أقلام

نحــن في ضيافة الله أيها الصائمون

زكريا أبو سرير

كثرت النصوص الدينية بشقيها من الآيات القرآنية والروايات الواردة في السنة النبوية المطهرة عن أهمية هذا الشهر الفضيل وخصوصيته، والذي يبتهج لقدومه العالم الإسلامي بمختلف طوائفه ومذاهبه الإسلامية، فترى في كل بلد إسلامي لون وشكل فلوكلوري يستقبل فيه شهر رمضان المبارك ويعبر أهله فيه عن فرحتهم وسعادتهم عند حلول الشهر الكريم عليهم. وقد يستغرب من ليس له خلفية معرفية ثقافية واضحة عن شهر رمضان المبارك حين يعلم أن شهر رمضان هو إمساك عن معظم ملذات الحياة فكيف للمسلمين في العالم كله أين ما وجدوا أن يبتهجوا فرحًا وسرورًا عن الامتناع من تناول الأكل والشرب والأمور الأخرى طوال اليوم تقريبًا، بل لا يتوقف تعجب السائل واستغرابه عند هذا الحد فحسب، بل عندما يتعمق في هذه الفريضة الإسلامية يكتشف بأن المطلوب من الصائمين في شهر رمضان تأديب أنفسهم من خلال ضبط الانفعالات النفسية والمزاجية الواردة من الإنسان المسلم في سائر شهور السنة شهر رمضان تكون الجوارح في مجملها صائمة عن أية رذيلة فكيف يكون ذلك؟؟

وهذا الأمر في الحقيقة يشكل صعوبة بالغة أن يقوم به الإنسان المسلم! لكن في شهر رمضان تتحقق هذه السمة الإنسانية بل المعجزة الأخلاقية لأن الهدف الرئيس من الشهر الكريم البلوغ إلى هذه المرتبة الأخلاقية والإنسانية العالية، وبرغم هذه الصعوبات المتشكلة عند المتسائل يضيف كذلك المتسائل كيف للمسلمين أن يحتفلوا ويباركوا لبعضهم بعضًا عندما يحل شهر رمضان المبارك عليهم وهم يعلمون أنهم سوف يصبحون في حالة صوم وإمساك كامل لمدة قد تفوق في بعض البلدان أكثر من ست عشرة ساعة عن أهم متع الحياة من تناول أجمل وألذ ملذات الطعام وبعض متع الحياة المباحة والمذكورة في الكتب الفقهية للمسلمين، فضلًا عن صوم الجوارح الغيبة والنميمة والكلام الجارح، لأن شهر رمضان يضفي على الصائمين روحًا من التسامح والعفو والصفح والمحبة والتآخي والتراحم والتعاضد.

ومن المستغرب أن بعض المسلمين دون المستوى الثقافي الديني والعبادي المطلوب منهم، فتجدهم في شهر رمضان قد تحولت أرواحهم إلى أرواح ملائكية في أخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين بغض عن النظر عن كون التعامل مع المسلمين أو غير المسلمين، بل حتى في التعامل مع الكائنات الأخرى تكون الأخلاق هي السمة البارزة وفي أسمى حيويتها، وهذا ما يعكسه شهر رمضان المبارك من تأثير واضح على سلوك المسلمين فكرًا وسلوكًا، ومن هذا المنطلق وغيره تنطلق الأفراح والابتهاجات بقدوم الشهر الكريم على الأمة الإسلامية وغير الإسلامية كذلك، لأن الآخرين يلمسون هذا التغير الإيجابي الذي يطرأ على المسلمين، وقد يفوق بكثير ما يشاهدونه من أتباع الديانات الأخرى، وهنا تكمن عظمة شهر رمضان المبارك وسره.

ولكن ما يؤسف عليه أن نجد بعض المشاهد المخزية من بعض المسلمين عند حلول الشهر الكريم، وبالخصوص في نهار الشهر الكريم، ولا يبعتد في أوقات الافطار من مشاكسات وما شابه كالشجار ورمي الآخر بأقذع الألفاظ وأسوئها، وقد يمتد الأمر إلى العراك بالأيدي والاعتداء الجسدي، وإلى الإدماء وجميعهم صائمون، ومن المفترض أن يكون الصائم في حالة من الاسترخاء الفكري، والنفسي، والجسدي والروحي، وهم بذلك يقدمون أنموذجًا سيئا؛ لأنهم عكسوا مضامين ومفاهيم الشهر الكريم التي تتمثل فيها روح الإنسانية الشاملة من التسامح، والصفح، والعفو، والكرم والرحمة، والتنازل بالقدر الممكن عن غالبية الحقوق لأجل تحقيق المكاسب العالية التي وعدها الله لعباده في هذا الشهر الكريم من الأجر والثواب وقضاء الحوائج في الدنيا والأخرى، لهذا ينبغي للصائمين أن يحافظوا على أحسن وأفضل وأجمل صورة مع أنفسهم ومع ربهم ومع الناس عامة.

وقد يقدم بعض الصائمين السلبيين بعض المبررات لمثل هذه الأحداث السيئة سواء ما يحدث في المنازل أو في الأماكن العامة هو التوقف عن إحدى العادات اليومية، مثل التوقف عن التدخين، أو عدم تناول كوب القهوة الصباحي، أو بسبب ازدحام الطرق، أو بسبب الجوع أو غير ذلك من الأسباب التافهة التي تفقدهم السيطرة والقدرة على ضبط تفكيرهم وأعصابهم وسلوكهم، وبدورها تخلف نتائج سلبية فضيعة على الصعيد النفسي، والأسري والاجتماعي.

السؤال المهم الذي أريد طرحه على هؤلاء خاسري القيمة الرمضانية، ماذا حققتم من أهداف قيمية في الشهر الكريم على المستوى الديني، والثقافي، والروحي والأخلاقي، وعلى الصعيد السلوكي؟ وماذا أحدثتم من تغيير إيجابي خلال الشهر الكريم من نبذ الخلافات، والصراعات، والسجالات والمهاترات غير المجدية والنافعة، بل الضارة، على الصعيد الشخصي والديني والاجتماعي؟ أم أنكم كنتم بعيدين كل البعد عن الثقافة الرمضانية والنعمة الرمضانية وعن محتواها الحقيقي، وذهبتم وراء الشكليات والمظاهر الرمضانية وحرمتم أنفسكم من لب الشهر الكريم وتمسكتم بالقشور فكنتم بذلك من المحرومين!!!!!

كما ورد في خطبة النبي الأكرم (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك: (فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اَللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى