أقلام

سيهات منذ عرفتها!

طالب المطاوعة

نعم سيهات مذ وطأتها وأنا كل يوم أراها وأجد فيها أنموذجا اجتماعيا رائعا وجميلا.

و هنا سأتعرض لجانب جميل ومضيء في تلك البلدة (المدينة) الطيبة أهلها وأترك ما سواه.

لعلي أتذكر أول زيارة لي في سيهات، كانت لآية الله الميرزا محسن الفضلي (رحمه الله تعالى ورفعه في عليين مع الشهداء والصالحين) في وسط داره للسلام عليه، والتشافي له. وهو والد المرحوم الشيخ العلامة الدكتور الفضلي (رحمهما الله تعالى برحمته الواسعة وأسكنهما فسيح جناته) وكلاهما أحسائيان دفنا بسيهات، وتبعهما كثير من الأحسائيين بالدفن هناك، و بترحيب كبير من معظم أهالي سيهات، وعلمائها وشخصياتها. قبل أن يتحول دفن جثامين موتى الأحسائيين من أهالي الدمام في جنة الشهداء.

ثم شاءت الأقدار أن أكون قريبا جدا من أهلها الكرام، ومن رواد العمل الاجتماعي فيها، و مساهما في أنشطتها وفعالياتها الكبيرة والرائدة على مستوى المنطقة، وأشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، وأحسب منهم وفيهم.

وفي الأثناء لاحظت تركيبتهم الاجتماعية والأسرية، وهويتهم، وعطاءاتهم، وأرواحهم، وحياتهم الرائعة من جوانب عدة.

ولعلي هنا أرصد حالة واحدة جميلة وملفتة للنظر.

وهي حالة الاهتمام الكبير بزيارة المريض والتشافي له، ولعل هذه الحالة منتشرة وموجودة ومعروفة في أكثر المجتمعات، إلا أنها تختلف في سيهات وتتميز عن غيرها كما أظن.

فما إن يخرج المريض من المستشفى، أو يرجع من العلاج، و يتماثل للشفاء حتى يتم الإعلان عن ذلك رسميا في لوحات المساجد، و يتداول الأمر في الديوانيات والمجالس، ويعلن عن برنامج الزيارة المحدد له، حسب وضع المريض وبتوصية الطبيب المختص.

وهنا تبدأ الزيارة الخفيفة، والمراعية لحالته الصحية، لكنها بنفس الوقت مركّزة وكثيفة، ويكاد ينظر لها بأنها من الواجبات الاجتماعية، بكل الأحوال والظروف.

و من باب التوفيق أني مررت بها بنفسي معهم، قبل عشر سنوات، عندما أصابتني حالة مرضية عارضة، وكذا مع ولدي قبل سنة من هذه الأيام.

وتجددت التجربة هذه الليلة، حيث عايشتها حية في زيارة لأخ عزيز وغالٍ علينا جميعا، وهو الأخ الكريم عبدالعظيم الحجي أبو حسين.

ورأيت بأم العين كيف توافدت الشخصيات، والعوائل والآباء، من كان بصحته وعافيته، ومن كان يتكئ على عصاه، وينزل من الدرج بمشقة، كما يحضر الشباب بحيوتهم، والصغار بأدب وتربية، كل أطياف المجتمع تأتي للسلام والتشافي وطلب العافية له.

وسأترك ذكر أسماء العوائل هنا، تلافيا لحرج فوات ذكر بعضها.

كل ذلك كان بحضور كثيف من أهالي سيهات، والأقارب والمحبين من القطيف وصفوى والعوامية.

وحضور مليء ومشبع بالمحبة والمودة، تعلوه نظارة الوجه والمحيّا، وتغمره روح الحياة والفرح والابتسامة، التي تعلو وجوههم وكلماتهم وعباراتهم الطيبة، التي تعطّر نفوسهم ومجالسهم.

وكان الاستقبال يتم بحفاوة ورحابة صدر، والتوديع يكون حارا جدا، مع ضيافة غير متكلّفة، إلا أنها تنم عن كرم المضيف، يردفها ترحاب مفعم بالشكر والتقدير، لكل من (تعنّى) وحضر واتصل.

صحيح أنّ المريض يمثل حالة خاصة، بما تتميز به عائلته الكريمة (الحجي) كونها محور ارتكاز، تجمعها حالة نسب مع أكثر العوائل الكبيرة، ذات الشأن والمكانة الاجتماعية المرموقة، في سيهات والقطيف وصفوى والعوامية، وتربطها بها علاقة متميزة، وبما يملكه هو وزوجته من حضور، ومشاركة اجتماعية رائعة، وانفتاحهما على كل الطيف الاجتماعي، بكل مكوناته وتوجهاته بصدق ومحبة وأمانة.

إلا أنه تبقى لهذه الظاهرة الاجتماعية في سيهات رائحتها، وطبيعتها وشكلها، ولونها الخاص والمتفرد بها.

ولعلنا نحتاج أن ننظر إليها بعين البصر والبصيرة، ونستفيد منها كظاهرة، يمكن استنساخها ونمذجتها، ونقلها إلى باقي المجتمعات القريبة والبعيدة، بما تحمله من ترابط وتآخٍ اجتماعي، تلوّنه القيم والمفاهيم الإسلامية والإنسانية، ويبعثه الوعي والأخوة، وتنسجه صلة الرحم، بما يقوي الأسرة والمجتمع، ويجعله كالبنيان المرصوص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى