أقلام

لا تكن مجرد ذكرى في الحياة

زاهر العبد الله

مقدمة:
من عناصر تقدم الأمم مستوى التعليم لديها ومدى فاعلية الفرد فيها، فكلما كان المجتمع أكثر تعليماً كان أكثر إنتاجاً، وهنا سنتناول عدة عناصر تعزز هذا الجانب من الناحية الإنتاجية لكي لا يكون الإنسان مجرد سطر في الحياة يكتفي الناس مشكورين بقولهم له رحمه الله

عناصر المحاضرة:
• ١- الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء.
• ٢- العلم أثمن شيء يتركه الإنسان بعد وفاته.
• ٣- صدقة جارية تكون زاداً في طريقه إلى يوم القيامة.
• ٤- ولد صالح يدعو له.

١- الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء:
كلنا يعلم أن هذه الدنيا مرحلة من مراحل حياة الإنسان لا بد أن يمر بها لكي يكمل مسيرة خلقه، وهو الانتقال إلى عالم آخر حسب ثقافتنا الإسلامية وما دل الدليل عليه من الآيات والروايات كما قال تعالى
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) }العنكبوت
إذن: الحياة هي عبارة عن ساحة امتحان واختبار تمر به جملة من البلاءات المتنوعة إما في فقر أو جوع أو نقص في الثروات أو غنى أو صحة، وغيرها من الامتحانات، فهل الإنسان سيؤدي شكر هذه النعم وإن كان في بعضها حسب الظاهر أنها مؤذية للإنسان ولكن جوهرها حتماً ويقيناً في صلاح الإنسان وهدايته. فاعتقادنا بالله سبحانه وتعالى أنه غني مطلق فلا يضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه، ولكن ما يقوم به الإنسان من امتثال لأوامر الله واجتناب معاصيه إنما هو أشبه ما يكون بعوامل تصفية وتزكيه يترقى بها الإنسان إلى سلم الكمال ليكون في فعله وقوله أفضل من الملائكة. ولذا تجد الروايات تؤكد على استغلال هذه الساعات من الدنيا بأفضل استغلال بما يرجع لمصلحته واغتنام الفرص لتزكية روحه تجد ذلك جلياً في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً )١
وفي الرواية أيضاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر)
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإن أمكنة القيامة خمسون موقفا، كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا هذه الآية: * (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) ٢
علينا أن نتدبر أمور حياتنا جيداً ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب ونستعد قبل فراق هذه الدينا الزائلة ولذا تشير بعض الروايات لكيفية التعامل بشكل صحيح مع هذه الحياة.
فمن وصية لأمير المؤمنين عليه السلام (لا يكن همك يومك الذي إن فاتك لم يكن من أجلك فإن كل يوم تحضره يأتي الله فيه برزقك. وأعلم أنك لم تكسب شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك، يكثر في الدنيا فيه تعبك، ويحظى به وارثك ويطول معه يوم القيامة حسابك. فأسعد بمالك في حياتك، وقدم ليوم معادك زادا يكون لك أمامك، فإن السفر بعيد والموعد القيامة والمورد الجنة أو النار) ٣

٢- العلم أثمن شيء يتركه الإنسان بعد وفاته:

من العلم الذي يتركه الإنسان خلفه (بعد ضرورة إصلاح النفس وتربيتها وتزكيتها حثها على العمل بما يرضي ربها)
هو بذل الجهد في طلب العلم النافع في مختلف موارده، فقد حث الإسلام واعتنى كثيراً بطلب العلم، كما أوصى فقهائنا ومراجعنا بضرورة التعلم ولا نكتفي بذلك بل علينا أن نُعلم وننتج العلم لغيرنا، وإذا راجعت بعض الروايات تجدها تأكد على هذا المعني مثل
عن الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا )٤

*صور من الحث على العلم والتعلم:
١- تعليم أولاده وأهله وذويه أمور دينهم ودنياهم.
٢- نشر علوم أهل البيت عليهم السلام من آيات وروايات.
٣- كتابة مقتطفات ورسائل ومقالات وكتب ما استطعت إلى ذلك سبيلاً لتكون في مرضاته سبحانه لا تبتغي من وراءها شكوراً بل رضوان الله سبحانه هو أولها وآخرها.
٤- تسجيل صوتيات أو فيديوهات مفيدة منك أو من غيرك ترسلها لكل ماله صلة بك من أهل بيتك وأرحامك وعشيرتك وأهل منطقتك.

٣- صدقة جارية تكون زاداً في طريقه إلى يوم القيامة:

وفُسِرت الصدقة الجارية بالوقف. وفي الكافي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته وصدقة مبتولة لا تورث. أو سنة هدى يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له)٥. والأخبار في فضله كثيرة.
وللوقف صور كثيرة وألوان متعددة
من صورها : مشاركة في بناء مسجد أو حسينية أو دعم طالب علم سواء حوزوي أو أكاديمي إذا عُلِم بنبوغه وذكاءه وأنه سيكون مشعل نور لغيره قابل الأيام أو بناء منزل لفقير أو ترميم لمسكين أو وقف أرض للتعليم لرفع المستوى العلمي والثقافي لأبناء المجتمع أو طبع وشراء كتب نافعة للمؤمنين أو الدخول في عالم العلوم الحديثة وعمل تطبيق في الأجهزة الذكية دائم ينفع الناس وغيرها من الأمور الكثير الكثير.

٤- ولد صالح يدعو له:
في أمر الولد كثير من المؤمنين والمؤمنات يسعون بالغالي والنفيس أن تكون لهم ذرية طيبة تحمل أسمائهم وتعلي ذكرهم ويدوم نسلهم، ولذا كثيراً ما حث الإسلام على تربية الأبناء وأولاها عناية خاصة في الآيات وكلمات أهل البيت عليهم السلام، وذلك بحس التربية على الأخلاق الفاضلة وذل العبودية لله سبحانه والتسليم بقضاءه والصلاح في سلوكه. كما حذر الحق سبحانه من الإهمال في التربية وشدد الوعيد على ذلك كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}٦التحريم.
كذلك الروايات حثت على ذلك وأعطت الجوائز لمن يحسن تربية أبناءه.
فعن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:( إن الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة )٦
روي عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مر عيسى ابن مريم عليه السلام بقبر يعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذا هو لا يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان يعذب ومررت به العام فإذا هو ليس يعذب؟ فأوحى الله إليه أنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فلهذا غفرت له بما فعل ابنه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ميراث الله عز وجل من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده، ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام آية زكريا عليه السلام ” (رب) هب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا “)٧

الخاتمة:
لكي لا تكون مجرد ذكرى في الحياة فعليك أن تعبد الطريق لذلك ولا يكون إلا بثلاث أمور علم يُنتفع به أو ولد يدعو لك أو صدقة جارية

١١ / ١٠ / ١٤٤١ هـ
https://t.me/zaher000

المصادر:
١-(ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٣٥)
٢-ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٦١٩
٣-نهج السعادة – الشيخ المحمودي – ج ٨ – الصفحة ٢٣٦
٤- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢ – الصفحة ٣٠
٥- هداية العباد – السيد الگلپايگاني – ج ٢ – الصفحة ١٣٩
٦-الكافي – الشيخ الكليني – ج ٦ – الصفحة ٣
٧- الكافي – الشيخ الكليني – ج ٦ – الصفحة ٤

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى