أقلام

كل عام وأنتم بخير

د. إبراهيم محمد المسلمي

قال تعالى (قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك ) الآية.
العيد مناسبة اجتماعية وموروث حضاري قديم يحتفي به معظم المجتمعات الإنسانية ماضيها وحاضرها، ولا يقتصر على المجتمعات ‏المتدينة بل حتى في غيرها ولكن تختلف الأمم في الشكل الظاهري للعيد ووقته ودوافعه حسب الموروثات الثقافية والاجتماعية والدينية حتى قيل (لكل قوم عيد).

وفي اللغة كلمة عيد مشتقة من فعل عاد يعود عَود ولكن قلبت الواو في كلمة عَود إلى ياء فأصبحت عِيد.
‏والعيد من العود والمعاودة والديدن لذا سمي بالعيد لأنه يعود بشكل أسبوعي أو سنوي، ولذا من المقولات الشعبية في الأعياد (عساكم من عواده).

أما في الاصطلاح فالعيد : يقال لكل يوم فيه جمع وفرح.
والعيد ظاهرة اجتماعية قديمة مرتبطة بالفرح والسرور ، فلا يكون العيد إلا بالاجتماع وإظهار الفرح والسرور ، والفرحة تكون إما لتحقيق غاية أو جائزة لعمل أو انتصار أو غلبة كما في عيد التحرير أو الاستقلال في بعض الدول ، وكما يقال في العيد :كل عام وأنتم بخير أي تمر عليكم مناسبة العيد وأنتم بخير وعافية إن شاء الله لأن العيد سوف يعود ولكن هل نحن موجودون في ذلك الوقت وإن بلغنا العيد المقبل وهو موسم فرح وسعادة فهل سنكون فعلًا سعداء ؟ لأن دوام الحال من المحال .

وكما قال المتنبي في شعره عن العيد:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد.
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداً دونها بيدُ.

ولم ترد كلمة عيد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة وهي في قضية طلب الحوارين من عيسى عليه السلام نزول المائدة من السماء .
‏وفي تاريخ الحضارة الإنسانية نرى أعياداً كثيرة ولكنها تختلف في دوافعها وأوقات اقامتها وكيفية اظهارها ،ويمكن تقسيم الأعياد إلى قسمين منها ذات طابع ديني ومنها غير ذلك فالأعياد الدينية مثل أعياد اليهود كعيد الغفران و عيد الفصح .
ومن أعياد النصارى عيد ميلاد المسيح عليه السلام وهو في ٢٥ من شهر ديسمبر .

أما المسلمون فلديهم عيدان سنويان وهما عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد أسبوعي وهو يوم الجمعة وعيد رابع وهو عيد الغدير عند الموالين لأهل البيت عليهم السلام .

أما الأعياد غير الدينية فهي كثيرة ومختلفة الدوافع مثل الأعياد الوطنية مثل اليوم الوطني وعيد التحرير وعيد الاستقلال وهناك أعياد موسمية كعيد النوروز عند أهل بلاد فارس وما جاورها ويكون ذلك في الواحد والعشرين من شهر مارس في كل عام وهو الاعتدال الربيعي , وعند المصريين عيد اسمه يوم شم النسيم وربما يصادف يوم الزينة لدى الفراعنة ، وفي هذه الأيام ظهرت أعياد أخرى كعيد ميلاد الأطفال وعيد الأم وعيد الحب وعيد العمال وغيرها بل ترى في كل يوم من أيام السنة الميلادية يوماً خصص لمناسبة ما يحتفى به وإن كان لا يسمى بعيد ولكن يقام فيه احتفال واحتفاء كيوم السلامة ويوم الشجرة وغيرها .

ولم يذكر التاريخ أن للعرب في الجاهلية عيداً ولكن بعض الباحثين يعتقد أن سوق عكاظ في الجاهلية عيد لهم وإن كان هو سياسي وتجاري وأدبي ويعقد من أول يوم من ذي القعدة إلى العشرين منه فهو مكان للتفاخر و المناظرة الشعرية والأدبية ومضمار للفروسية والمبارزة وقيل يعرض بعض العرب بناتهم للزواج !

وبما أن الإسلام دين عالمي حضاري صالح لكل الأزمنة وينسجم مع فطرة و طبيعة الإنسان حيث يحتاج المسلم فيها أيضاً إلى راحة وتجديد ليكسر حالة الجمود والوضع الرتيب وتكريم بعد التوفيق لأداء بعض العبادات خاصة الطويلة والتي تحتاج إلى صبر وجهاد نفس كصوم شهر رمضان وأداء فريضة الحج ،ومن جهة أخرى لم يترك الإسلام أتباعه لاسيما الشباب منهم تبعاً لثقافة الأمم الأخرى سواء الماضية منها أو الحاضرة و التي ربما يكون فيها أمور مغلوطة تخالف مناهج الشريعة الإسلامية السمحة ولذلك شرع الإسلام للمسلمين أعياداً إسلامية بعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله إلى المدينة فسن عيدي الفطر والأضحى بالإضافة إلى عيد يوم الجمعة وعند الموالين عيد رابع وهو أفضلها وهو عيد الغدير الأغر وهو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من كل عام ويسمى بعيد الولاية .

ويعتبر الإسلام الأعياد من شعائر الله ومن أيام الله العظمى وتعبير عن هوية المسلم وفيها مفاهيم عقائدية واجتماعية واقتصادية ويبدو ذلك من خلال بعض الممارسات الدينية في أعمال العيد منها تكبيرات العيد بعد الصلوات المفروضة و زكاة الفطر والأضحية والدعاء والزيارة ولبس الجديد والتطيب واجتماع المسلمين لصلاة العيدين والجمعة ومعايدة المسلمين بعضهم لبعض.

وللعيد معان أكبر مما يطرح ‏في الثقافات الأخرى لأن العيد ليس لبس الجديد وإظهار الزينة والفرح والتعطيل فقط الذي قد ينتهي بإضاعة المال والوقت وبما لا يعود على الإنسان بالسعادة والخير وربما إلى الضرر .

و للعيد عدة معان فلسفية كثيرة نتطرق إلى بعض منها في عيد الفطر وعيد الأضحى فهما يأتيان بعد عبادتين عظيمتين وشاقتين وركنين من أركان الإسلام وهما صيام شهر رمضان وأداء حج بيت الله الحرام.
‏فالعيد بعد شهر رمضان بمعنى عاد المسلم إلى الغاية التي من أجلها خُلق وهي العبادة من خلال صيام شهر رمضان بعدما كان لاهيًا منشغلًا بدنياه قبل شهر رمضان.

‏وبمعنى عاد المسلم إلى فطرته السابقة من الأكل والشرب بعدما كان صائماً طوال نهار شهر رمضان.

وبمعنى عاد المسلم إلى التوبة في شهر رمضان وتعود على الطاعة بينما كان في حالة غفلة ومعصية قبل شهر رمضان.

‏أما في عيد الأضحى فقد عاد الحاج إلى الله بعد أن لبى نداء ربه للحج ووفق لأداء ‏مناسكه من طواف وسعي والوقوف بعرفه والمبيت بمزدلفة ومنى .

وعيد الأضحى بمعنى عاد الحاج بعد أن خلع ثوب المعصية ولبس ثوب الطاعة وخالف هواه ورمى ونحر شيطانه يوم النحر كل ذلك ليرجع إلى ربه تقياً نقياً من الذنوب كما ولدته أمه.

ولذا أصبح يوم العاشر من ذي الحجة عيدًا للحاج وكذلك عيدًا لبقية المسلمين في جميع الأمصار والبلدان بمناسبة أداء الركن الخامس من أركان الإسلام ومشاركة الحاج في فرحته.

وفي يوم الجمعة وهو سيد الأيام يلتقي المسلمون في مساجدهم ليؤدوا صلاة الجمعة أو الجماعة في بيوت ربهم وفي يوم الجمعة ساعة لاترد .

وفي يوم الغدير يفرح المؤمنون بإكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب بتنصيب الإمام علي عليه السلام وهو عيد الله الأكبر ولذا ورد استحباب صيامه شكراً لله .

اللهم أسعد أيامنا واقبل طاعتنا واجعل بلادنا وجميع بلاد المسلمين في أمن وأمان وأعد علينا أعيادنا أعواماً ونحن في أحسن وأفضل حال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى