أقلام

تدفق الحرارة والمعرفة نحو التوازن والتكامل

د. علي القضيب

ما يحرك الأشياء في هذا الكون بما فيه الذرة وحركة الرياح والسحاب هو الفوارق في المتغيرات فهناك فارق الجهد وفارق الضغط وفارق الحرارة وفارق الثراء وفارق المعرفة وفارق الثقافة ـ هذه الفوارق وغيرها هي التي تجعلنا نتحرك في دائرة التكامل والاتزان.

فمثلا فارق الحرارة يُمّكِن من انتقال الحرارة بين الاجسام.

هناك ثلاثة أنماط لانتقال الحرارة فمرة يكون الانتقال عبر الاتصال المباشر ومرة عن طريق تيارات الحمل وأخرى تكون عبر الاشعاع. فالنمط الأول مثلا يحدث عندما نلامس جسماً أكثر حرارة منا والنمط الثاني يتجسد عندما يلفح الهواء الحار بشرة وجوهنا اما النمط الأخير عندما يسقط شعاع الشمس على بشرتنا لذا قد نحتاج الى وضع واقٍ لأشعة الشمس في فصل الصيف.

ولكن يا ترى كيف تنتقل المعرفة والعلوم والثقافة او حتى الحضارات بين الامم؟

شأنها في ذلك شأن انتقال الحرارة وانماطها، ولكن….

ان انتقال الثقافة والمعرفة بين الأشخاص والأمم يتم عن طريق الحواس الخمس ناهيك عن عاملي التفكير والادراك، فقد تنتقل الثقافة والمعرفة عن طريق الكلمة المكتوبة او الكلمة المسموعة والمشهد المرئي وقد تكون عبر اللمس أيضا، ولكن كل هذا لن يجدي نفعا ان استقصينا ما يسمى بالإدراك والتفكير والحضور. إذا لكي نفهم حقيقة انتقال المعرفة علينا ان نتحدث مرة اخرى عن وجه الشبه بين انتقال المعرفة وانتقال الحرارة.

ان انتقال الحرارة تحكمها قوانينه الفيزيائية والتي تخضع لطبيعة المادة نفسها حيث انها تعتمد على معامل التوصيل الحراري وفارق الحرارة بين الجسمين كما هو في النمط الأول وأيضا تعتمد على معامل الحرارة الحملي والفارق في درجة الحرارة بين الوسط والجسم كما هو في النمط الثاني.

فبعض المواد توصيلها الحراري عالي بينما الأخرى توصيلها الحراري منخفض وعلى هذا الأساس صنفت المواد كمواد عالية التوصيل الحراري والأخرى ضعيفة أم معدومة التوصيل. لذا لا يكفي التماس الاجسام ببعضها البعض لنقل الحرارة، ولكن نقل الحرارة يعتمد على الجسم نفسه فيما اذا كان موصلا للحرارة او عازلاً لها. اما في النمط الثاني فيعتمد انتقال الحرارة على نوعية الوسط المحيط بالجسم.

فالمعرفة لا تنتقل بين العقول المفتوحة (موصلاً جيدًا) والعقول المغلقة (عازلاً جيدًا) شأنها في ذلك شأن الحرارة التي لا تنتقل بين الاجسام الموصلة والاجسام العازلة. وكلما كان الفارق بين العقول في الثقافة كلما زادت عملية نقل المعرفة وهذا ما نعني بالفوارق بالإضافة الى نوعية المعامل البيئي والمعرفي ان اردت.

لذا هذه الخاصية قد تفيدنا في أسلوب حياتنا فمرة نتصرف كأجسام وعقول متعطشة للمعرفة عندها تكون عقولنا موصلة للمعرفة وإدراكنا عالٍ بقيمة المعرفة بينما في بعض المواقف نحتاج ان نكون اجسامًا (وعقول) عازلة عندما تكون المعرفة “لا معرفة ” كأن تقرأ او تسمع ما لا فائدة لنا منه او كأن يغيظك شخص أو كأن يَرِدُك تعليقا فيه نوع من الاسقاط، فلا تنفعل بل كن عازلاً جيداً و لاتدع و لا تسمح لهذا ان يتغلغل الى عقلك و مشاعرك بل تصرف بروية و حكمة.

انت تعلم انه عندما لا تمتص الغضب فالغضب ينعكس ويعود من حيث أتى وبقوة أعلى على صاحبه. وهذا ما قد يفسر لنا قول الشاعر ” أصبر على كيد الحسود فإن كيدك قاتله – كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله”

كن موصلا جيدًا في تعاملاتك (الذكاء العاطفي)

كن موصلا جيدًا بأن تعلق وتبدي رأيك حين تقرأ او تسمع.

كن موصلا جيدًا عندما تعبر عن مشاعرك فيما تشاهد وفيما تقرأ.

حاول ان تخبر الطرف الاخر (العقل الآخر) ان انتقال المعرفة قد تم وأن منسوب المعرفة لديك ازداد وأنك كنت موصلا جيدًا كما كان هو موصلا جيدًا ايضاً. لذا ترانا احيانا نعبر بصفة الدفيء والحرارة في علاقاتنا – مثل “سلم عليّ انسان بحرارة شديدة”،

أمور كثيرة في حياتنا نحتاج ان نراها من هذا الباب كما لو تجلت لنا قوانين فيزياء الاجسام وهوما يحدث لنا شخصيا. بالطبع لا نستطيع استنتاج قوانين فيزيائية تحكم تصرفاتنا او التنبؤ بما قد نكون عليه بدقة لان المتغيرات كثيرة والمجاهيل بذواتنا وذوات الآخرين أكثر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى