أقلام

دراسة تفيد أن همزة الوصل بين العقل والجسد هي جزء لا يتجزء من بنيوية الدماغ

بقلم: تمارا بهانداري

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس أن همزة الوصل بين الجسد والعقل  هي جزء لا يتجزأ من بنيوية الدماغ.  تثبت الدراسة أن أجزاء من منطقة الدماغ التي تتحكم في الحركة متصلة اتصالًا  وثيقًا بشبكات معنية بالتفكير والتخطيط وتتحكم في وظائف الجسم اللاإرادية مثل ضغط الدم ومعدل ضربات القلب

 

النتائج تفيد بوجود مناطق في الدماغ تدمج بين التخطيط وتحقيق الغرض / الهدف والفسيولوجيا وبين السلوك والحركة

بدن هادئ وعقل هادئ ، كما يقول ممارسو تمارين اليقظة الكاملة(1). تفيد دراسة جديدة أجراها باحثون من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس إلى أن فكرة أن الجسد والعقل متشابكان تشابكًا ثابتًا لا تنفك عراه هي فكرة أكثر من مجرد فكرة مجردة (اعتبارية). تبين الدراسة أن أجزاء من منطقة الدماغ التي تتحكم في الحركة متصلة بشبكات معنية بالتفكير والتخطيط وتتحكم في وظائف الجسم اللاإرادية، مثل ضغط الدم ونبض القلب. تمثل النتائج ارتباطًا بالمعنى الحرفي للكلمة بين الجسد والعقل في بنيوية الدماغ ذاتها.

قد تساعد هذه الدراسة  التي نُشرت في 19 أبريل 2023 في دورية نتشر(2) Nature، في تفسير بعض الظواهر المحيرة ، مثل لماذا يجعل  القلق(3) بعض الناس يرغبون في أرجحة أجسامهم الى الخلف وإلى الأمام؛ لماذا يخفف تحفيز العصب المبهم (ويسمى أيضًا العصب الحائر)(4)، الذي ينظم وظائف الأعضاء الداخلية مثل الهضم ومعدل ضربات القلب، يمكن أن يخفف من مستوى الاكتئاب(5)؛ ولماذا يتحدث الذين يمارسون الرياضة بانتظام عن نظرة أكثر إيجابية للحياة.

“يقول الذين يمارسون تمارين التأمل(6) أنه بتهدئة الجسد، على سبيل المثال ، تمارين التنفس ، يهدأ العقل أيضًا” حسبما قال المؤلف الأول إيڤان غوردون Evan M. Gordon، الأستاذ المساعد في الأشعة في معهد مالينكروت للأشعة Mallinckrodt Institute of Radiology  في كلية الطب. “قد تكون هذه الأنواع من الممارسات مفيدة جدًا للذين يعانون من القلق (3)، على سبيل المثال ، ولكن حتى الآن، لا يوجد الكثير من القرائن العلمية على طريقة عملها. لكننا وجدنا الآن قرينةً على ذلك. لقد وجدنا الموقع الذي يتصل به الجزء النشط جدًا والحاث على التوجه نحو الهدف / التي تتحكم في التنفس ومعدل ضربات القلب من الدماغ، التي تتحكم في التنفس ومعدل ضربات القلب، بالجسد . إذا هدَّأت  أحدهما ، فمن المؤكد أن يكون له تغذية ارتجاعية تؤثر في الثاني وتهدئه”.

لم يشرع غوردون ولا المؤلف الرئيس نيكو دوزينباخ  Nico Dosenbach، دكتوراه في الطب، والأستاذ المشارك في علم الأعصاب ، للإجابة على الأسئلة الفلسفية القديمة عن العلاقة بين الجسد والعقل (8). بل شرعوا في التحقق من خريطة مناطق الدماغ التي تتحكم في الحركة المطروحة من فترة طويلة، مستخدمين تقنيات تصوير الدماغ الحديثة.

في الثلاثينيات من القرن الماضي ، حدد جراح الأعصاب ويلدر بنفيلد Wilder Penfield، دكتوراه في الطب، مواقع مثل هذه المناطق الحركية في الدماغ  بتعريض الأدمغة المفتوحة للذين كانوا يخضعون لجراحة في الدماغ لهزات كهربية، ولاحظ استجاباتهم لها. اكتشف ويلدر أن تحفيز شريحة strip دقيقة من نسيج في كل من نصفي الدماغ يسبب ارتعاشًا في أجزاء معينة من الجسم. علاوة على ذلك،  مناطق التحكم مرتبة في الدماغ بنفس ترتيب أجزاء الجسم التي هي تتحكم فيها، بحيث يكون التحكم في الأصابع في أحد طرفي كل شريحة من النسيج والتحكم في الوجه في الطرف الآخر منه. أصبحت خريطة وليدر للمناطق الحركية في الدماغ  – عنصرًا أساسيًا في كتب علم الأعصاب الجامعية.

شرع غوردون ودوزينباخ وزملاؤهما في تكرار بحث بنفيلد باستخدام التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI). أخضعوا سبعة راشدين (20 سنة وأكبر) أصحاء لساعات من التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ حينما كانوا في حالة راحة (مستريحين بلا  عمل) أو حين كانوا يقومون بأداء مهام كُلفوا بها. من مجموعة البيانات هذه، قاموا بوضع خرائط دماغية لكل مشارك. بعد ذلك، تحققوا من صحة نتائجهم باستخدام ثلاث مجموعات بيانات رنين مغناطيسي وظيفي ضخمة – من مشروع الكونكتوم  Connectome البشري(9) ودراسة التطور المعرفي(10) لدماغ المراهقين، والبنك الحيوي BioBank في المملكة المتحدة – واللذين يحتويان معًا على مسح لدماغ حوالي 50 ألف شخص.

ولدهشة الباحثين، اكتشفا أن خريطة بنيفيلد Penfield لم تكن صحيحة تمامًا. موضع السيطرة على القدمين كان في المكان الذي حدده بنفيلد. نفس الشيء بالنسبة لليدين والوجه. لكن تخللت هذه المناطق الدماغية الرئيسة ثلاث مناطق أخرى لا يبدو أنها معنية بشكل مباشر بالحركة على الإطلاق، على الرغم من أنها تقع في المنطقة الحركية للدماغ.

ثلاث نقاط ملونة على كل نصف من الدماغ تنشط في مناطق خاصة في مناطق حركية في الدماغ التي تتصل بالمناطق معنية بالتفكير والتخطيط والتحكم في وظائف الجسم الأساسية، مثل معدل ضربات القلب. كلما كان اللون صارخًا أكثر، كلما زادت سمك التوصيلات. يقول باحثون في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس إن هذه المواقع تمثل  همزة وصل بين الجسد والعقل.

 

علاوة على ذلك، المناطق غير مناطق الحركة بدت مختلفة عن مناطق الحركة. وبدت أنحف ومرتبطة بقوة ببعضها البعض وبأجزاء أخرى من الدماغ معنية بالتفكير والتخطيط والإثارة الذهنية [المترجم: الاثارة الفكرية – وهي التي تتعلق بالتفكير والتحفيز الذهني وهي حالة من الاكتشاف والفضول والبحث عن أشياء مثيرة(11)] والألم والتحكم في الأعضاء والوظائف الداخلية، مثل ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. بينت تجارب التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي الإضافية أنه على الرغم من أن المناطق غير مناطق الحركة في الدماغ لم تصبح نشطة أثناء الحركة، إلا أنها أصبحت نشطة عندما فكر الشخص في الحركة.

قال دوزينباخ: “كل هذه العلاقات كانت منطقية لو أُخذ في الاعتبار الغرض الحقيقي من الدماغ”. “الدماغ هو الذي يتصرف في المحيط بشكل يمكنك من تحقيق أهدافك بنجاح دون أن تضر أو تقتل نفسك. أنت تحرك جسمك لغرض / لسبب ما. بالطبع، لابد أن تكون مناطق الحركة مرتبطة بالوظيفة التنفيذية والتحكم في العمليات الجسدية الأساسية، كضغط الدم والشعور بالألم. الألم يُعتبر أقوى تغذية ارتجاعية، أليس كذلك؟ تقوم بشيءٍ من الأشياء وتشعر بالألم، وتعتقد، “زنك لن تعود لفعل ذلك الشيء مرة أخرى”.

أطلق دوزينباخ و غوردون على شبكتهما الدماغية هذه التي تعرفا عليها حديثًا اسم “شبكة الجسد  والعقل”، أو بمصطلح مختصر SCAN. لفهم كيف ظهرت الشبكة  وتطورت ، قام الباحثان بمسح دماغي طفلين حديثي الولادة، طفل يبلغ من العمر عامًا واحدًا، وطفل يبلغ من العمر 9 أعوام. كما قام الباحثان بتحليل البيانات التي جُمعت من  السابق من تسعة قردة. هذه الشبكة لم تكن قابلة للاكتشاف في الطفل حديث الولادة، لكنها كانت واضحة في الطفل البالغ من العمر  عامًا واحدًا وشببهة بشبكة شخص راشد في الطفل الذي يبلغ  9 سنوات. وُجد في القردة شبكة أصغر وأكثر بدائية وبدون روابط واسعة نطاق التي شوهدت في أدمغة البشر.

قال غوردون: “ربما بدأ ت هذه كشبكة بسيطة  لدمج الحركة مع الفسيولوجيا حتى لا يُغمى علينا (نفقد الوعي)، على سبيل المثال ، عندما نقف فجأةً على أقدامنا “. “ولكن مع تطور الانسان إلى كائن حي يفكر ويخطط بشكل أكثر تعقيدًا / تركيبًا، طُوِّر هذا النظام لربط الكثير من العناصر الذهنية المعقدة جدًا.”

الاتصال بين الجسد والعقل جزء لا يتجزأ من بنية أدمغتنا ، وتتمثل في فسيولوجيتنا وحركاتنا وسلوكنا وتفكيرنا ، كما هو موضح في هذا التصوير الفني لدراسة جديدة قام بها باحثون في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس. اكتشف الباحثون ما أطلقوا عليه اسم شبكة الجسد – العقل، أو SCANاختصارًا.

 

 

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/يقظة_كاملة

2- https://www.nature.com/articles/s41586-023-05964-2

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/قلق

4-https://ar.wikipedia.org/wiki/تحفيز_العصب_المبهم

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/اكتئاب

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/تأمل

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/التوجه_نحو_الهدف

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/معضلة_العقل_والجسد

9- https://nasainarabic.net/main/articles/view/connectome-map-cortex

10- “التطور المعرفي cognitive development يصف كيف يتطور دماغ الطفل، وينطوي على تطور مهارات، مثل مهارات التفكير والتعلم والاستكشاف وحل المسائل / المشكلات.  كما أنه يؤثر في المجالات الأخرى لنمو الطفل، بما فيها المهارات اللغوية والاجتماعية،”  ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://helpmegrowmn.org/HMG/DevelopMilestone/CognitiveMilestones/index.html

11- http://changingminds.org/explanations/motivation/three_arousal.htm#:~:text=Cognitive%20arousal,curiosity%2C%20novelty%20and%20general%20interest.

المصدر الرئيس

https://medicine.wustl.edu/news/mind-body-connection-is-built-into-brain-study-suggests/

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى