كيف يعاد بناء الأمم بالمعرفة

أمير بوخمسين
عبر التاريخ، لم تنهض أمة من الركام إلا وكان للمعرفة الدور الحاسم في إعادة بنائها. فالقوة العسكرية قد تحمي الحدود، ولكن المعرفة وحدها تبني الحضارات. وحين تتعرض الأمم للأزمات، تصبح عودتها للحياة مرهونة بقدرتها على استثمار العقول قبل الموارد.
بناء الأمم بالمعرفة يتطلب اتخاذ خطوات استراتيجية ومتنوعة تتضمن التالي:
١- تحسين نظام التعليم من خلال تحديث المناهج وتوفير التدريب للمعلمين، وتعزيز التعليم الفني والمهني لتلبية احتياجات سوق العمل. إن إصلاح التعليم هو المفتاح الذهبي لنهضة طويلة المدى. ليس التعليم بوصفه حفظًا للمعلومات، بل كمنهج لصناعة العقول القادرة على التحليل والابتكار وحل المشكلات. تجارب النهضة في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية مثال حيّ على أن التعليم الجيد هو أعظم استثمار للأمم الخارجة من الأزمات.
٢- تشجيع البحث والابتكار وذلك عبر تحرير الفكر من القيود التي تكبله، فالشعوب التي تُمنع من السؤال وتُخيفها الإجابات لا يمكن أن تتقدم. لا بد من بيئة تحترم حرية البحث، وتشجع على النقد البنّاء، وتفتح المجال أمام الإبداع في العلوم والفنون، ودعم الجامعات ومراكز البحث من خلال التمويل والشراكات مع القطاع الخاص، وتوفير بيئة تشجع على الابتكار من خلال حاضنات الأعمال والمختبرات.
٣- تعزيز الوصول إلى التكنولوجيا.. توفير البنية التحتية الرقمية مثل الإنترنت عالي السرعة. وتشجيع استخدام التكنولوجيا في التعليم والحياة اليومية.
٤- تنمية المهارات.. تنظيم دورات تدريبية وورش عمل لتطوير المهارات الشخصية والمهنية. وتعزيز التفكير النقدي وحل المشكلات.
٥- تشجيع التعاون الدولي.. بناء شراكات مع دول أخرى لنقل المعرفة والخبرات، والمشاركة في البرامج العالمية لتبادل المعرفة.
٦- ربط المعرفة بالاقتصاد والإنتاج، فالعلم إن بقي حبيس القاعات والمؤتمرات لن يغير الواقع. لا بد أن يتحول البحث العلمي إلى مشاريع عملية، وصناعات وطنية، وتقنيات تخدم المجتمع وتنافس في الأسواق.
وأخيرًا، القيم والهوية هي الحاضنة التي تحمي المعرفة من أن تتحول إلى أداة للدمار. فالمعرفة التي لا تضبطها منظومة أخلاقية قد تصنع السلاح قبل الدواء. لذلك، فإن النهضة الحقيقية تمزج بين العلم والقيم، وبين العقل والضمير.
ان التحديات التي تواجه بناء الأمم، غالباً ما تكون متشابهة وتشمل:
١- نقص التمويل.. قلة الموارد المالية المخصصة للتعليم والبحث.
٢- البنية التحتية الضعيفة.. عدم توفر البنية التحتية اللازمة للتكنولوجيا.
٣- الفقر وعدم المساواة.. الفجوات الاقتصادية التي تؤثر على الوصول إلى التعليم الجيد.
٤- الفساد وسوء الإدارة.. تأثير الفساد على توزيع الموارد والتمويلات.
٥- التغيرات السياسية.. عدم الاستقرار السياسي يمكن أن يؤثر على الاستراتيجيات العامة.
إن إعادة بناء الأمم ليست حلمًا بعيدًا، بل مشروعًا يبدأ من كل فرد. من معلم يزرع حب المعرفة في طلابه، وباحث يحول أفكاره إلى حلول، وصانع قرار يرى في العقول أعظم ثروة وطنية. فحين تدرك الأمة أن موردها الأهم ليس النفط أو الذهب، بل عقول أبنائها، تكون قد وضعت قدمها على أول طريق النهضة.
إن المعرفة هي الأساس الذي تقوم عليه الأمم القوية والمزدهرة. فدول مثل.. فنلندا: تعتبر من أفضل أنظمة التعليم في العالم، مع التركيز على جودة التعليم والمعلمين. سنغافورة: تبرز في الابتكار والبحث العلمي، مع استثمار كبير في التكنولوجيا. كوريا الجنوبية: تُظهر نجاحًا في التعليم العالي والتكنولوجيا، مما ساهم في نموها الاقتصادي.
من خلال الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وتشجيع الابتكار والإبداع، وتعزيز القيم الإيجابية، يمكن للمجتمعات أن تستعيد قوتها وتتقدم نحو مستقبل أفضل.