أقلام

حوارية رقم (٦٤)

زاهر العبدالله

ماهي أسباب غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه؟

السائل: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته إذا سمحت ما هي أسباب غيبة الإمام الحجة عليه السلام وهل ستطول مدة الغياب؟

الجواب: بسمه تعالى.
هناك مقدمة مهمة قبل الجواب عن هذا السؤال العميق أريد أن أسألك عدة أسئلة كي أبني إجابتي على ما عندك من مسلّمات.

السائل: تفضل يا أستاذ.

الجواب: هل تعتقد أن الله عادل لا يضع الشيء إلا في موضعه وهو المدبر للأمور وخالقها في نظم دقيق لا يختلف شيء عن شيء؟

السائل: نعم أعتقد أن الله سبحانه عادل حكيم لا يفعل شيئاً إلا بنظام دقيق ومحسوب كما قال تعالى ﴿إِنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقناهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر: ٤٩].

الجواب: جميل جداً سؤالي الثاني: هل تعتقد أن الله سبحانه يظلم عباده بحيث لا يدلهم على طريق الهداية ويساهم في ضلالهم وضياعهم؟

السائل: أعوذ بالله من ذلك وأستغفر الله العظيم، بل الله سبحانه أجل من أن يكون ظالماً لعباده أو يغويهم عن هدايته كيف! وقد قال في كتابه العزيز ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَساءَ فَعَلَيها وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ﴾[فصلت: ٤٦].
وقال ﴿قُل فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ﴾[الأنعام: ١٤٩] .

الجواب: ممتاز جوابك.
طيب هل ترتيب الأنبياء عليهم السلام إلى نبينا الخاتم كان بتقدير من الله سبحانه وتدبيره وكذا عترته الطاهرة حتى مولانا صاحب العصر والزمان عليه السلام؟

السائل: نعم هو كذلك ولعلي فهمت قصدك أن من أسباب غيبة الإمام الحجة عليه السلام أن الله رسم خطة لأنبيائه عليهم السلام لهداية البشر تبدأ من من نبي الله آدم وتنتهي إلى النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم العترة الطاهرة آخرهم مهديهم عليهم صلوات الله وسلامه عليه.

الجواب: أحسنتم الفهم. بعد أجوبتك الجميلة ندخل في جواب سؤالك المهم وهو أسباب غيبة الإمام المهدي عليه السلام.
تعددت أجوبة العلماء على جواب هذا السؤال الجوهري وقسموا أجوبتهم إلى أسباب تاريخية وسياسية وعقلية وعقائدية وسأذكر لك خلاصة ما عرفته منهم.
أولاً:
إن لله الأمر كله وهو العالم بأسباب غيبة الإمام عليه السلام جوهرها وعينها وينبغي لنا التسليم المطلق بما أراده الله سبحانه وتعالى فقد شاء الله أن يغيب الإمام عليه السلام غيبتين صغرى وكبرى كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): للقائم غيبتان: إحداهما طويلة، والأخرى قصيرة، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها [إلا] خاصة مواليه في دينه) (١)
وعلينا أن لا نعترض على ما أراده الله سبحانه وتعالى. وعلينا مطلق الطاعة والتسليم لله ولرسوله والرضا بما قضى الله ورسوله فنفوز بمن أنعم الله عليهم. كما قال تعالى
﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا﴾[النساء: ٦٩]

ثانياً:
المتتبع لسيرة الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم يجد هناك سلسلة في التكامل الإنساني، فإن الله سبحانه ربط الأسباب بمسبباتها، ولكي يصل الإنسان لِنضج كامل في المعرفة يحتاج كثيراً من العقبات والامتحانات والظروف والأزمنة محفوفة بالمحن والأحداث. فسيرة الأنبياء السابقين مع قومهم ساهمت في تطور العقل ونضجه وتسارع وتكامل في المعرفة فما يحتاجه العقل من معرفه سابقاً غير ما يحتاجه الإنسان اليوم فالإيمان بالله سبحانه سابقاً يحتاج لوقت طويل كما هو حال قوم نبي الله نوح عليه السلام بخلاف زمن نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله حيث أصبح الإيمان بالله أسهل وأكثر نضوجاً وأمتن وأسرع. فكانت جوهر حركة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هي ترسيخ العقائد ورسم خطوط التسليم بقضاء الله وقدره وتعزيز مكارم الأخلاق ويبين معالم حكمة الله سبحانه من خلال قصص القرآن الكريم فقد ذكر لنا القرآن الكريم كيف أن نبي الله عيسى عليه السلام كان نبياً وهو في المهد قال تعالى ﴿قالَ إِنّي عَبدُ اللَّهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا﴾[مريم: ٣٠]
‏وكذا يحي أوتي الحكم صبيا كما في قوله تعالى
﴿يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيناهُ الحُكمَ صَبِيًّا﴾[مريم: ١٢]
‏فهذه الشواهد تُسهل الأمر على العقل أن يُسلّم بالإمام الحجة عليه السلام.

ثالثاً:
الامتحان والاختبار وسنة الابتلاء ليميّز الله تعالى الخبيث من الطيب والصالح من المفسد ومن يثبت على الحق ومن ينحرف عنه ويلتزم أوامر الله سبحانه وتعالى ويجتنب نواهيه .
كما قال تعالى ﴿أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ﴾[العنكبوت: ٢].
فغيبة الإمام الحجة عليه السلام فيها غربلة لمن يسّلم بقضاء الله وقدره ويصبر على بلائه ويستعد بأعماله الصالحة في غيبة الإمام عليه السلام وهذه السُنّة جرت في الأمم السابقة حيث إن من يصبر على طاعة الله سبحانه ويسّلم بأمره يكون هو الفائز بكرامته كما هو حال الذين آمنوا بنبي الله نوح عليه السلام حيث لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله سبحانه فنجي من تَبِعه من الهلكة وغرق من خالفه. كذلك الذين صبروا مع نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ففتح الله على يده بِقاع الدنيا والذين صبروا مع الحسين عليه السلام ففازوا بأن خَلُدت أسماؤهم ونحن اليوم كذلك فمن يصبر على فراق حبيبه وهو الحجة عليه السلام ويستعد ويمهد لظهوره هو الفائز وقد حذّرت كثير من الروايات من ينكر الإمام في آخر الزمان مثل رواية ئ(في باب صعوبة التمسك بالدين في غيبة الإمام الحجة عليه السلام) – روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) – قال لأصحابه -: إنكم أصحابي، وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ولم يروني…
لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة … وعنه (صلى الله عليه وآله): سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا:
– ‏يا رسول الله، نحن كنا معك ببدر واحد وحنين ونزل فينا القرآن؟! فقال: إنكم لو تحملوا لما حملوا، لم تصبروا صبرهم) (٢)
وكذلك ماروي (… من يقوم معه – الإمام الصادق (عليه السلام): مع القائم (عليه السلام) من العرب شئ يسير، فقيل له: إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير؟! قال: لابد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير.) (٣)
وتبشر من يثبت منهم .
فقد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): إذا قام قائمنا أذهب الله عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا، ويكونون حكام الأرض وسنامها. (٤)

رابعاً:
كانت لغيبة الإمام عليه السلام غاية وهدف وهو أن يمهد للناس بالتواصل مع نوابه الخاصين الأربعة وأن يحفظ دمه وتدوم رسالته كما رفع الله تعالى نبيه عيسى عليه السلام لغاية وهي أن يخرج آخر الزمان فيكون ناصرا لمولانا الحجة عليه السلام وكذلك حين أخفى الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله عمن أرادوا قتله ليلة الهجرة وأخفاه عن المترصدين له في الغار. فنصت بعض الروايات أن الأرض لا تخلوا من حجة إما ظاهراً أو غائباً مستورا. فقد سُؤل يوماً أمير المؤمنين عليه السلام هل تخلوا الأرض من حجة على الناس؟
فقال ع: اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه، إما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته..) (٥)

خامساً:
غاب كي تنضج عقول البشرية وتعتمد على ذاتها في تحصيل المعرفة والتعمق في علوم أهل البيت عليهم السلام وليعرفوا قدر إمامهم في غيبته فلطالما كان الإمام حاضراً بين أيدي الناس فلم يعرفوا قيمته فكان من الضروري غياب هذه النعمة العظيمة كي تشعر الأمة بتقصيرها وتلجأ لله سبحانه وتعالى لرفع هذه الغمة عن هذه الأمة . هذا بعض الأسباب التي فهتها من علمائنا حفظهم الله تعالى وما قرأت من كتبهم.

السائل: يكفي يا أستاذ جزاك الله خيراً وجعلك الله من أنصار الإمام الحجة عليه السلام
طيب وهل ستطول مدته؟

الجواب: أحسنتم. أما بخصوص طول المدة هو أمر لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم إنما علينا الاستعداد والتهيؤ في أي لحظة كما هو مفاد بعض الروايات مثل
(… فقلت له يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء وركب ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزور، وردت شهادات العدل واستخف الناس بالدماء، وارتكاب الزناء، وأكل الربا، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخرج السفياني من الشام واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه، وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا. فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا وأول ما ينطق به هذه الآية ” بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ” ثم يقول: أنا بقية الله في أرضه فإذا اجتمع إليه العقد، وهو عشرة آلاف رجل خرج فلا يبقى في الأرض معبود دون الله عزو جل، من صنم وغيره إلا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به. (٦)

السائل: رحم الله والديك وجزاك الله خيراً.

الجواب: ورحم الله والديك وجزاك الله خير الجزاء على تفضلك علي والحمد لله رب العالمين

١١ / ٨ / ١٤٤٢ هـ

المصادر
١- ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ١٨٠.
٢- ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ١٨٠.
٣- ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ١٨٦.
٤- ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ١٨٧.
٥ – ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ١١٨.
٦ – بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٥٢ – الصفحة ١٩٢.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى