أقلام

بين استحصال لقب وظيفي وخيار العزوبية

أمير الصالح

تحت عنوان الهرولة الدائمة لبلوغ مرام الطموح الوظيفي العالي في المرتبة الوظيفية ، انهار و مازال ينهار و يُصرع عدد كبير من الرجال و الفتيات . و يدخل البعض منهم في دوامة تسويف و تأجيل عدة امور حياتية أساسية و منها الزواج و ممارسة الرياضة و الاهتمام بتوازن الضغوط الحياتية. و البعض الآخر دخل/ دخلن أو يدخل / يدخلن في سباق إشباع الرغبات الذاتية مع شلل العمل و حرق كروت افراد أسرته تحت مسمى استعادة حريته الشخصية كما يظن هو/ هي.

ما اكثر القصص التي طرقت و مازالت تطرق مسامعنا عن إصرار فتاة او فتى تأجيل مشروع الزواج الى ما بعد مراحل التحصيل العلمي العالي او الحصول على مركز وظيفي معين . و في ذات الوقت ، ما اكثر قصص الانفصال و الطلاق ذات النسب العالية و التي تحدث نتيجة تفضيل الرجل / المرأة لوظيفته / ها على حساب أسرته / ها و التضحية بكل ذلك سعيا خلف حلم ارتقاء المناصب العليا او تحت غطاء التحلل من اي التزامات و مسؤليات مقيدة له/ لها .

يُقدر عدد الرجال الذين / و الفتيات اللاتي اختاروا / اخترن طواعية حياة العزوبية بسبب التعلق الوظيفي ما يعادل ٣٠٪؜ .ممن هم في سوق العمل الامريكي كما ذكرت بعض التقارير الاحصائية . و هذا امر يدعو للتبصر و استنطاق العبر .

مع تحولي الى مرحلة التقاعد، عقدت عدة قراءات تأملية في حياة بعض الموظفين في عدة شركات اجنبية و محلية ممن كان يُطلق عليهم مسمى workaholic – مدمني عمل . و قد استنتجت عدة نتائج بعضها قد يكون صادم لكون الصفة لا تتفق مع الموصوف . و أنتخبت ان اعرض عن التصريح بتلكم الاشياء الصادمة و اكتفي بايراد ما يتناسب و المقام الذي اقدم فيه هذه المقالة.

نعلم جميعا بان الأنسان يحتاج بيولوجيا لأشباع غرائزه الاساسية مثل الأكل و الشراب و النوم . و في سن معين يتم ادراج الإشباع الجنسي ضمن الاحتياج البيولوجي الاساسي لكل من الذكر و الانثى . ما يصدمك حقا هو عزوف من لديه / ها كامل المؤهلات المادية و المعنوية و الاجتماعية في اشباع احتياجاته/ها الغرائزية الجنسية بالحلال و طبقا للأعراف الدينية و الاجتماعية و القانونية المقبولة ، الا أنه / أنها يصر / تصر على عزوفه / ها بحجة السعي الى النمو الوظيفي المستمر تارة و بحجة عدم ثراء الطرف المقابل تارة اخرى أو ادعاء في الاستمرار في تكوين النفس.

نحن لا نتكلم هنا عمن قلت حيلته و جف جيبه و عطل عمله و لم يتدفق المال في حسابه . و انما نتكلم عن ذاك الرجل و تلك الفتاة الذين تفننوا في التملص من عروض الزواج الحلال الشرعي . ففي ظل ما نراه اليوم من سعار اعلامي في العالم الافتراضي لتسويق الشذوذ الجنسي و التنفير من الزواج الطبيعي و الدعوة الى الانحراف علانية و الاغواء المتعمد عبر وسائل مواقع و منصات التعارف الاجتماعي و التي تهدف فيما تهدف لاصطياد اكبر قدر من الضحايا الشباب و على رأسهم من يمتلكون المال و الوقت و الطاقة . و لعل هذا الامر مدعاة لان يراجع كل أنسان و كل مجتمع أهدافه و قيمه الاساسية قبل فوات الاوان و وقوعه في فخ الشياطين .

من وجهة نظري ، لكم يعجز الانسان الموضوعي عن الثناء على نبي الرحمة و الذي اوجز في الارشاد و بالغ في النصح لاستنقاذ جميع العباد على امتداد الزمان ، فقال فيما قال صلى الله عليه و آله و سلم :

( الزواج سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .

من ضمن ما يستفاد به من معان هذا الحديث هو التشجيع على الزواج و تحصين النفس من فيروسات و بكتيريا جائحة الشذوذ الجامحة في الاعلام المرئي و المسموع لا سيما لشباب و فتيات هذا الزمان السايبيري .

ان ما استرعى انتباهي و دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو ما طرق مسامعي حديثا من اصطناع بعض الفتيات و الفتيان لجملة من الاعذار الواهية للعزوف عن مشروع الزواج . و الأدهى و الامر ان يتغافل الكثير عن تعاليم نبي الرحمة و منقذ البشرية في قوله : ( ان لم تفعلوا يكن فساد كبير ) . انا لست شيخ و لست بطالب علم و ان كان ذلك شرفا لا ادعيه و لكني ابن مجتمع احب كل الخير لابناء مجتمعي و الوفاء له.

ساهمس بكلمات في اذن بعض الفتيات و بعض الفتيان :
بُنيتي و ابني العزيزان …
ان كنتما في قمة الطاقة و ذروة التوفيق و سعة الحال و لايوجد ما يعيقكما من اكمال نصف دينكما، فبادر / فبادري لتحصين نفسك و اخلاقك ، فان طاعون و امراض الفساد الاخلاقي اخذ يتمدد و يمزق مجتمعات متعددة. فلا تكن احد الضحايا له . كما اهمس في اذن بعض النساء المتزوجات لا سيما العاملات في بعض الشركات ان لا يجعلن نداءات التمرد و اغراءات الوسواس و اللاعيب الغاوين صدى في اذنك لهجر بيت الزوجية . ففي كل زمان هناك دعوات براقة يطلقها محترفي الرذيلة فتسلب تلكم الدعوات ممن يستجيب لهم حياتهن الاسرية و تشرد اطفال بيوت قائمة . نحن جميعا بحاجة للمساهمة في ابراز نمادج ناجحة لتكوين أسر متكاملة . فلعل مناجاة الشاكين تكشف الكثير الكثير عما يختلج قلوب طاهرة راجعت نفسها …( الهي اشكو اليك نفسا بالسوء امارة و الى الخطيئة مبادرة ….ميالة للعب و اللهو…الهي اشكو لك عدو يُظلني و شيطان يغويني قد ملأ بالوسواس قلبي … يعاضده لي الهوى و يزين لي الدنيا و يحول بيني و بين الطاعة و الزلفى … الهي اليك اشكو قلب قاسيا مع الوسواس متقلبا …) .

هناك دروس جمة و عبر كثيرة و قصص اكثر من ذلك تروى ما آلت اليه احوال فتيان و فتيات بعد ان غيب البعض عقولهم و اكتفوا بنظرتهم القاصرة في الحياة . في المقابل نجح البعض من الفتيان و الفتيات في الحياة من خلال ذكاءهم العاطفي EQ بالمواءمة بين قناعاته و خلق حالات الرضا في داخل نفسه و كبح جماح احلامه المثالية و حسن قراءته لما له و عليه. و من اختار / اختارت العنوسة على الزواج فهو قراره / ها و قد يكون أوقع ظلم كبير على نفسه/ ها قد لا يستوعبه / تستوعبه الا بعد فوات الاوان و حدوث الشيخوخة . و من اختار شكر النعم و سعى لإنصاف نفسه / ها بالزواج الكفوء فقد انضم لأتباع ارشادات نبي الرحمة و رحم بذلك نفسه / ها و زكاها و نجاها و حصنها .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى