أقلام

امرؤ القيس.. والتربية الحديثة

رباب حسين النمر

تخيلوا..
لو أن امرأ القيس بُعث في زمننا هذا ببردة وعمامة مُغبرين، وامتطى ظهر حمار كسول..
ومن الخرج الملقى على ظهر دابته استخرج دواة وكتف،
ثم نصب خيمة على قارعة الطريق!
وخاطب الجماهير:

دريد كخذروف الوليد أمرّه
تقلب كفيه بخيط موصل

له أيطلا ظبي وساقا نعامة
وإرخاء سرحان وتقريب تتفل..

فما ما ردة الفعل المتوقعة على هذه الصورة؟

هل يعلقونها على جدران متحف يُعنى بأيام الجاهلية؟

هل يتحول إلى (ستايل) أوصرعة يحتذي بها محبو الصرعات من المراهقين ومن شاكلهم؟

هل يُنتخب امرأ القيس ليؤدي عرضة احتفالًا بيوم التأسيس؟

وللعصف الذهني أن يبتكر ما يشاء من الصور، ويرتب ما يشاء من النتائج!

عني: سأحضر رفشًا
لأعيد دفنه في قبره مرة ثانية، وأهيل عليه التراب حتى يبعث في زمنه المناسب له ولجمهوره، إلا إذا قبل بالفلترة والتحديث( والآبديت) حيث ندخله في آلة الزمن العجيبة التي ستعيد إنتاجه وتلبسه لغة جديدة ورؤى حديثة، وكذلك ستنزع عنه البردة والعمامة، وتلبسه قبعة الرسامين، وزيًا رسميًا أنيقًا وتجلسه في ستاربيكس ليحتسي لاتيه!

هذا التصور ذاته سنطبقه في مجال آخر يختلف عنه في التوجه ويتحد معه في الفكرة والرؤية.

استوقفتني كلمات لمغرد على منصة تويتر يقول فيها: ” أغلب الأجيال السابقة ربتهم امرأة أمية، لا تقرأ ولا تكتب، ولكن علمتهم ما لم تستطيع بعض مثقفات اليوم تعليمه لأبنائهن! ”

لكل زمن طبيعته، ومفرداته، وظروفه وأساليبه، وتقنياته وآلياته.
إن التربية اليوم لا تتوقف على المربية البشرية المتمثلة في الأم والمعلمة والجدة والقريبة، بل هناك مربيات افتراضيات وواقعيات يتدخلن في التربية قسرًا،
فالأصدقاء مربون، والتلفاز مربًّ، وشبكة الإنترنت مربية، وما يطرح في برامج وسائل التواصل مربًّ.
إن أمام المربية تحديات كبيرة، وعليها أن تضع بحسبانها استخدام الأسلوب المناسب لجيل اليوم، والتوجيه المستمر بطريقة يتقبلها الجيل، مع مصادقته والاقتراب منه، وتوجيه النصائح بكميات قليلة قدر الإمكان وبصورة مركزة وبطريقة الفلاش السريع.
أما لو استخدمت المربية آليات تربية الجيل القديم وتقنياته فلا أتصور أن تكون مجدية لجيل اليوم، ولا مؤثرة به، بل قد تثير الاستغراب ونفور الجيل وتمرده، تمامًا كامرئ القيس لو بعث في زمننا بصفاته الجاهلية!
ولذا ينبغي أن نمرر الأساليب التي ناسبت الأجيال الماضية بآلة الزمن العجيبة تمامًا كما مررنا امرأ القيس لفلترتها وإعادة إنتاجها حتى تواكب الفترة وتضع بعين اعتبارها كافة الظروف والمستجدات التي توثر بطريق أو بآخر في العملية التربوية.

وقد قيل ” لا تكرهوا أولادكم على آثاركم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم “.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى