أقلام

هيبة هيئة التأمين في تأمين الرواد

زهير ياسين آل طه

لا تخلو أي نهضة تنموية مرتبطة بخطط استراتيجية ذكية من مؤثرات وضغوط مع ما يعيشه العالم من تحديات وتقلبات، ومن الطبيعي أن تتأثر حركتها صعودا ونزولا وهكذا مع التشابك في الحركة التسارعية من منظور العمليات غير الخطية Non-linear Process، حسبما يفرضه واقع الأحداث السياسية والاقتصادية والتغيرات البيئية، وتنكشف تحديدا إذا نزلنا في العمق التفصيلي لفهم واستيعاب نموذج إدارة الذكاء الاستراتيجي المستحدث في المواصفات العالمية، والموجه لتحقيق هدف بعينه ومتابعته وتطويره.

وتعتمد معالجة وتخطي التحديات والضغوط والسلبيات على التدخل السريع الذي يفرضه الاحتياج الهجين للخبرات التي يملكها «الرواد الماضين/ المتقاعدين» مع ما يقدمه «الرواد المتقدمون» من فكر قيادي ذكي متجدد.

فأمر استشراف المستقبل بحاجة ماسة للخبرات الهجينة لاتخاذ قرارات حادة موثوقة Decision Acuity، ومدعومة بنموذج حيوي متداول في محطات اتخاذ القرار العالمي المعنون بتسلسل اتخاذ القرار Sequential Decision Making كما تشير إليه الدراسات والأبحاث العلمية القديمة والحديثة، وقد تطرقت إلى النموذجين بالتفصيل في مقالات سابقة عام 2021، وأستبعد حاليا من منظور الأخلاقيات والتحيز والتمييز، قدرة الذكاء الاصطناعي بمفرده في تقييم القرار التسلسلي اليقيني النافع، الذي تحتاجه الخطط بدون دخول ذكاء الرواد وتحليلاتهم وتقييمهم من منطق الذكاء الهجين الجماعي.

وهذا بالفعل ما تؤمن به رؤية 2030 ونلمسه من خروج قرارات صائبة في محاكاتها العملية لفلسفة التغيير وهندسة التغيير والتطوير المستمر، ومن خلال التقدير للرواد الماضين والاستفادة منهم في احتياجها لقرارات ناضجة مبنية على الخبرة والدراسات العلمية، وقد استحثت ودفعت الرؤية مؤخرا لنقلة نوعية ذكية في التأمين بموافقة انشاء هيئة له مستقلة بقرار مجلس الوزراء في جلسة 16 أغسطس من هذا العام، ليصنع هذا القرار منه هيبة مختلفة جذريا بعد مضي فترة طويلة من العمل الإداري في الساحة التأمينية من قبل جهات متعددة ضمن أعمالهم، ليواكب متطلبات حركة نمو وانتقال خطوات الرؤية 2030 لمراحل متقدمة، ومنها رفع مساهمة التأمين في الناتج المحلي غير النفطي، وتطويره بكل السبل الاستثمارية الداخلية والخارجية، ليحقق أهداف برنامج تطوير القطاع المالي في الرؤية.

إنشاء الهيئة لا يمكن أن يخرج في مضمونه الريادي عن سياق القيادة التخصصية والتوجيهية والرقابية لكافة المهام والاختصاصات، والمنقولة بخطة منظمة ممن كانوا يحملونها ويديرونها ضمن أعمالهم، وهما البنك المركزي السعودي ومجلس الضمان الصحي، وهنا يتضح معنى الفرق بين القيادة والإدارة في فلسفة الحركة التغييرية والتطويرية التي تصنع الهيبة والقوة.

التفاوت في مستوى الهيبة في أي منظمة، يعنى التأرجح في القوة النافذة في العمليات بكل جوانبها، ولها ارتباط بالإدراك الاجتماعي ومتطلباته وما تحيط به نظرية العقل.

التحكم في مستوى الهيبة ليس بالأمر السهل لأسباب خارجة عن التغطية اليقينية تماما إذا لم يكن هناك استيعاب لتطبيق معطيات النظرية، وبسبب الارتدادات أيضا التي قد تواجه التشغيل للمنظمة من قبل الإدارة التنفيذية في بدايته، وقد تكون نتيجة انعكاس بعض القرارات الضعيفة اللا يقينية التي قد تصدر من مجالس الإدارات بالتصويت أو الاجماع.

لتبسيط مفهوم فلسفة النظرية لاستيعابها والاستفادة منها والاستناد عليها في الوصول لقدر أكبر من القرارات الناضجة اليقينية المرتبطة بهيبة المنظمة كهيئة التأمين؛ ففي أحدث بحث علمي عن نظرية العقل وقدرة التفكير مما يمكن الاستفادة منه في رفع مستوى الهيبة المطلوبة لأي منظمة، من خلال التدقيق في اختيار أعضائها في مجلس الإدارة بناء على نظرية العقل والإدراك الاجتماعي، والذي تم نشره في شهر يوليو 2023 في مجلة علم النفس التجريبي ” Journal of Experimental Psychology“ من باحثين من جامعة برمنجهام بعنوان: “Successful cooperation depends on good ‹mindreading› abilities” بحيث وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة قوية وعالية على قراءة الأفكار والعقل وفهم مشاعر الآخرين ونواياهم، هم أكثر نجاحا في التعاون مع الآخرين لإكمال المهام واتخاذ القرارات الناضجة والحادة بالمعنى الضمني من الأشخاص الذين يعانون من ضعف قدرات القراءة للعقل المقابل.

ما يزيد تكرار التركيز لأمر نظرية العقل والإدراك والفكر في أكثر من مقال، هو الأمل في ارتفاع مستوى الهيبة والقوة النافذة والصلاحيات لهيئة التأمين بشكل سريع قبل وبعد أن تبدأ بمهامها لحداثتها وأهميتها الكبرى، من خلال القرارات التغييرية والتطويرية المبنية على النظرية، وتبدأ تضيف لمهامها ان لم تكن موجودة وبالتعاون مع «المعهد الوطني لأبحاث الصحة» الذي صدر قرار إنشائه بالتزامن مع الهيئة وفي نفس الجلسة، دراسة علمية سريعة ووافية من كل الاتجاهات، لتقييم عدم تحميل وزارة الصحة تبعات القطاعات الصناعية والبتروكيماوية والطاقة، المتسببين بالأمراض الظاهرة المزمنة منها والكامنة الخفية النائمة للمتقاعدين والرواد الماضين ومن يعولون، استنادا على أن البيئات الصناعية ومنها البتروكيماوية، تتعامل مع مواد كيميائية تندرج تحت تصنيفات عالمية ومتعددة الخطورة ومرصودة في تقرير الأمم المتحدة المعلن في موقعها.

وحينما تتدخل الهيئة بهيبتها وقوتها النافذة العالية من البداية، فستنطق الصمت ممن كنت وغيري نوجه لهم إرشادات وتوجيهات وطرح مقترحات وحلول مجانية، لأجل المساهمة وقبول خروج قرارات تحقق متطلبات جودة الحياة، وتسهم مباشرة في تطوير القطاع المالي بما يخص نمو التأمين ورفع مساهمته في الناتج المحلي، وكما أشرت سابقا، باقتطاع مبالغ شهرية منتظمة تضخ بالملايين في منظومة التأمين، تحدد ويعاد تقييمها بعد التطبيق على كل منتسبي القطاعين العام والخاص في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، للعلاج مدى الحياة لهم ومن يعولون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى