أقلام

أم البنين (ع) أفق التضحية والتفاني

السيد فاضل آل درويش

عندما نقف متأملين في سيرة العظماء ممن كتبوا سيرتهم بأحرف ذهبية وسطروا مواقف تستحق الإعجاب والإشادة بها ستكون الطريق السالك نحو العلياء والتكامل، ومن ثم تدون تلك الومضات النيرة مشاعل تضيء طريق بناء الشخصية القوية والمتحملة للمسؤوليات المناطة بها، ومن تلك الشخصيات المتألقة هي السيدة فاطمة بنت حزام العامرية المكناة بأم البنين (ع)، والمصادر التاريخية والروائية لم تنقل لنا الكثير من الجوانب المشرقة من حياتها المباركة، إلا أننا نتكيء على الشذرات القليلة التي نقلت لنا ومن ثم نتناوله بالتطبيق على واقعنا المعاصر وكيفية الاستفادة والاقتداء بها؛ لتكون من معالم تربية وتنشئة شخصيات أبنائنا فليس هناك أفضل في التربية من تقديم القيم الأخلاقية والمعارف المضيئة بالرشد من خلال الاقتداء بالعظماء.

والوقفة الأولى نسير من خلالها نحو موافقة أمير المؤمنين (ع) على اختيارها زوجة تليق بشأنه ومقامه الرفيع، حيث أننا نعلم بأن عنصر الكفاءة الفكرية والإيمانية والأخلاقية هو ما يحقق الانسجام والقوة في تكوين علاقة زوجية ناجحة، والتي تكون نواة لأسرة يستشرف الأبناء معالم ازدهار شخصياتهم من الوالدين، فلا شك أنها (ع) كانت على مكانة عالية واستحوذت على ملاكات الكمال والرقي في صفاتها الذاتية والاكتسابية من محيطها الأسري، فهي (ع) صاحبة خلق عظيم وعقل حصيف أسهم في تأهيلها لمستوى الزوجية والاقتران بأمير المؤمنين (ع)، وهذا الأمر يدل على مدى ما كانت عليه من خصال حميدة تجلت بعد ذلك متجسدة في مواقفها المشرفة، وعندما نتحدث عن سمو النفس وطهارتها والضمير الحي ونتحرك حثيثًا من أجل تحصيل مستويات عالية في التكامل النفسي والفكري، فهذا يعني عملًا مثابرًا في تهذيب النفس وتزكيتها والتحلي بالأخلاق الرفيعة والبعد عن الرذائل والمعايب الأخلاقية ومراقبة الجوارح فيما يصدر منها من تصرفات، فبعد مسيرة من جهاد الأهواء والشهوات المتفلتة يمكننا أن نتحدث عن صقل النفس بمكارم الأخلاق، فالمكانة العالية للمرء لا تأتي من فراغ ولا يأتيها التقييم من متملق أو جاهل، بل الشهادة الحقيقية الكاشفة عن مكنون الشخص أفعاله على أرض الواقع فهي الشاهد المنصف الذي لا يخبيء شيئا من الحقيقة بل يفصح عنها بكل تفاصيلها؛ لتتلقاها الشخصيات المنصفة والواعية المتأملة بتلك السيرة.

ولنا وقفة أخرى مع تربيتها لأبنائها الأربعة وتنشئتهم على الأخلاق الفاضلة والصفات النبيلة التي جعلت منهم أنجمًا ساطعة في سماء التضحية والإيثار وأعلى درجات طهارة النفس ، وهذا يضعنا – كآباء وأمهات – على طريق تحمل مسؤولية تربية الأبناء من خلال منهج التوجيه والإرشاد والمتابعة والاهتمام، فالطفل تصدر منه سلوكيات تتأثر بمكونات شخصيته الذاتية أو ما يبرز في محيطه الاجتماعي، وعندما نأمل ونتطلع إلى وصول أبنائنا إلى الكمال الفكري والألق السلوكي فلنتطلع ونتدبر في تربية أم البنين (ع) لأبنائها، وخصوصًا ونحن نواجه اليوم الكثير من التحديات في وجه التربية الفاضلة، فهذه وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالكثير من الأفكار المغلوطة والسلوكيات غير اللائقة، ولا ينجيهم من الاقتداء بها سوى تلك المقومات التربوية التي تلقوها وعملوا بها، وقرب الوالدين من عالم الأبناء والدخول معهم في حوارات وتبادل وجهات النظر والاستماع لهمومهم، يقدم صورة واضحة للوالدين عن شخصية أبنائهم من أجل تقويم صفاتهم، كما أن الإشباع العاطفي يكسبهم الاتزان النفسي والشعور بالأمان والانتماء الأسري.

وعلى مستوى العطاء والفاعلية المجتمعية والإسهام في تقدم ورقي المجتمع نحتاج إلى صناعة شخصيات ترى في التفاني والتضحية ببعض الحهد والوقت مغنما وأحد أوجه سعادتهم، وفي تربية أم البنين (ع) لأولادها على حب الذات الإيجابي أي العمل على الرقي في اكتساب الفضائل والصفات الحميدة، نجد ضالتنا المنشودة في كيفية التخلص من الأنانية والتبلد الوجداني تجاه حاجات الآخرين والعمل وفق المصالح الخاصة، من خلال التأمل في سيرة امرأة عظيمة صنعت وجسدت القيم النبيلة والتخلي عن الرذائل والعيوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى