بشائر المجتمع

الشيخ البن سعد يؤكد في حوارية خاصة على خطورة المرحلة فكريا

مهدي المبروك: الأحساء 

عظم الله أجورنا وأجوركم في الذكرى المؤلمة من ذكريات العترة الطاهرة حيث شهادة الإمام زين العباد علي بن الحسين عليه السلام. وكذلك ما اقترنت به من خبر مفاجئ وصادم للحوزات العلمية والتشيع بصفة عامة، حيث فقدنا ركنا من أركان التشيع في هذا العصر. بهذه التعزية استهل الخطيب الحسيني واستاذ الحوزة العلمية بالأحساء الشيخ عبد الجليل البن سعد حديثه خلال الجلسة الحوارية التي عقدها الناشط الاجتماعي سلمان الحجي صبيحة السبت الماضي في مجلسه بحضور مجموعة من المؤمنين.

وطُرح خلال الجلسة مجموعة من الأسئلة حول المعارف الدينية المتعددة. واستهل الشيخ بالإجابة عن دور الإمام السجاد عليه السلام قائلا: “عقيدتنا في المنصب الإلهي أنه لا يمكن أن يكون عَطِل الدور مهما كانت قسوة الظروف” و”سمة أهل البيت عليهم السلام هي الالتفاف على التحديات”. واستشهد على دعواه هذه بالإمام الكاظم عليه السلام الذي رغم أنه قضى أربعة عشر عاما من عمره الشريف في السجن إلا أن أحد العلماء عندما أحصى رواياته -عليه السلام- جمعها في ستة مجلدات ووجدها شاملة مستوعبة لكل شؤون الحياة. ثم استشهد بالإمام الصادق عليه السلام، فرغم تضييق السلطات آنذاك عليه، ووجود اثني عشر فقيها في المدينة ينافسونه، إلا أنه هو الوحيد الذي استطاع أن يربي أربعة آلاف فقيها !

وذكر البن سعد دورين مهمين من وجهة نظره، قام بهما الإمام السجاد عليه السلام خلال إمامته للأمة. الأول، مرجعيته عليه السلام للفقهاء في عصره فقد كانوا يرجعون إليه إذا اختفوا ليحكم بينهم. والثاني، تجنيده عليه السلام للأخلاق التي أثارت وألفتت نظر الجميع حتى أصبحت أسلوب الدعوة القوي. وختم الإجابة باستحضار كلمة للشيخ محمد تقي بهجت -رحمه الله- مفادها أن “الشيعة في يوم من الأيام كانوا أربعة، ولكنهم اليوم ينوفون على ٤ ملايين. فمالذي صير الأربعة، أربعة ملايين؟” والجواب: “هي التقية. وهذا يؤكد أن التقية ليست انهزامية وليست استسلامية، إنما هي وسيلة وأسلوب للالتفاف على التحديات وللالتفاف على الظروف”.

ثم أردف البن سعد بالحديث حول مسيرة المرجع الديني الراحل السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره مجيبا بتفصيل عن سؤال آخر فكان ملخص الجواب: “عقيدتي الشخصية وقراءتي في جناب هذا السيد الجليل، أنه يعد من المراجع الطلائعيين”. وأشاد بكتابه (في رحاب العقيدة) قائلا: “وهذا الكتاب لا نعرفه بأنه كتاب حوار فقط بل نعرفه على أنه كتاب قدم مخرجات غير مسبوقة في العقيدة الإسلامية. ولا سيما في المجلد الذي كتبه ليشخص طبيعة العلاقة العكسية والطردية بين الإمام علي بن أبي طالب وبين الصحابة. قد أبدع كثيرا واستطيع الجزم أنه أكمل مالم يكمل السيد شرف الدين في هذا الخصوص”. وتحدث مجملا عن الجانب العلمي للسيد الراحل وذكر شاهدا على شجاعته العلمية وشاهدا آخرا على قوة حافظته وختم بشيء من ذكرياته معه قدس سره.

ومن بين الأسئلة التي أجاب عنها البن سعد، سؤال حول الآلية التي ينبغى على المكلف العامي اتباعها للتصدي للشبهات الدينية التي تطرح في الساحة. فحدد البن سعد آليتين للتصدي، الأولى المباشرة والثانية التسبب. وقال: “هناك قواعد يجب أن لا تتداخل على المُكلّف. القاعدة الأولى: ولا تقف ما ليس لك به علم. القاعدة الأخرى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل قاعدة دفع المنكر التي هي أكثر شدة من قاعدة النهي عن المنكر”. وقال: “علينا أن نتسبب وعلينا أن نكون حلقة وصل وواسطة”. ثم أردف موضحا مراده بالتسبب: “أنا أعتبر دور الأخ العزيز أبو محمد في فتح هذا المجلس واستثماره هو دور نموذجي في دف العلم وتحريك مياه الفكر واتاحة الفرص بين صاحب السؤال وبين من يتوقع منه الجواب والنظر، هذا التسبب”. وحول الآلية الأخرى قال: “أما المباشرة، فلماذا المؤمن لا يهتم بأن يجعل له أرشيف مثلا؟ فعندما يجد مقطعا في اليوتيوب يعالج قضية معينة بأسلوب حكيم وجواب مباشر، يفترض عليّ أن أحفظه في جهازي الذكي حتى يكون عندي مقاطع كثيرة كل مقطع يناسب سؤال معين فمتى ما رأيت إثارة في مجموعة من المجموعات، أو قناة من قنوان التواصل أزج بهذه المقاطع. وأؤكد على أهمية هذا الأرشيف لخطورة المرحلة”.

وكان للفقه الإسلامي نصيب فطُرح سؤال حول ما أثير مؤخرا عن مسألة التبعيض في التقليد. فأجاب البن سعد مختصرا: “إن علماءنا في بحوث الاجتهاد والتقليد بحثوا مسألة التبعيض بحثا موسعا والجل من الفقهاء انتهى إلى أن التبعيض مشكل”. ثم وجه خطابه للشباب فقال: “إذا كانت الاشكالات مسجلة ومطروحة فدور الشباب أن يرجع لمن يتحدث عن التبعيض ويقول له: هل قرأت الاشكالات التي ذكرها السيد الخوئي في التنقيح ؟ هل قرأت الاشكالات التي أبحر فيها الشيخ الفاضل اللنكراني في تفصيل الشريعة؟ هل التفت إلى الاشكالات الحقيقية التي ذكرها السيد محمد سعيد الحكيم في مصباح المنهاج؟ ممكن تعطينا إجاباتك عليها؟”. وختم الجواب بالإشارة إلى “ذكاء الدعوة” وقال: “الدعوة ذكاء ونحن بحاجة إلى باب في الفقه اسمه ذكاء الدعوة”. واسترسل في توضيح هذه الاشارة مستشهدا بروايات العزلة الواردة في الوسائل ورأي استاذه آية الله السيد محسن الخرازي دام ظله.

وتخلل الجلسة الحوارية مداخلات حول النشأة الثقافية والفكرية والتراكمية المعرفية والانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي وانعكاساتها على فكر مجتمعنا المتدين. وأكدت المداخلات على قوة الفكر الديني والمذهبي أمام هذه الانعكاسات وتداعياتها. ولكن الشيخ البن سعد استدرك قائلا: “كانت اسلاميات سيد قطب، كانت إسلاميات طه حسين، كانت إسلاميات عباس العقاد وكانت إسلاميات مالك بن نبي هذا على مستوى الغرب” ثم قال “كانت إسلاميات محمد باقر الصدر، كانت إسلاميات محمد حسين الطبأطبائي، كانت إسلاميات مرتضى مطهري وكانت إسلاميات أحمد أمين النجفي” ثم علق قائلا: “التقى الشرق والغرب فاعطى هذا الطرح الإسلامي القوي الممنهج الدي استطاع أن يشغل فكر الشاب المسلم”. ولكن “في هذا العصر والآن، بات واضحا -وهذا ليس من جلد الذات- نحن الآن لا نمتلك أرقاما كتلك الأرقام.. لا نمتلك قدرة على طرح ما هو جديد”. وأشاد البن سعد بتصدي المنبر القطيفي والأحسائي اليوم بمساهمات فكرية جادة ورائدة حسب قراءته للساحة العربية الشيعية.

وانهالت خلال الجلسة التي استمرت أكثر من ساعتين، جملة من الأسئلة الدينية. جدير بالذكر، أن الشيخ عبد الجليل البن سعد يعقد أسبوعيا جلسة حوارية مفتوحة عبر البث المباشر يتصدى خلالها للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالفكر والثقافة والتاريخ والسيرة والتفسير ولكنه يرفض استقبال الأسئلة الفقهية المباشرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى