أقلام

قراءة انطباعية لصلاح بن هندي في (ثمالة الغوص) الجزء الأخير

رباب حسين النمر

وقف ابن هندي عبر نصوص (ثمالة الغوص) عند حالات إنسانية سلط الضوء عليها في لحظات انكسارها وشعورها يتصاعد في قمة المعاناة، في ذلك المجتمع الذي لا تزال حياته بسيطة يلزم فيها الكدح وتجشم المشاق.

من الحالات التي تناولها ابن هندي وسلط عليها الضوء:

١. مواقف انكسار رجال البحر أو من له علاقة بالغوص من البشر في بعض المواقف ممن هم تحت إمرتهم في رحلات الغوص، مثل انكسار النوخذة في العاصفة عندما استغله أحد العاملين بالمركب فكلفه هذا الاستغلال بيع بيت من بيوته ودفع ألف روبية مع الاعتذار لمرؤوسه وتقبيل رأسه، وكسر شموخ النوخذة وهيبته.

٢. انكسار الزوجة عندما يخدعها زوجها ويوهمها بموته في رحلة الغوص ليتزوج بسواها، يقول في نص مركب بلا علم:”بعد مدة جاء إلى بيتهم أحد البحارة، وكان كبيرًا في السن وأخبر أم معتوق أن زوجها لم يمت، وأن النوخذة قد كذب عليها. لأن زوجها قد تزوج عليها فتاة أحبها من النيبار، وقد اتفق مع النوخذة على هذه الخدعة”.

٣. انكسار البحار حين يتقاعد ويتذكر حياة البحر ونشاطه فيها وأيام شبابه وبطولاته، حيث تقسو عليه الحياة بعد التقاعد وتسرق منه أجمل أيامه ، يقول ابن هندي في نص عاشق الشيخة:”ما أقسى الحياة حين تريك ماذا فعلت بمن هم أكبر منك سنًا، وكأنها تقول لك: وسوف أفعل بك مثلما فعلت بهم. بعد فترة رأيته قد اشترى حمارة يركبها لتذهب به إلى أصدقائه الذين لم يذهبوا إلى الغوص مثله، وإنما اكتفوا بالمكوث في الاحساء لحرث وزراعة نخيلها التي تسر الناظرين. ها هو اليوم يقضي الوقت في أكل تمر الرزيز وشرب القهوة على غناء الشيخة فقد صارت له عروس بر بعدما يئس من رؤية عروس البحر”.

٤. معاناة الحداي أو النهام (المنشد) حين يفقد قدرته على الإنشاد، تفقد حباله الصوتية مرونتها ومزيتها فتصمت وتنقطع أنفاسه التي كان البحر مداها والفضاء مرتعها، يقول ابن هندي في نص زاوية الذكريات: “تذكر صوته الجهوري الذي كان يطلقه في الأفق كسهم يسابق الريح.

كثيرًا ما صدح به تحت تلك الأشرعة بأغاني الخطفة من شعر المويلي، لكنه اليوم أخرس لا يستطيع أن يلفظ كلمة واحدة مفهومة، لايتحدث مع الناس إلا بالإشارة وهز الرأس، ما زال ينظر إليهم والدموع تترقرق بين جفنيه حزنًا وأسفًا على ماض جميل ذهب، وعلى حاضر قاس كقسوة بلد يخترق جلد البحر الرقيق، كان بالأمس يتوسط البحارة يعلي نهمته وتحتها سرب من الأكف تصفق وتملأ الجو ضجيجًا ممتعًا، واليوم يتوارى عنهم ليقبع في هذه الزاوية كلص يختبئ عن الأعين يخشى أن يفطن أحد لوجوده، ها هو يهز رأسه حسرة ويغمض عينيه وجعًا حين يتذكر ذلك اليوم الذي فقد فيه صوته”.

كانت هذه سياحة أدبية، ورحلة ماتعة غصنا خلالها حتى الثمالة، وحتى العمق على بعض مستويات النص المعنوية واللغوية والدلالية، فكان ثبج الأسطر كريمًا بزاد الرحلة، وكان ربان الكلمة ماهرًا في اصطياد لآلئ الحديث، يفلج محارات قصصة، فيجد داخل كل محارة لؤلؤة يقدمها للقارئ ليزداد شغفه بالتلقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى