من طور سيناء إلى المدينة… قصة تتكرر

أحمد الطويل
مقدمة:
حين يتكرر التمرد عبر الزمان!
منذ أن أشرقت شمس النبوة، وصوت الأنبياء يعلو بنداء واحد: “اعبدوا الله ما لكم من إله غيره”.
ولكن، هل أطاعت القلوب؟ وهل استقامت النفوس؟
في كل عصر، يظهر من يستهين بأوامر السماء، يطلب إلهًا على مقاس هواه، ويتبع شهواته فيغرق في التيه!
في هذا المقال، نغوص في قصة نبي الله موسى عليه السلام، وننظر من خلال مرآتها إلى واقعنا.
الزمان: شهر ذو القعدة، شهر الوعد والميقات.
المكان: طور سيناء، حيث تجلّى الرب لنبيه.
الدرس: النجاة لا تكون إلا بالطاعة الصادقة، لا بالأماني والشعارات.
فهل أنتم مستعدون لرحلة تأمل في التاريخ، والنفس، والقرآن؟
بين الماء والعجل – تمرد مادي وآخر معنوي!
رغم النعم التي أغدقها الله على بني إسرائيل، لم تكن كافية لردعهم عن العصيان.
قال تعالى: “وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا…”
اثنتا عشرة عين ماء، وقوة ربانية تمزق البحر… ولكن القلوب كانت عطشى لغير الله!
وما أن تجاوزوا البحر، حتى قالوا لموسى: “اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ”
السبب؟
ثقافة وثنية متجذّرة في الذاكرة
ضعف في اليقين رغم وضوح المعجزات.
تقليد أعمى لما يفعله الآخرون.
جهل لا يعترف بالعقل ولا يستنير بالنور.
وهنا نطق موسى بكلمة الفصل: “إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ”.
رد موسى – بين الصرامة والتعليم
حين واجه موسى التمرد، لم يهادن، ولم يؤجل.
قالها بوضوح: “إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ”
فلا مكان لوثن في أمة نجّاها الله بمعجزة البحر!
ولكن الحل لم يكن بالعقاب وحده. بل جاء وعد التعليم والإصلاح، حيث قال تعالى: “وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ”.
شهر ذو القعدة كان مسرحًا للوعد، محطة لتهذيب النفوس، وتجديد العهد.
في طور سيناء، اصطفى الله موسى، ليعود حاملًا التوراة والنور.
اختار سبعين من قومه ليشهدوا التجلي، واستخلف هارون ليقود القوم.
ولكن… بقيت النفوس تشتاق إلى العجل، وتُجرّها العادة القديمة!
موسى وهارون، والنبي محمد ومن سار على نهجه
الرسالات تتشابه، والقلوب المترددة تتكرر.
النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله قال: “ما أوذي نبي مثل ما أُوذيت”
وكم بين الحاضر والماضي من تشابه!
كما استخلف موسى أخاه هارون، استخلف رسول الله من رأى فيه الامتداد والولاء، لتستمر الرسالة بعده بروحها وقيمها.
لكن التحدي لم يكن في الوصية، بل في استعداد الأمة.
من أطاع الأنبياء نجا، ومن تمرد ضلّ، ولو كان في قلبه شيء من الإيمان.
ذو القعدة – شهر الميقات والولادة المباركة
شهر ذو القعدة ليس مجرد تقويم زمني، بل بوابة إلى الطهر والمراجعة.
هو من الأشهر الحرم، حيث السلام يعلو فوق السلاح.
وفيه ميقات موسى، حين صعد إلى ربه ليعود بالتشريع والرحمة.
وفيه وُلد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، الذي امتدّ بنوره من هدي النبوة، فكان منارًا للعلم، وسراجًا للتقوى.
يُستحب فيه الصوم، وصلاة خاشعة، وزيارة روح تشتاق إلى الموعود.
فكيف نستقبله؟
بالعودة إلى الله، بالصدق في الطاعة، بترك الهوى، ونبذ العجل الخفي في قلوبنا!
نداء من الطور إلى القلوب
“وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى”…
صرخة موسى لا تزال تدوي.
فهل نُسرع إلى الله؟ أم ننتظر عجلًا جديدًا، بصيغة حديثة، لكنه يحمل نفس التيه؟
إن طريق النجاة واحد، والحق واضح، وأوامر الأنبياء لا تسقط بالتقادم.
الخلاصة: الطاعة حياة، والتمرد هلاك!
قصة موسى وبني إسرائيل ليست تاريخًا يُروى، بل درسًا يُعاش.
كل من أعرض عن الوحي، وسار خلف هواه، فهو في التيه وإن حمل اسم الإيمان.
ومن تمسك بالعهد، وصدق في طاعته، فقد نجا، وإن كان وحده.
اللهم اجعلنا في هذا الشهر المبارك من عبيدك المخلصين، نسمع القول ونتبع أحسنه، ونسير في نور هداك، ونجدد العهد مع أنبيائك، ونكون ممن قلت فيهم “رضي الله عنهم ورضوا عنه”.
ثبت قلوبنا على الصراط المستقيم، واحشرنا مع عبادك الصالحين، واجعلنا من ورثة النور، ومن المحفوظين من فتن التمرد والهوى، إنك أرحم الراحمين.