أقلام

يرحل المحسنون وتبقى المحاسن

الشيخ عبدالجليل البن سعد

للرجال الذين زانهم الخلق الرفيع مكانة تظهر على ألسنة الأقران والمعاصرين لهم اذا غابوا، وهذا مشهد مألوف في حياتنا، فهل نرجع ذلك إلى الشعور بالغبطة وكفى؟
ان الوضع الطبيعي لهذا الموقف العمومي هو الشعور بالحسرة، لأن أعزّ ما تفقده الحياة من الناس هم الذين عاشوا المسؤولية تجاه الإنسانية و انعكس جمالها على مرآتهم الشخصية..


لقد كان الفقيد السعيد الأخ السيد باقر العبد المحسن متسما بسمات الفضيلة الأخلاقية، و الصبغة الإدارية في حياته الخاصة والعامة التي لا تستغرب على طالب علم يعيش الوعي بذاته وبموقعيته الدينية والاجتماعية.

سيرته المنضبطة:
لقد تفرغ للدراسة الحوزية بعد أن أحيل على التقاعد وهي ظاهرة مألوفة في منطقتي الاحساء والقطيف إذ اصبح لدينا في هاتين المنطقتين مكوّنٌ اجتماعي كبير يضم المتقاعدين الذين استثمروا ما بعد التقاعد في طلب العلم والخطابة والتأليف والعمل الطوعي، وهي ظاهرة تدعونا للدراسة، وإن تجاوز النظرة الاجتماعية المتعمقة لها سيضاف إلى مسلسل حلقات التجاهل الظالم لتراث المنطقة.
ولكنه وخلال هذه الفترة استطاع ان ينتزع اعتراف كل من اتصل به بانتظامه ودقته في المواظبة والاهتمام بالدرس.. وهو ممن تصنف ذهنيتهم على الذهنية المتأملة وابرز سماتها أمران:
1 المتابعة والاستماع باستمرار، الشيء الذي انعكس على حرصه بمتابعة الفعاليات داخل القاعتين الخارجية والداخلية بالحوزة العلمية، فالانشداد للاطروحات طبيعة في التأمل ورغبة في التلاقح المعرفي.
2 مداخلاته بما تسنح به قريحته من سؤال أو إضافة، بشكل موزون بميزان الروية، لا تعجل فيه؛ لذلك تشعر في نبراته الهادئة عمق التأمل الذي قد بذله.

جماله الروحي:
السهولة في المبادرة بالشكر والاعتراف للآخرين مع أبسط مجهود يحققونه هذه سمة فاعلة في حياة ذوي الأرواح الجميلة، فبالرغم من عدم العلاقة الخاصة بيني وبين الفقيد لكنه كان لا يفوّت حتى وميض الفرص التي لا تزيد على ثواني قد لا تتفق إلا عند بوابة الدخول إلى الحوزة فيبادرني بانطباعه حول مقطع فيديو ظهرت فيه أمامه واستمع من خلاله لحديثي..
وهذه خصلة يتعثر فيها الكثير خلا عن الرجال الذين يستشعرون قيمة العمل مهما قلّ أو كثر ولا يرون للواجب تجاه الاخرين حدودا؛ لذلك يهتمون بالشكر على العطية العامة ولا تبدو في عيونهم أقل من العطية الخاصة!!

الثقة والعزيمة:
ينطلق بعض الطلبة نحو العلم في حركة تشبه من يسير على غير الجادة فهو يفكر ولا يشارك وتراه يكتب ولا ينشر، لعميق الأثر الذي يتركه التردد و الخوف بداخله.. ولكن السيد باقر بالرغم من العمر الحوزي القصير نسبيا كانت الثقة تنبض بداخله بمعدل طبيعي لا انخفاض ولا ارتفاع فيه، إذ أقدم على نشر كلماته التي كان يلقيها يوم الجمعة تحت عنوان “منبر الجمعة”، وهي عادة من لا يتكلم إلا بتحضير واذا تكلم لا ينسى ما تكلم به، وهذه الجرأة الإيجابية يفتقدها بعض ممن لهم في الابداع شأن من الشأن !

كيف يصنع التفاؤل:
إن صناعة التفاؤل ليست بتقديم الأفكار ولا الحلول فقط بل إن هناك من إذا جمعتك به الأزمات داخلية كانت أو خارجية، قريبة هي أو بعيدة قطّر في عينك النفسية قطرات من بشاشة وجهه و بياض ابتسامته وهدوء نبرته فيغسل عن جفونك قذى اليأس وتكبر في حدقتك صور الفأل والأمل هكذا رأيته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى