أقلام

الرياء والإخلاص

صالح المرهون

الحديث عن الرياء معناه الحديث عن الإخلاص في النية والعمل، مطلق العمل، سواء كان عباديًا أو معاملاتيًا، والمشكلة التي يواجهها المرائي أنه يعمل كما يعمل المخلص، أي أن ظاهر العمل واحد، فهذا ينفق وذاك كذلك، وهذا يصلي والآخر كذلك في الظاهر، ولكن العائد مختلف لاختلاف النية، فالمرائي لا أجر له، فمثلًا لو أنفق رياء فإن هذا الإنفاق ستكون له مردودات شخصية على المرائي وعلى المجتمع، نعم قد يتخلص من عواقب معينة جراء البخل، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد وضع عقابًا دنيويًا لمن يبخل بماله فإن هذا العقاب لا يصيبه حتى وإن أنفق رياء، فإنفاقه يجزي من الناحية التبعية في الحياة الدنيا، أما الأجر فلا يوجد لعدم صدق النية وصدق التوجه، والتأثيرات الأخرى إساءة إلى المجتمع وظلم للنفس وتبعة للشيطان يسجل عليه فيه ذنب، وأول عواقب هذه الذنوب هو افتضاح الأمر وكشف ماهو مستور من السيئات في هذا الأمر في فترة حياته. والحقيقة أنه لو وحد الله في إنفاقه لرزقه الله الغاية العامة في ريائه، بمعنى أن الإنسان يرائي للحصول على الوجاهة والتقدير في المجتمع، وكثير الآن من هذا النوع متواجد في المجتمع، والوجاهة والتقدير في المجتمع يحصل عليها الإنسان بصورة أعظم لو أطاع الله وحده دون الشعور بالمراءاة والفخر أو فعل الصفات المرافقة والدالة على المراءاة، فالمرائي قد يكون أعظم من هذا، فهو لا يريد فقط المنفعة الدنيوية بل يسيئ إلى المجتمع عن طريق استخدام الدين وسيلة لتحقيق المآرب الشخصية والتشجيع على المراءاة، فهذا النوع من المرائين ليس فقط عملهم هذا يقود إلى عدم تقبل العمل لأنه لا يقصد به الله، وإنما أيضا أساؤوا إلى أنفسهم بهذه المراءاة وأساؤوا إلى المجتمع، وشجعوا بمرور الوقت على المراءاة واستخدام الدين لتحقيق مصالحهم ومآربهم الشخصية، وهذا الأمر انعكاساته خطيرة وعظيمة، أضف إلى ذلك أنهم يعملون هذا يتبعون الشيطان اتباعًا، هذا كله يجعلهم يعاقبون على فعلهم الحسن هذا، لأن ظاهره حسن وباطنه سيئ أساء إلى باطنهم والمجتمع، قال تعالى:
(لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم)
أما العمل الخالص هو الذي لا تريد أن يحمدك أو يشكرك عليه أحد غير الله عز وجل، والإخلاص درجات بعضها أصعب من بعض، ورسول الله وأهل بيته المعصومون نالوا الدرجة العليا من الإخلاص أي الإخلاص الخالص ١٠٠./. والإخلاص حالة عامة للإنسان، وتوجه عام وليس فعلًا معينًا يدرب الإنسان على فعله، أي أن الإخلاص إذا أردنا أن نجعله صفة للإنسان وليس أمرًا طارئًا عليه، فهذا يتطلب تدريبًا عمليًا في كل أفعال الإنسان ونواياه، وبالتأكيد هذا التدريب فيه جهد نسبي يختلف من شخص إلى آخر، والعمدة في ذلك هو الإيمان الصحيح، أي أن الإخلاص
والابتعاد عن الرياء لا يكتسب إلا بالإيمان الصالح، ومع الإيمان لا بد من فضح النفس للنفس، فهذا الافتضاح يجعلها تركز على خفايا سلوكها وعملها، وهي مهمة شخصية تعني الشخص ذاته، فهو المطلع على خفايا نفسه والقادر على فضحها، وأيضًا مراجعة النفس ومراقبتها دائمًا في أفعالها وتصرفاتها حتى يكون الإنسان على بينة من وسوسات الشيطان، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يفضح الشيطان في النفس في هذه الأمور، والإكثار من قول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له) هو عامل مساعد للتخلص من الرياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى