أقلام

بكاء (رونالدو) بين سيرة التطهير للدموع وفلسفة ألم البكاء 

هاني الحجي

_تمثلاته عند (جمهور الهلال ) فلسفة للألم و(جمهور النصر) انزياح عاطفي

أثارت صور اللاعب العالمي كريستانيو روناالدو وهو يبكي بعد هزيمة نادي النصر أمام الهلال بضربات الترجيح ردود أفعال واسعة ليس في الحقل الرياضي، ولكن اتسع ليشمل الحقل الأدبي والثقافي والفسيلوجي، حيث تناول الكتاب والأدباء فلسفة الدموع وأبعادها النفسية والفسيلوجية وتاريخها وسياقاتها وفي هذا المقال سنطل على سيرة الدموع وفلسفة ألم البكاء.

ينتمي “تاريخ البكاء” إلى نوع من الكتب النفسية الشعبية التي ظهرت في السبعينات، في أعقاب ما يسمى البنيوية، وما بعد البنيوية للمنظر الفرنسي ميشيل فوكو. أخذ فوكو مفهومًا واحدًا هو الجنون والسجون، وتتبعه عبر التاريخ. وسرعان ما انتقلت هذه الطريقة إلى اللاحقين المتأثرين به من علماء الاجتماع الجدد، وكان أول كتاب أميركي كبير يمكن التفكير فيه على منوال فوكو هو “ثقافة النرجسية” للكاتب كريستوفر لاش.

وفي تفحص سريع لمدونات الأساطير اليونانية يجد الكاتب (لوتز) أنه غالبًا ما أعقب الحزن والدموع نوع من التعويض عن الحزن على ما أورده (يوريبيديس)، إذ يقول “ما أجمل الدموع، ما أحلى المراثي، أود أن أغني المراثي بدل أن آكل أو أشرب”

وقد لاقاه في ذلك القديس توما الأكويني، من القرن الـثالث عشر، إذ رأى في الدموع تخفيفًا لمعاناة الباكي ونوعًا من المتعة، بل والتطهر (كاتارسيس) الذي افترضه أرسطو أحد أهم مفاعيل الأداء المسرحي الدرامي، وقد ظهرت نظرية الدموع التطهرية، منذ ما قبل أرسطو، ما يشير إلى أننا نشعر بالتحسن، بسبب الشعور بالتنفيس، الذي تمنحه لنا الدموع، وكما يرى الكاتب الأمريكي تويلز قد يكون الأصوب ألا نقول: «إن الدموع تحرر عواطفنا»؛ بل إنها تعيد توجيه هذه العواطف؛ إذ يمكن للبكاء أن يزيل الألم النفسي الذي نشعر به ببساطة عن طريق تحويل انتباهنا عنه وهو ما أكد عليه صمويل بيكيت حينما قال : «كلماتي هي دموعي» فهو يصف الدموع كنوع من اللغة، وأساسية، في معظم الأحيان، وطريقة من طرق التواصل، فيمكن للغة البكاء أن تحقق العديد من الغايات المختلفة؛ حيث لا تعبر الدموع عن محنة الباكي فحسب؛ بل عن مطالبه أيضًا، لا عن رغبته في أن يفهم فقط؛ بل رغبته في تجنب انكشاف أمره.،وهنا يتساءل رولان بارت: «من سيكتب تاريخ الدموع»؟ تلك الدموع التي تختزنُ رغبة جارفة في إعادة الزمن إلى الوراء لافتداء خسارته بطريقة سحرية.

مع الأهمية الفسيلوجية للدموع إلا إنه لا توجد حتى الآن حقول أكاديمية مُكرسة لدراسة «الدموع»، ولذا فالناس لا تستنبط فهمها للدموع من العلوم الطبية والنفسية، ولكن من عددٍ لا يُحصى من التمثلات الشعرية والقصصية والدرامية والسينمائية التي تعرض بصورة لافتة الميل البشري إلى البكاء، فهنالك عشرات الكتب عن الضحك ولكن الكتب عن البكاء قليلة،.

يذكر لوتز أن “الدموع تعيد توجيه هذه العواطف من خلال تشجيعنا على تحويل انتباهنا من أفكارنا إلى أجسادنا، إذ يمكن للبكاء أن يزيل الألم النفسي الذي يشعر به الباكي ببساطة من طريق تحويل انتباه المتلقي للدموع عنه، ويمكن أن تكون الدموع خلاصًا وتحررًا حتى عندما تعبر عن محنة الباكي ، كما يمكن أن يجعله البكاء يشعر بالتحسن لأنه في حد ذاته متعة جسدية، فعديد من الثقافات من بابل القديمة إلى اليابان في القرن الرابع عشر إلى أوروبا في القرن الثامن عشر عرفت هذا الأمر على نحو جيد”.

نعود لبكاء رونالدو بعد هزيمة ناديه حيث ظهر اختلاف تمثلاته عند جمهور الهلال الفائز والنصر المهزوم بين فلسفة الألم وانزياح الذات الرياضية حول التمحور الجماهير لكسب العاطفة والاعتذار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى