هل زالت غربة الغريب؟
الشيخ عبدالجليل البن سعد
ربما يذهب بنا القول إلى أن هذه الصفة كانت قد أطلقت على الحسين (ع) في ظروف مطابقة، وأما اليوم فهي على النقيض تماما لما اكتسبه الحسين من تصدر إعلامي واهتمام شعبي متزايد، ومراسيم جعلت من الحسين المظلوم (ع) هو الأكثر ترديدا على الاطلاق.
ولكن قد يتحول التقدير إلى رأي آخر بعد أن يعود بنا إلى بعض الحالات المشابهة والتي سنرى أنها وقضية الحسين (ع) أمثال لحكم واحد.
الدين
انه قد انتشر في الأرض وغزا كل القوميات وعبر الحدود، وبالرغم من هذا لم تتغير علاقته بالحديث الذي أخبرنا عن ملاصقة صفة الغربة له إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يقول ص :””بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً “”.
العرفان
فهذا النمط المعرفي الثقافي قد تعدى الجماعات الخاصة والمنطوية على نفسها فأصبح اليوم مفتوحاً يتصدر الخطب ويتكئ على رفوف المكتبات الشخصية بعد أن كان لا يفلت من أيدي وأحضان أهله، ولا يقرأ سوى في مكتبات العواصم العلمية المغلقة.
إلا أن هذا الاتساع والانتشار لم يستطع أن ينسخ قوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}، ولا قوله:{وقليل من عبادي الشكور}.
إن هذه المواقف يحدث معها حيرة قصيرة سرعان ما تتبدل إلى فكرة مفهومة ومعقولة تعبر عن نفسها قائلة: إن شدة الطلب للدين أو للعرفان او للحسين ع مما يجب أن يطمئن من طبيعته.
هل هو في الدين من الطلب للروح أو الصورة؟
وهل هو في العرفان من الملامسة للعمق او السطح؟
وهل هو في الحسين من الوعي بالقصة أم بابطالها؟
فان الذين نقبوا عما تحت الارض واستخرجوا كنوزها المادية وذخائرها الجيولوجية هم أبناء الزمان الاخير، وأما أبناء القرون وألوف السنين المدبرة فكل الذي وعوه هو سطح الأرض فقط لذا تحملوا حرارتها وبرودتها وجشوبتها دون أن يستفيدوا من مكونات الطاقة تحتها!
وهكذا الحسين ع لن يدركه ولن يستوعبه إلا أصحاب يــ(لثارات الحسين) الذين سيمشون تحت رايات حفيده المهدي الموعود ع ، أما في هذه الأزمنة وما سبقنا فإن السعي نحو الحسين ع ليس مستحيلا قياسيا ببعض الأفراد
، وأما الجماعات فهي وبالرغم من تفاوتها في القرب منه ع إلا أن المعطيات تؤكد على عدم استطاعتها رفع سمة الغربة عنه!!
وكفانا ونحن نمشي نحوه متقربين به واليه أن ننذر انفسنا بمشهد واحد من مشاهد كربلاء التاريخية.
فانا وانت حينما نستعرض موقف الانصار ونستذكر لجماعات التي خرجت معه ثم الذين تخلّوا عنه وعادوا أدراجهم علينا ان نتوقف مع انفسنا قليلا قبل الاسترسال في لعن هذه الزمرة والبراءة منها.
فهل نحن عندما نرسل أرواحنا خلف روح الحسين ع هذه الأيام حتى كأننا ننزل معه منزلا منزلا من المنازل التي تجلى فيها عطف انسانيته، و صفاء روحانيته هل ستبقى أرواحنا ملازمة لروحه إلى الأبد؟
أم أننا سنعود في اتجاه التراجع والتباعد؟
إن كثيرا من شيعة الحسين ع يمشون اليه أيام عاشوراء بل وفيهم من يعقد مجالس استقبال عاشوراء ثم وللأسف الأمض ينسلّون ويستديرون..
فالحسين ع لا يزال غريبا وإن ندبناه.. وحيدا وإن هتفنا لبيك يا حسين !!