها المجتمع كما تحمل موجة التبرعات التي كانت تسلب بإسم الدين، وموجة مزادات دية الدم وموجات كثيرة لا يسعنا الحديث عنها.

أعلق الجرس خاصة لرجال الخير ورجال العطاء من رجال أعمال أو رجال دين الذين يقدمون الدعم، نعم نحتاج لجمعيات مدنية ولكن ليس كل ما يلمع ذهب. ونعم من يأتون للحديث عن مشاريعهم بعضهم ثقة ولكنه قد يكون هو مخدوع آخر وغير مدرك لمرحلة ما بعد افتتاح المشروع والأعباء المالية، فالخارجون من وظائفهم؛ حساباتهم تختلف عمن يؤسس جمعية بعد تجارب تجارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى