أقلام

تسول العاطفة

عواطف الجعفر

ساد في المجتمعات على تنوعها، وفي شبكات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص ظاهرة أسميها ((تسول العاطفة)) وهي ظاهرة منتشرة بين الرجال والنساء، ويتلخص مضمونها في البحث المتعطش عن العاطفة لتلبية الحاجات النفسية بالشعور بالحب والاهتمام حتى لو كان على شكل شفقة وعطف من خارج حدود الأسرة.
فترى أمرأة تقبل الزواج من رجل لأنه يعطف ويشفق على حالها، فتقبل بالزواجً منه لإشباع حاجتها للعاطفة والانتماء دون أن تفكر هل هو مناسب لها كزوج؟

ولو انتقلنا إلى عالم الرجال فهناك أيضًا من يقيم علاقة واقعية أو افتراضية في شبكات التواصل مع امرأة بكل أحترام، وفي حقيقتها هي تسول لعاطفة وذلك من أجل الشعور بالأهمية والأمان الذي يفقده داخل الكيان الأسري. وقد تتطور العلاقة إلى ما لا تحمد عواقبه. فقد
‏قيل إن الرومانسية هي بذرة موجودة في الرجل، ودور الزوجة هو في تهيئة المناخ لنموها؛ ورعايتها المستمرة وسقايتها، ‏فإن أهملت الزوجة ذلك نمت جذور هذه البذرة خارج المنزل وهنا مربط الفرس!
وتسول العاطفة مع تعدد صوره ما هو إلا حاجة نفسية داخلية تجعل روح الأنسان متعطشة وجافة، والتصحر منتشر في دهاليز الروح فتشعر النفس بالاختناق وبالتالي تقوم النفس بالصراخ: أريد أن أتنفس. تنفس حب، عاطفة، شفقة المهم هو أن أتنفس وأشبع حاجاتي حد الارتواء، ولو على حساب القيم والفضيلة، في حين أنه قد تكون القيم والفضيلة موجودة عند التسول العاطفة المبطن، ولكن صورة إشباع العاطفة تتحقق بصورة خاطئة: أي تسولًا، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى تحققت العاطفة من خارج المؤسسة الأسرية، وعليه نقول إن تسول العاطفة من خارج الأسرة يكشف وبشكل صريح الجفاف العاطفي الذي تعيشه معظم الأسرة على اختلاف طبقاتها وكيانها الاجتماعي غافلين ومتناسين أن التربية تقوم على ساقين، وهما: الحب المتزن والحزم، فذلك خير وأنجح وسيلة حماية لكل أفراد الأسرة من أية هشاشة نفسية ممكن أن تصيب الأسرة وتجعل أفرادها يشبعون عاطفتهم من الخارج. والسؤال الذي يطرح نفسه:
لماذا لا يتعلم الإنسان لغة الحب والمشاعر حتى يجعل خزان الحب للأسرة ممتلئًا، فالعلاقة بين الزوجين تحتاج إلى مودة ورحمة كما صرح بذلك القران الكريم، وتحتاج تربية الأبناء كذلك إلى حب لفظي وسلوكي من احتضان وتربيت على الكتف ومسح على الرأس، وذلك يجعل الأبناء يتبعون تعليمات وتوجيهات الوالدين أكثر وأسرع من الزجر والصراع والقسوة التي هي ضد الحزم، وهذه الطريقة في التربية تحمي أفراد الأسرة من الانزلاق العاطفي والجفاف العاطفي وبالتالي البحث عنه يمينًا ويسارًا خاصة على شبكات السوشيل ميديا، فترى الشاب أو الشابة أو الزوجة أو الزوج يفرح ويسعد لمجرد كلمة لطيفة أو صورة أو فيس تلامس مشاعره وقلبه المشتاق لذلك بشكل قوي، في حين لو كان خزان الحب الأسري ممتلئًا ما حدث ذلك ولو انهالت على الرجل أو المرأة كلمات وصور الحب من كل جانب، فهو شبعان عاطفيًا من مسقط رأسه (الأسرة).

وللتسول العاطفي نتائج سلبية، نذكر منها:
١-الاستغلال والخداع. خاصة للفتيات من لصوص الإنسانية والمشاعر
٢- أتخاذ قرارات خاطئة مثل الهروب من البيت لإقامة علاقة غير أخلاقية بين الرجل والمرأة حتى لو كان إطار العلاقة شرعيًا، ولكن المضمون لهذه العلاقة ليس صادقًا و لا نزيهًا وطاهرًا، وليس معنى ذلك أن يكون الأنسان في علاقاته الاجتماعية وفي شبكات التواصل جاف المشاعر وقاسي التعامل، فهذا خلاف تعاليم الإسلام السمح الذي يحث على اللطف واللين والأدب واحترام الأخر من قريب أو بعيد، والنقطة الأهم أن يكون ذلك بوعي وعفة ومراقبة لله تعالى خاصة لمن هم من خارج البيت، فهي مشاعر عامة نُظهرها مع الأخرين، وهناك مشاعر خاصة وكلمات خاصة وسلوك خاص لا يصح ظهورها الإ عن طريق الأسرة. فكلمات الحب التشجيعية، وكذلك السلوك العاطفي المشجع كل ذلك يجعل الأسرة بكل مكوناتها أسرة متزنة ومستقرة عاطفيًا، وهذه المشاعر الجميلة هي حاجات رئيسة يحتاجها الأنسان. ولذلك لا بد من التدريب والتعلم عن التعبير عنها بشكل سليم، ومن ثم رعاية لغات الحب بالاهتمام. فهي لغة تشبة البذرة تحتاج لأرضية صالحة للزرع، والأرضية الصالحة ماهي إلا مؤسسة الأسرة مسقط رأس الأنسان.

ولكن لو تركت بذرة الحب الأسري دون رعاية وعناية فسوف يتسلل إلى قلوب أفرادها الاضطراب، وقد يتطور الأمر فيتحول الشخص في الأسرة إلى شخص يحمل مرضًا نفسيًا نتيجة تراكم الإهمال والقسوة من المحيط الأسري!

فيا أيها الزوج والزوجة ويا أيها الوالدين اسقوا الحب الزوجي والأسري، واشربوا من هذا الخزان لأنه نظيف وعذب ومشبع ومريح للفكر والقلب والنفس، ومدة صلاحيته دائمة، وماء هذا الخزان آمن من الفيروسات المريضة في المجتمع وفي شبكات التواصل الذكتي ترفع وتروج شعار الحب والحرية في التعبير عن الحب دون قيد أو شرط، ودون مراعاة للقيم الإسلامية. وكما قال الكاتب: أحمد خالد توفيق
‏هل هو حب؟

‏لا ليس حبًا بالتأكيد، ولكن الهشاشة النفسية تجعلك تتشبث بأي إنسان وتشعر بأنك تهيم به حبًا.

فالحب الحقيقي الصادق لا يكون تسولًا، بل هو نور في القلب، والجمال النفسي والخير هما المشكاة التي يخرج منها هذا الحب الحقيقي السليم.  وما أجمل هذا الحب الذي يعم أرجاء البيت وينشر عطره خارج البيت بكل جمال وأخلاق عظيمة
‏وأدب ومراقبة لله تعالى وهل الدين إلا المحبة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى