أقلام

تنبيه النيام الحلقة الأولى

أمير الصالح

يتداول في السوشل ميديا منذ فترة عدة مقاطع فيديو تُركز على إطعام الفقراء ونبذ

بناء الجوامع وتارة أخرى في فيديو آخر يتم الدعوة لإطعام جائع وترك الصوم. وأتذكر أحد مقاطع الفيديو المتناقلة يردد القائل:

لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع

وخير من كسوة الكعبة وإلباسها البراقع

وخير ممن قام بالليل راكعًا،

وخير ممن دافع عن الإسلام بلسان حاد وقاطع، وخير ممن صام الدهر والحر دافع.

فالكلام منمق مبني على السجع، ولا يرتقي للنضج وبه مغالطات فكرية شنيعة ولا فائدة ترتجى منه سوى دغدغة مشاعر بعض الفقراء وشحنهم ضد شعائر الإسلام، والإيعاز لهم بأن سبب تعاستهم وجوعهم من وجهة نظر صاحب الفيديوهات والمقطع هو بناء الجوامع وكسوة الكعبة والإتيان بالصوم وقيام الليل والدفاع عن الإسلام!!

وهذا خبث ودهاء من أو سذاجة صرفة من قبل مُعد الفيديو وناشره والمروج له. كما يدغدغ محتوى الفيديو مشاعر أهل البطون ومحبي الطعام بشكل مفرط والتحفيز على الركوس في المزيد من الكسل والتسكع وقتل همة العمل ومحو الاعتماد على النفس والانتظار للصدقات.

أرى أن هذا الفيديو به كلام مسموم toxic talk مغطى بالعسل، والصور المرفقة بالفيديو هي صور لغسيل الدماغ وتغييب العقل ودغدغة العواطف ومحو الوعي. وشخصيًا لا أرى نفعًا لإعادة إرسال هكذا مقاطع فيديو أو الترويج لها. فالقران الكريم وسنة النبي الكريم وتوصيات آل محمد بحمد الله وحرمه تدعو للصدقة والزكاة وفي ذات الوقت تدعو أيضًا للعمل والحث عليه وتدعو للدفاع عن الفقير المظلوم ونصح الظالم الغني والاهتمام بعمارة المساجد، وتربية النفس من خلال صلاة الليل

والصوم، ومد يد العون للصادقين من أهل السؤال.

باختصار، فكريًا الدين الإسلامي وحسب فهمي المتواضع يدعو بوضع كل شي موضعه الصحيح دون الإخلال بالموازين “فلا إفراط ولا تفريط”. كلام المقطع المشار إليه أعلاه ضمنًا يحمل الناس على:

تعطيل بناء المساجد والجوامع، وترك العناية بالمسجد الحرام، وهجران صلاة الليل والإعراض عن الصوم، وعدم الدفاع عن بيضة الإسلام.

والانشغال فقط وفقط بإرسال سلال الطعام لجوعى العالم، والارتكاز على هذا العمل لتزكية النفس وتطهيرها ودخول الجنة!!

وكان الأولى بمن أخرج مقطع الفيديو أن يدعو إلى التوازن في تبني أعمال البر. وإن كان صادقًا في دعواه كان الأجدر به أن يتصدق بقيمة تكاليف إخراج الفيديو للفقراء بدل تغييب الوعي والتحيز لعمل خير ضد عمل خير آخر.

هل يستقيم هذا المعنى الوارد في مقطع الفيديو من تعطيل الفروض وتحصين الفروج والدفاع عن بيضة الإسلام مع روح الإسلام الذي بكل فخر يدعو الى امتلاك أدوات الانتاج الاقتصادية وتسخير الأرض لما ينفع العباد والبلاد ويشمل الرأفة بالفقراء وإحياء الأرض. مؤسف أن يكون بعض أو أحد ممن لديه فكر ناقد ونابض ومحب للأدب والآداب أو ممن نظن بهم خيرًا يقع ضحية لترويج مغرض من أمثال تلكم المقاطع المشوه.

لقد استنكرت سابقًا على من تهكم على زوار الإمام الحسين في بذل الطعام وتكبد تكاليف الزيارة بدعوى أن ذلك هدر وأن إطعام الفقراء أولى. وقد استنكرت على من يلتصق بالمسجد ويوصف اجتماعيًا انه متدين ويهمل في ذات الوقت أسرته. واستنكرت على من يداوم على حضور مجالس الإرشاد من أول الصباح حتى آخر الليل ويهمل واجباته الأسرية والعائلية.

واستنكرنا على من تهكم على حجاج بيت الله الحرام بعدم إنتاجهم أو تطويرهم لجوال أو حاسوب !! والآن نستنكر محتوى هكذا مقاطع فيديو، تحمل شعار وتضمر محتوى خبيث، لعدم وجود أي توازن عقلي رصين وإنما تحريض مبطن ضد أهل الإيمان وتفتقر تلك المقاطع لأدنى ملامسة لأسباب الفقر وتجافي الموضوعية العلمية. وأهيب بمن يشارك بالمقاطع الفيديو في المستقبل ولا سيما بالمقاطع التي تتكلم بالدين والوعي، وقبل إعادة إرسالها بأن يرتفع ويسمو بمن حوله نحو إسلام واعٍ ومتوازن ورصين من خلال تمحيص ما يرسله قبل الارسال وبحسن الاختيار لكي نكون وإياكم رافد ثقافي جميل وشجرة وافرة لمن يستظلون بشجرتنا.

ملحوظة:

المجتمع الناجح يتدارس بذكاء ونضج طرق صرف الموارد المالية والإمكانات المتاحة لسد النقص ومعالجته ويعيد التقييم بين الفينة والأخرى لتدارس أية متغيرات للمعالجة السريعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى