أقلام

حديث في أدب الطفل

رباب حسين النمر

الكلام في أدب الطفل عذب كعذوبة الأطفال.

وفي هذا الحديث نتناول علاقة الأدب الموجه للأطفال من خلال عدة محاور، أولها علاقة الأدب بالتربية، وثانيها الأدب واللغة، وثالثها الأدب والفنون البصرية.

المحور الأول: علاقة أدب الأطفال بالتربية:

الأدب بصفة عامة أي كلمة حلوة ساحرة مؤثرة قد تكون منغمة أحيانا أو متحرة من النغم أحيانًا أخر، وما هو إلا رسالة، هذه الرسالة تؤثر في أبعاد الإنسان الثقافية والأخلاقية والنفسية والوجدانية والتربوية والدينية والاجتماعية، وحينما يقرأ الأنسان الأدب فإنه يمنحه فنون التعامل مع الحياة بكل مكتسباتها من تأثر عقلي وثقافي وغنى في القاموس اللغوي والشخصي وفي بنك المفردات والألفاظ والعبارات ولذلك لا يختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار في هذا الصدد إلا في نقطة معينة وهي أن أدب الكبار يخاطب البالغين، وأدب الأطفال يخاطب فئة معينة تتميز بمستوى فكري معين، ولذلك فإن الأديب الذي يريد أن يتبحر ويتمكن من أدب الطفل لا بد أن يضع في حسبانه الخصائص النمائية للطفل بكل أشكالها من عقلية ونفسية وبدنية، وليساهم في تنمية مداركه ومواهبه الفكرية عليه أن يصعد لمستوى فهم الأطفال حتى يستطيع أن يخاطبهم خطابًا مؤثرًا، ويكتسب مهارات تؤهله للولوج إلى عالم الأطفال.

وللأدب دور ريادي في عقول الأطفال وفي وجدانهم ويتدخل في تكوين شخصية سليمة وخيّرة، والطفل يستمتع حين يتلقى الأدب ولذا نستطيع أن نزرع القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية والسلوكية والمعرفية والثقافية وكل قيم الحياة في الطفل من خلال إمتاعه حيث يكون مسترخيًا ومستجيبًا ومستمعًا واضعًا رأسه على فخذ والدته وينتظر أن تحكي له، ويكون في حالة استعداد للتلقي وهو مرتاح. يقول الدكتور عبد الرؤوف أبو السعد:( لأدب الأطفال وظيفتان: تعليمية وذوقية) ولكن أختلف معه قليلًا وأقول أن أدب الطفل كُتب للإمتاع والترفيه الفكري قبل أن يُكتب للتربية. إن هذا الطفل الذي يتحرك طوال اليوم ويلعب ويتلقى أوامر والدته ونواهيها وقد يعيش جوًا من الشد والحزم ، نريده أن يسترخي وأن نوجد علاقة طيبة بين المربي والطفل، وأن يتبادلًا معًا الصفاء الذهني. والأديب يستغل هذه الفترة الهادئة الهانئة حتى نعطيه مصلًا تربويًا صغيرًا دون أن يتألم، بل يتلقاه وهو سعيد، تمامًا كطبيب الأسنان الذي يقدم للطفل أوكسجين الضحك فيحشو سنه ويعالجه دون ألم.

والفكرة ذاتها تراد من الأدب، بحيث يتلقاه الطفل وهو مسترخٍ ومستمتع ومرتاح وسعيد.

وكلنا نتذكر الليالي الشتائية السعيدة التي كنا نتحلق فيها حول المدفأة مع الجدة ونقشر فيها حبات الكستناء المشوية، وتقشر فيها الجدة الحنونة برد الليل وظلامه بسحر حكاياتها الجذابة، فتبحر بنا مع السندباد في عباب البحر، وتقف بنا مرة على الشاطئ فتنط سميميك من البحر وننطلق معها، وأحيانًا تختبر تحت جلد الماعز الذي يغطي فطيطيم النجار، أو تغني بصوتها الملائكي: يا عبد أبونا منصور شوف القمر كيف يدور طوس فرنطوس مكية.

وكل تلك الحكايات كانت تخبئ بين طياتها صدفة تربوية جميلة يفتحها الأطفال بشكل غير مباشر.

ومن عادة الطفل أن يتقمص شخصيات القصة ولا سيما شخصية البطل ويرى نفسه داخل الشخصية يتصرف تصرفاتها وهي تتكلم بلسانه، دون شعور منه فتصعد نفسه تارة وتهبط تارة مع التراجيديا وصعود الأحداث فيلتقط العبرة والموعظة بطريق غير مباشر. ومن طبع الإنسان النفور من التعليق والوعظ المباشر ومن الأوامر والنواهي المباشرة وتأنف منها نفسه، ولكن لما يقدم له في قالب أدبي وقصصي فهو يتقبله، وقد دعا القرآن الأنبياء باتخاذ الأدب أسلوبًا من أساليب الدعوة، (فاقصص القصص)، وفي ذلك إشارة لدور الأدب المؤثر.

ومن خصائص الأدب أنه يعيد التوازن النفسي والانفعاليوالشعوري للطفل، فلكل إنسان هواجس ويمر بضغوطات ومشاكل، ويعد الأدب متنفسًا جيدًا يفرغ الطفل من خلاله همومه ويستمع إلى قصص الآخرين، وتعلمه القصة كيف يتصرف تصرفًا سليمًا في مختلف المواقف.

كانت القصة قديمًا تجعل من البطل مثاليًا ومطيعًا ومؤدبُا وهادئًا ويتصرف تصرفات عقلائية، إن هذا الأنموذج يخنق الطفل فهو لا يستطيع أن يحتذيه ولا يعطيه فرصة للتمتع بكافة متغيرات الحياة. الطفل يريد في القصة فعل متحرك طبيعي يحب أشياء ويكره أشياء يلقي بأشيائه على الأرض ويتشاجر مع إخوته ورفاقه ثم تقدم له في نهاية القصة التصرف السليم بعد أن فرغ طاقته، وهذا يعيد لنفسه التوازن الانفعالي.

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى