أقلام

الإمام علي (ع) منهج تربوي 

السيد فاضل آل درويش

ماذا لو سلطنا أدوات البحث والتأمل والتدقيق في شخصية جمعت صفات الكمال والجمال بأعلى درجاتها كشخصية الإمام علي (ع)، فهي موضع المائدة المعرفية الساعية إلى استكشاف الجوانب النيرة في كلماته ومواقفه، ففي حين أننا نبدي آيات الإعجاب والإكبار لشخصية ما في جانب من الجوانب كالحكمة في المواقف أو السيرة الجميلة بين الناس وغيرها، فإننا في رحاب عدالة وشجاعة وفصاحة وزهد وتواضع علي (ع) نتعرف على أبعادها ودلالاتها والنتائج المترتبة عليها، وكل حقل وباب يحتاج إلى الشيء الكثير في بيانه وتبيينه لعظمة هذه الشخصية والمآثر الكثيرة الواردة عنها.

فهذه الشخصية الفريدة قد حوت في كلماته الرزينة والعميقة في معانيها كل علائم البلاغة والفصاحة وأسلوب البراعة، فهذه الحكم الواردة عنه (ع)، التي يقع أكثرها في كتاب (نهج البلاغة) تعد منهجًا عقائديًا وأخلاقيًا واجتماعيًا، لما حوته من المفاهيم والمعارف في مختلف الأبعاد والحقول، وأتاحت للجميع الاطلاع على دقتها المورثة للنضج والوعي، فهذا الزاد المعرفي يحتاج منا إلى تسليط أدوات البحث والتفصيل والتأمل ونثرها أمام الأقلام المنصفة؛ لتشكل مادة معمقة يستلهم منها مفردات المادة التربوية، متى ما لاحظناها وتعمقنا فيها وجدنا تلك الدروس والعبر والقيم الرافعة لشأن الإنسان، ولذا فإن الجنبة الإنسانية النبيلة نجدها حاضرة في كثير من كلماته النيرة الداعية إلى احترام الطبيعة البشرية على اختلاف أديانها وتوجهاتها، فقال (ع): (فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق)، فما أعظمها من حكمة تدعو إلى مبدأ التعايش والسلام والاحترام المتبادل بغض النظر عن الاتجاهات والأفكار، أفلا تعد هذه الومضة الإنسانية النبيلة مصدًا للخصومات والمشاحنات والكراهيات المنتشرة اليوم بسبب التعصب والنقاشات الساخنة العقيمة، التي لا تعود لنا إلا بمزيد من الشرخ والتباعد بدلًا عن تقارب الأفكار!!

وعلي (ع) ذلك المنهج العملي المثابر في وسط الظروف الصعبة والمستنزفة للطاقات، ومع ذلك نجده ذلك العامل على المستوى التبليغي فلا يكل عن تقديم التوجيهات ويفك الاختلافات والشبهات، ويواجه حالة الضعف الاقتصادي عند بعض الناس لا بالتحسر والتأسف وصب جامات الغضب، بل يعمل بهدوء في سبيل معالجة حالة الفقر بتقديم المساعدات – بنفسه – بما يسهم في توفير مستلزمات الحياة الكريمة، ويعمل جاهدًا على استظلال الجميع بمظلة العدالة الاجتماعية باتباع منهج الحق والمساواة بعيدًا عن العنصرية.

وعلي (ع) منهج عملي للعمل المثابر دون الالتفات للفقاعات الإعلامية والافتراءات وحناجر الحقد التي تطلق القدح والذم وتنثره من حوله، فلم يكن بالذي يلقي بالًا ولا اهتمامًا بتلك النفوس الضيقة وإنما يجعل عمله شاهدًا وكاشفًا عن شخصه المبارك وفكره الوقاد.

وعلي (ع) منهج للتعامل مع مغريات الدنيا وزخارفها التي تقبل بها على المفتونين فتسلب منهم دينهم وقيمهم، حاشاه فهو ذلك الزاهد الذي اكتفى فيها بأن يشارك المحتاجين حالهم وعاش عيشة البسطاء، وإن كان معه شيء من المال أو المتاع فلم يكن بالذي يبخل به المحتاجين، كما أشاد القرآن الكريم بعطائه المبارك في سورة الإنسان، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}{سورة الإنسان الآية ٨}.

وعلي (ع) يرسم منهج العبادة والتقرب من الله تعالى بالوجه الذي تظهر منه المعاني المرجوة منها وهي الورع عن محارم الله تعالى ومحاسبة النفس والاستقامة في التصرفات والسلوكيات، فمن علي (ع) نفهم أن العبادة ليست مجرد طقوس خاوية تتحول إلى عادة تؤلف ويعتاد عليها المرء دون أن يكون لها أي تأثير أو حضور في سمته وشخصيته، فالعبادة هبة ربانية تنير القلب بالطمأنينة والأنس بذكر الله تعالى وتنير الجوارح بالكف عن العدوان وتجاوز حقوق الآخرين، وهكذا تقدم العبادة على أنها منهج تربوي وأخلاقي يعيد صياغة شخصية الإنسان وفق القيم والمباديء التي يدعو لها ويسبغها كسلوكيات مستقرة عنده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى