لقاءات صحفية

لقاء خاص.. قصة المهندس الشايب والنخلة. لقاء حضاري تاريخي (الحلقة الثانية)

رباب حسين النمر: الأحساء

مشهد الفكر الأحسائي من المشاريع الثقافية التي أسستها وعملت عليها، فهل لك أن تعرفنا على فكرة المشروع، ورؤيته، وأهدافه، وأبرز إنجازاته، والمراحل التي تدرج فيها، من أين بدأ، وإلى أين وصل؟

تاريخيًا أسرتي أصحاب مجلس يتعاقبون وراثته، ولقد زاملت مجلس جدي شيخ أسرة آل الشايب وكبيرها بالجبيل. وبعد وفاته تولى المجلس والدي الشيخ عبدالمحسن _رحمه الله _ حتى انتقل إلى بارئه قبل ست سنوات. ومنذ ذلك الحين كنت أبصر كيف أن المجلس لم يكن ليعقد لشرب فنجال قهوة مر حساوية فقط، وإنما شكل موئلًا أسريًا واجتماعيًا تتناقل فيه الأخبار، ويتم رسم خطط عمل الغد، واستقبال الضيوف والخطار، وإصلاح ذات البين وصفقات الشراء والبيع، وقراءة القرآن والدعاء والقراءة الحسينية، وتتم المساجلات والمراجعات الدينية والمعرفية، وربما أنجزت في هذا الحضور بعض الأعمال للاستعمال كدمك الحبال وعمل المسر وتوشير المحشات وغيرها.
في هذه الأجواء المدرسية الثقافية والاجتماعية عشت زمني كله.مع ذلك في فترة ما كان عنصر الإضافة المعاصرة مهمة خاصة مع كون جيلي أصبح متعلمًا وناضجًا ويعمل في اختصاصات مختلفة، فكانت الرغبة أن لا يكون اللقاء مع حسنه في ذاته فقط لشرب القهوة والشاي والحديث. مع استقراري بعد الزواج انتظم فتح مجلسي منذ العام ١٤٠٤للهجرة مساء كل خميس ليلة الجمعة، وكانت مبادرة غير مسبوفة أن أطلقت عليه مشهد الفكر الأحسائي، ليكون أول ملتقى في الأحساء وربما في المنطقة الشرقية. واختصارًا لاحقًا سمي “ملتقى المشهد” بالرغم من أن الإصرار كان على الحدث أولًا وليس بعنوان المكان، واستمر ذلك حتى تاريخه قريبًا نحتفل بمرور أربعين عامًا على إنشائه.

وكانت فترة الثمانينات حافلة بالحراك والمدارس في الأحساء، المتآلف منها والمتضاد وعلى رأسها ما عرف بالصحوة الدينية، وفي خضم ذلك كانت مفاهيم التنمية والعمل على تأصيل المذهب السلمي، وإنماء العمل التطوعي من خلال الجمعيات الخيرية والأندية الرياضية وفروع الجمعيات العلمية، والتخطيط الحضري والعمارة، وتمكين المرأة وغيرها من اشتغالات يراها الحركيون سلبية في التعاطي أمام أطروحاتهم، وهذا المنهج الذي اتخذته وأكدت عليه هو ما تبين نجاحه بعد ثلاثة عقود، وانخرط الحركيون فيه الآن بشكل يناقض ما عملوا عليه في ذلك الحين.

المهم أن سعي المشهد في أحد أًوجهه هو دعم الإيجابيات في الأحساء، وبيان الإبداعات وتعزيز الهوية، وهو ما أتت أكله في الفترات الأخيرة حيث كانت الأحساء بمجتمعاتها مستعدة للتغيير، فكان ذلك كما نرى.

ولم يقف المشهد عند الحوارات مع أهميتها لمن شجع ونادى وسوق للتأليف والبحث والتوثيق، بل تعدى إلى أن تبنينا رعاية طباعة الكتب المرخصة (إلى الآن ٤٣ كتابًا) ونحن فخورزن بضمهم لمشهد الفكر الأحسائي والمكتبة العربية. وأقوم أيضًا بشراء نسخ من مطبوعات أحسائية لجميع المؤلفين بالأحساء، ولدي مشروع إهداءت الكتب للزوار، أو لإنشاء المكتبات المنزلية لتنمية القراءة.

كما أن تأسيس أول موقع إخباري وثقافي إلكتروني في الأحساء كان يعطي إطلالة مميزة في حينه،

لا تزال هناك صفحة فيس بوك وصفحات مختصة مساندة.
من خلال مشهد الفكر الأحسائي استطعنا التواصل مع كل الأطياف لما أحمله من معتقد الحرية واحترام الآراء وهذا ثراء يميز المشهد.

التراث العمراني والثقافي من الأمور التي تشكل هاجسًا للمهندس الشايب، من أين بدأ اهتمامك بالتراث، وإلى أين وصل؟

عودة إلى خمسة عقود أثناء دراستي الجامعية في قسم الهندسة المعمارية بجامعة البترول والمعادن (جامعة الملك فهد) كان هناك إثارة حول العمارة التقليدية، وبتشجيع من أساتذتي طرحت موضوع بحثي النهائي وهو دراسة ميدانية، فلاقت استحسانًا من البرفسور ويدن والبرفسور مكلسكي، و فعلًا تجردت بهمة برفع مساحي ومعماري لمجموعة من المباني في الجبيل بالأحساء، وعمل خارطة للبيئة المبنية ومحيطها. وهكذا تكلل البحث بكونه أول بحث من نوعه في الخليج، وقد طبع في كتاب عام ١٩٨٥م، وهذه الإثارة أنعشت حسًا مبكرًا حول الموروث وأنا أراه يتداعى في كل مناحي الحياة وليس في البناء فقط وإن كان في ذلك أوضح. ومع إيماني بالأخذ بأسباب الحداثة المنعكسة على الصحة والتعليم وبيئة العمل وتخطيط المدن وإنماء الوعي المدني وغيره، ولكن القلق من ضياع الهوية ونحن نمر في هذه المرحلة من التغريب أيضًا، وبداية ًما تأصل لاحقًا ماعرف بالعولمة.

ولكن هذا القلق والوعي كانت مجتمعاتنا تلفظه ولا ترغب استمراره، بل إن الخروج منه كان هو المطلب المباشر. وفيه بعض حق للاستفادة من التنمية التي يطرحها وطننا، وهو استحقاق الحصول عليه كقروض صندوق التنمية العقارية.
على أي حال كانت فرصة جميلة من خلال جريدة اليوم أن منحتني صفحة كل يوم ثلاثاء عام ١٤٠١ هجرية أكتب فيها تحت عنوان (من أجل حفظ التراث)، وجمعت هذه الكتابات في كتاب تحت عنوان مقالات في تراث الأحساء طبع عام ١٤١٢ هجرية. وقمت أيضًا بدراسة فريج الفوارس بالهفوف مع مجموعة من طلبة قسم الهندسة المعمارية بجامعة البترول من أجل إبقاء بعض المباني التراثية. لتتحول إلى مركز ثقافي عام ١٤٠٢ هجرية. ولكن مع الأسف بعد مدة هدمت تلك المباني ولم يتحقق المشروع، في حينها بدأت أيضًا أجمع الأمثال والكلمات السائرة في الأحساء، واستغرق الجمع عقدين من الزمن، وطبعت في كتاب قاموس الأمثال والكلمات السائرة في الأحساء عام ١٤٢٢ هجرية. ونحن الآن بصدد الطبعة الثانية المزيدة والمنقحة بأكثر من عشرة آلاف مثل وكلمة سائرة.

وكان بحثي في الماجستير عن الإمكانات الترفيهية على المستوى الإقليمي بالأحساء عام ١٩٩٠م، وجزء منها متعلق بالثقافة المادية، وطبع في كتاب.

كتابك (ليليات العزل لجائحة كورونا) ماذا يتناول؟ ولماذا والفت في صفحاته بين اللهجة المحلية المحكية واللغة العربية الفصحى في الكتاب؟

منذ أعلن الحجر المنزلي وشأني شأن كل مواطن سعودي ومقيم يدرك أن هناك أسلوب حياة يتغير وعليه أن يتعايش معه، وكورونا كوباء كان مخيفًا قابلًا للانتشار بسرعة والإجراءات الوقائية والاحترازية ساندتها متابعة رسمية وتطبيق بوعي في مجتمعات مدن الأحساء.
هذا الإدراك التغييري يقينًا سيمنح تصرفات ولغة وعلاقات مختلفة داخل الأسرة وخارجها ضمن ضوابط السماح.
من هنا اغتنمتها فعلًا، فهي فرصة جميلة أن أسجل مجريات الأحداث داخل الأسرة التي تعرفت فيها على العيال عن قرب، وما كان ليحدث هذا الجمع لولا الوضع القائم.

مع أنني سجلت أيضًأ ضمن مسابقة وزارة الثقافة لكتابة اليوميات ولظرف ما تزقفت بعد خمسة وسبعين يومًا عن الاستدامة،

المهم أن التتابع للأخبار في المملكة وفي العالم الصحية منها والاجتماعية و الاقتصادية والسياسية (حرصت أن أورد روابط الخبر) كان بها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وكان الليل هو مصدر ذلك، فضلًا عن النشاط الأسري الذي كان ليليًا أيضًا، من هنا سميتها ليليات. وتكللت بعد تسعين ليلة بطباعة الكتاب، وهو ثري يضم معلومات ثرية، والأصل فيه الفصيح، ولكن يرد باللهجة المحكية حفاظًا على أمانة النقل.

هل بات علينا التفكير في طريقة معمارية جديد للمنازل بعد جائحة كورونا، كما ترى؟

كورونا كانت سببًأ في إعادة التفكير بأطروحات كثيرة. كانت الحالة المريحة فلم تفصح عن السلبيات في البيئة الحضرية ومنها المباني بالطبع والمسكن يتصدرها، تلك العلاقة المرتبطة بالمساحات والفراغات ومصدر الشمس والضوء والتهوية، فضلًا عن تلك الغرف بين الاستخدام وعدمه كالمجلس وصالة البيت والمطبخ وما إلى ذلك، وتبينت الحاجة إلى الشرفة أو الفراغ الخارجي، وبقدر ما هو سجال مجتمعي كان مورد سجال للمختصين المعماريبن، وكانت هناك أطروحات لإعادة صياغة المسكن في بيئاتنا، يمكن من خلالها أنسنة المسكن ضمن أنسنة المدن، بهدف جودة الحياة.

فهل سنتخذ منهجًا في التصميم فعلًا بعد ذهاب الجائحة؟ هذا أمر يحتاج لوقت لمعرفة مدى التأثير وانعكاسه على المستفيد. ولكن أمنياتنا كعمرانيين مختصين أن يتم التغيير لفائدة المستخدمين ولعلاقاته باقتصاديات البناء.

المهندس الشايب خاض ويخوض في أكثر من ميدان، ما بين القصة والثقافة والمعمار والتراث، فأين يجد الشايب نفسه أكثر؟

بعد أكثر من أربعة عقود في المناشط المتعلقة بحفظ التراث والشأن العمراني بشكل عام أجد المنجز حقق الكثير بدءًا من إنماء الوعي المجتمعي بضرورته وانتهاءً بالتطبيق عبر استشعار الانتماء للفنون وانعكاسه على الانتماء الوطني للأرض، وتقمص مفرداته كذاتية افتخار.

هذا النوع من الريادة والعمل الدؤوب المننهج، وانتهاز الفرص لم يكن ليتأتى إلا بدافعية الطموح للإسهام في الارثقاء الوطني، وتأكيد المدرسة ولا سيما طراز العمارة الأحسائية الإسلامية. وهذا احتاج إلى بذل الجهد المعرفي وتبليغه وقوة شكيمة وإصرار وثبات لإيماني بمقوماته الإيجابية، وهو ما حصل كنتائج وأصبح يتقمص فعلها الكثيرون في الوقت الحاضر وهذا شيء جميل. ومن هنا أراني أديت رسالة واضحة تأتي أكلها، ووضعت نفسي في نفس الوقت للخدمة للباحثين والمهتمين وراغبي الاستشارة مع حث على الإقدام الفعلي، مع أننا بحاجة إلى التدوين مستفيدين من حضور اليونسكو على سبيل المثال التي أعلنت الأحساء موقع تراث عالمي عام ٢٠١٨م في عولمة فنون التراث العمراني والمعارف في الثفافة المدنية وغير المادية.
حتمًا أشكر الله أنني رأيت نتائج ذلك من الاهتمام الرسمي والأهلي.

ماذا عن حضور الشايب في برامج التواصل الاجتماعية؟

شخصيًا أنا قارئ ومطلع جيد، ولا بد يوميًا من المتابعة. ولأن الانشغال في مجالات كثيرة يعطيني سعة في المعرفة والحمد لله، ولأنني حريص على أن المكتسب هنا يكون في مسار المستجدات إيمانًا بكون الحضور الشخصي مؤهلًا للمشاركة.

ووسائل التواصل بتقديري هي ضرورة مع كم المعلومات، وعما إذا كان هناك انتقاء للمادة. أشكال التواصل الخبرية أو الحوارية أو سواها تشكل لي رافدًا في المجريات، وأنا شخصيًا يسعدني، وأشكر كل شخص يتابع تزويدي بما يبعثه لي، والذي قد لا يكون أحيانًا ضمن اختصاصي، بل أكون ممتنًا له عن هذه الخدمة، بل إن نسبة العلاقات الثقافية ضمن منهج احترام الرأي أعطاني مكانة للتواصل مع أطياف مختلفة حتى مع المختلفين وهو شيء أعتز به، ومنحني ثقة أكبر في الإدلاء بمعارفي أو الإسهام في حوارات جادة من أجل التبادل وإنماء أو إنضاج المعارف.

وأنا نشط في الوقت نفسه إذا لزم الأمر للرد متخذًا صدق المعلومة، مستهدفًا بيان الحقيقة وهو ما يجعل من ذلك جهدًا خاصة إذا تطلب الأمر الدخول في تصحيح المفاهيم والمصطلحات.

تظل وسائل التواصل الاجتماعي إضافة إلى المسموع والمرئي في الإعلام محل اهتمامي، وأستطيع القول: اليومي.

وتشكل مجموعات الواتساب العامة أو الخاصة الاختصاصية محل اطلاعي، ولمست فيها فوائد كثيرة بما فيها قياسات ومعرفة الكفاءات، وشخصيًا أسست أول موقع إخباري إلكتروني في الأحساء قبل أكثر من عقدين تحت مسمى ” مشهد الفكر الأحسائي”
ولدي حساب على تويتر، وصفحات فيسبوك عامة ومختصة، كما أني أدير حساب فرع جمعية علوم العمران بالأحساء على تويتر.

هل ساهمت مواقع التواصل الاجتماعية في نشر الكتابات الرديئة من شعر وقصة؟

رأيي يعرفه المقربون مني، بالرغم من أنني كتبت عنه أيضًا، وسؤالك الجميل محل طرح الكثيرين حتى في اختصاصات مختلفة، ولكن ضمن أشكال الثقافة غير المادية يأخذ السؤال صدى آكبر لعلاقته المباشرة بالإنسان. ورأيي في صدده أن المجتمعات الحضرية التي تتيح أشكال التعبير المختلفة هو دليل حضارية هذه البيئة، ومنها ندرك مدنية تلك البيئات لحضور المتآلفات والمتتضادات (الدفع الاجتماعي وأحيانًا تساندها القوانين وعدم التدخل في شؤون الغير) هو حالة معيارية من النضح مالم يمس حريات الآخرين أو اختراق المنهج السلمي في الحياة.

في مجتمعاتنا التي يقينًا هي تحت النمو والتغيير والتطور، ونظرًا لوجود كثير من النواقص يجعل الكثيرين في محل عدم تقدير جيد بأن مجتمعاتنا ليست بحاجة لهذا الطرح او الإضافة.

وهنا يمكن التأمل بالطبع بكون الفرصة متاحة للجميع بقدر المساواة، لأن الدعوة في القرية العالمية هي “اكتب شيئًا”.

في مجتمعاتنا نقدر أن هناك ضابطة أخلاقية، ولا نختلف في أهمية مراعاتها.

المشتغلون الجادون في أدب السرد في مجال الرواية والقصة والمقالة وغيرها معنيون بتكثيف الحضور، ومع الحالة الثقافية فإن المتلقي قادر على فرز الغث من الثمين، ولست مع رقابة أو وصاية أو تحكيم لما يرغب في نشره، فالمسؤولية تقع على الكاتب، وهو من يحدد إرادته، وقوانين النشر كفيلة بحفظ الحقوق الأدبية.

للوصول إلى الحلقة الأولى: 
لقاء
خاص .. قصة المهندس الشايب والنخلة لقاء حضاري تاريخي (الجزء الأول)

https://bshaer.net/2023/11/18/rabab-4/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى