أقلام

عندما ألقى عدنان المناوس حصالته

ياسر آل غريب

يعد الوعي بالذات أحد الروافد المهمة في التجربة الشعرية، فمعرفة الشاعر لعالمه الداخلي وإمكاناته تساهم في صناعة النماذج الإنسانية، وتدفعه إلى خلق حراك مستمر. إلى أين يوجه الشاعر بوصلته؟ وكيف تتشكل رؤيته في الحياة؟ ومتى عليه أن يتسرب كعزف منفرد؟
كل هذه الأسئلة تشغل الشاعر الذي يسعى إلى البحث عن كينونة مستقلة.

هاجس الانزياح والعبور إلى الضفة الأخرى من المعنى هو ما شغل الشاعر عدنان المناوس كثيرًا حتى اشتغل عليه في ديوانه (موتى يحرثون جسدي) كمشروع شعري خاص تندرج مفرداته في حقل الذات. وكأن هذا الديوان الصغير خلاصة ماساوره من وساوس وهواجس. وقد أتى بعد ما أمضى كثيرًا من التمارين الشعرية في بواكيره.

هذا الشاعر الثلاثيني الذي تربى في قرية من قرى الأحساء يرنو إلى مرآة ذاته ليكتشف هويته المزدوجة، فهو يؤمن بالحداثة والتحرر من الإغلال، وفي الوقت نفسه يظل وفيًا لنشأته الأولى بما يكتنز من التسليم والطاعة – كما عبر في مقدمته، ونجد هذا الحس يتسرب في ثنايا العمل مثل قوله:
بين (كن) أو (لا تكن) هذا أنا
احتمالٌ تائهٌ ما بين بينْ
وفي قصيدة الأسلاف تتضخ رغبته في التجاوز والتخفف من أعباء الموروث بما تصنعه أحلامه واحتمالاته:
ربما أنجب نفسي
من جديد دون أبْ
ربما ألقي بروحي في المهبْ

ما الذي يجعل عدنان المناوس خارجا عن سكة الإيقاع – كما يعبر عن نفسه -مغادرًا الدروب الضيقة؟ مجموعة من الأسباب تتضافر لتصنع منه شاعرًا متطلعًا، تبتدئ من نقطة الوعي بالذات، وأسئلة المرحلة التي تسيطر عليه، وما تفرزه العولمة من الإحساس باللحظة الكونية، إضافة إلى قراءة الآخر التي أمدته بالتنوع الثقافي الهائل.
هكذا تقوده القصيدة؛ للكشف والبحث، عبر رحلة العمر، لتتوهج لحظة عرفانية تتوحد فيها الذات والزمان والمكان:

ويعرج بي لسدرة منتهاي براقها الصاعد

هناك أكون حيث حقيقتي.. المشهود والشاهد.

هذا باختصار لما حدث للشاعر عدنان المناوس عندما ألقى حصالته الأولى، وما تناثر منها من الماضي وما أحدثته من رنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى