أقلام

التسويق العصبي (نيروماركتينغ) ..ماذا تحتاج أن تعرفه عنه

ترجمة :عدنان أحمدالحاجي

سماها الحائز على جائزة نوبل فرانسيس كريك الفرضية المذهلة: فكرة أن جميع مشاعر وأفكار وأفعال البشر – وحتى الوعي نفسه – هي نتاج نشاط عصبي في الدماغ ليس إلاّ.  بالنسبة للمسوقين ، فإن الوعد الذي تقدمه هذه الفكرة هو أن البيولوجيا العصبية يمكن أن تقلل من حالة الشك والظن  التي عادةً  ما تعيق الجهود لمعرفة  سلوك المستهلك.

مجال التسويق العصبي neuromarketing ـ المعروف أحيانًا باسم علوم أعصاب المستهلك، ـ تفحص الدماغ للتنبؤ بل وربما التلاعب بسلوك المستهلك واتخاذه  القرار.

وحتى وقت قريب أُعتبر التسويق العصبي أنه ترف “آخر ما توصل له العلم”،  فقد عُزز على مدار السنوات الخمس الماضية بالعديد من الدراسات الرائدة التي أثبتت إمكانيته على خلق قيمة للمسوقين.

لكن حتى عندما تصبح شرعية التسويق العصبي معترفاً بها قانونياً، فإن المسوقين لا يزالون يواجهون صعوبات معه:

هل يستحق الاستثمار فيه؟ ما هي الأدوات الأكثر فائدة؟

وكيف يمكن أن يتم بشكل جيد؟.

وللإجابة على هذه الأسئلة، يحتاج المسوقين إلى فهم مجموعة التقنيات المستخدمة، وكيف يستخدمونها في كل من الأوساط الأكاديمية والصناعية، وما هي الإمكانيات التي يمتلكونها للمستقبل.

أدوات التسويق العصبي  مصطلح “التسويق العصبي” يرجع بشكل فضفاض إلى قياس الإشارات الفسيولوجية والعصبية للحصول على  نظرة ثاقبة في دوافع العملاء وتفضيلاتهم وقراراتهم ، والتي يمكن أن تساعد في تزويد المعلومات الضرورية لصناعة  إعلانات تجارية إبداعية وتطوير المنتجات والتسعيرات ومجالات التسويق الأخرى.

مسح الدماغ الذي يقيس النشاط العصبي، والتتبع الفسيولوجي  الذي يقيس حركة العين وغيرها من العوامل  البديلة proxies  لذلك النشاط ، هي من أكثر طرق القياس شيوعًا أداتين رئيسيتين لفحص الدماغ هما التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI

و إليكترو أنسيفالوغرام EEG (مخطط الدماغ الكهربي electroencephalogram- جهاز حساب موجات الدماغ الكهربائي.

ويستخدم السابق (التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي) حقول مغناطيسية قوية لتتبع التغيرات في تدفق الدم عبر الدماغ ويتم اجراؤه أثناء وجود الشخص داخل الجهاز الذي يأخذ قياسات مستمرة  بمرور الوقت.  ويقوم مخطط كهربية الدماغ  (EEG) بقراءة نشاط خلايا الدماغ باستخدام أجهزة استشعار موضوعة على فروة رأس الشخص الذي يراد فحصه.

حيث أن تقنية الـ EEG يمكنها تتبع التغيرات في نشاط الدماغ على فترات  أجزاء من الثانية، ولكنها لا تقوم بأداء وظيفة جيدة من حيث تحديد مكان حدوث النشاط، أو تقوم بقياسه في مناطق تحت القشرية العميقة من الدماغ (حيث يحدث الكثير من النشاط المثير للاهتمام).

فـ الرنين المغناطيسي الوظيفي يمكنه من عمل قياسات  في أعماق الدماغ ولكنه ليس بتلك السهولة، ولا يتتبع النشاط إلا على مدار عدة ثوان، مما قد يفوته التقاط  النشاطات  العصبية العابرة .

(علاوة على ذلك ، فإن آلات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي باهظة  الثمن أكثر بعدة مرات من جهاز الـ EEG ، وعادة ما تكلف حوالي ٥ ملايين دولار بالإضافة الى  المصاريف الإدارية المرتفعة ، مقابل حوالي ٢٠ ألف دولاراً لـ( EEG.)  الأدوات لقياس العوامل الفسيولوجية البديلة (proxies) لنشاط الدماغ تميل إلى أن تكون ميسورة التكلفة وبأسعار معقولة وأسهل للاستخدام.  وهي  تقنية  تتبع العين يمكن أن تقيس الانتباه (عبر نقاط تثبيت العينين) والإثارة (عبر تمدد حدقة العين)، يمكن لترميز تعبير الوجه (قراءة الحركة الدقيقة للعضلات في الوجه) قياس الاستجابات العاطفية، كما أن  معدل ضربات القلب ومعدل التنفس وموصلية الجلد تقيس إثارة المشاعر.

وابتدأ الاهتمام بعلوم أعصاب المستهلك  في منتصف العقد الأول من القرن العشرين ، عندما بدأ باحثو كليات إدارة الأعمال في إثبات أن الإعلانات التجارية والعلامات التجارية وأساليب التسويق الأخرى يمكن أن يكون لها تأثيرات على الدماغ قابلة للقياس .

وذلك في عام ٢٠٠٤م، حينما قدم باحثون في جامعة إيموري مشروب الكوكاكولا والبيبسي لمتطوعين وهم  تحت  آلة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.  وعندما لم توضع أي علامة تجارية معرّفة بالمشروبين الغازيين، لاحظ الباحثون استجابة عصبية متسقه.  ولكن عندما تمكن المتطوعون من رؤية العلامة التجارية على المشروب، أظهرت بنيويات جهازهم الحوفي، (مناطق الدماغ  المرتبطة بالعواطف والذكريات ومعالجة اللاواعي) نشاطًا أعلى، مما يدل على أن معرفة العلامة التجارية غيرت كيف أدرك الدماغ المشروب الغازي.

و بعد أربع سنوات قام فريق برئاسة هيلكي بلاسمان Hilke Plassmann من كلية إنسياد INSEAD للدراسات العليا في إدارة الأعمال في مدينة فونتينبلو الفرنسية، بفحص أدمغة أشخاص وهم  يتذوقون ثلاثة أنواع من النبيذ بأسعار مختلفة؛ سجلت أدمغتهم هذه الأنواع من النبيذ  بشكل مختلف. حيث اشارت البصمات (الأنماط) العصبية إلى تفضيل النبيذ الأغلى، وفي الواقع ، أنواع النبيذ الثلاثة كانت من نفس النبيذ.

وفي دراسة أكاديمية أخرى كشف مسح الرنين المغناطيسي الوظيفي أنه عندما يرى المستهلكون سعرًا فقد يغير حسابهم العقلي للقيمة: عندما يُعرض السعر قبل أن يّعرض المنتج للشخص، فتختلف البيانات العصبية عما لو عُرض  السعر بعد أن يعرض المنتج، مما يشير إلى نوعين مختلفين من الحسابات  العقلية :  “هل  هذا المنتج يستحق الثمن؟ “عندما عُرض السعر أولاً” و” هل يعجبني هذا المنتج؟ “عندما عُرض المنتج أولاً” .

التشاؤم المتلاشي:

على الرغم من هذه النتائج الأكاديمية الواعدة، إلا أن المسوّقون كانوا بطيئين في استخدام أجهزة EEG و fMRI.  وفي دراسة استقصائية لأشخاص من ٦٤ شركة تسويق عصبي، على سبيل المثال، أفاد ٣١ ٪ فقط منهم بإستخدام آلات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.  ويقول كارل مارسي ، كبير باحثي  الأعصاب في شركة نيلسون كونسيومر نيروساينس( لعلوم أعصاب المستهلك).

Nielsen Consumer Neuroscience: “أعرف ثلاثة أو أربعة بائعين (مورّدين) جعلوا من التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI عرضاً  رئيسياً. لخدماتهم (تجارتهم) ، وقد فشلوا جميعًا”.   يعزى هذا الإحجام جزئياً إلى التشاؤم الشامل فيما يتعلق بقدرة هذه التقنية على تكوين رؤى مفيدة تتجاوز تلك التي توفرها أساليب التسويق التقليدية. فـ في مقال نشر عام ٢٠١٧ في  مجلة كاليفورنيا مانجمنت ريڤيو California Management Review ، كتب مينغ هسو Ming Hsu، بروفيسور التسويق في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: “يمكن تلخيص الموقف السائد كالتالي : ” علم الأعصاب إما يخبرني بما أعرفه بالفعل ، أو يخبرني بشيء جديد  لا أهتم  به”.   على سبيل المثال،  مسح الدماغ يمكن أن يُظهر أن المشروب نفسه بأسعار مختلفة قد ينتج عنه استجابات مختلفة في الأشخاص الخاضعين للتجربة.

ولكن يمكن لذلك اتباع أساليب أكثر بساطة:  حيث وجدت دراسة سلوكية أجريت عام ٢٠٠٥ أن الأشخاص كان أداؤهم  أسوأ في حل المسائل، عندما قُدم لهم  مشروب الطاقة بسعر مخفض مما كان  عليه (أداؤهم) عندما قُدم لهم نفس المشروب بالسعر الكامل (دون تخفيض).

فهل يحتاج المسوقون فعلاً إلى أن يقال لهم إن أدمغة الناس تستجيب  بشكل مختلف لمشروبيّ الكوكاكولا والبيبسي لمعرفة  أهمية العلامة التجارية؟.

التشاؤم حول مسوحات الدماغ لم يُخفف ( يُلطف) عن طريق الخلافات التشاجرية بين الأكاديميين الحذرين والمسوقين المتحمسين. فقد نشر في عام ٢٠١١، مستشار العلامة التجارية مارتن ليندستروم افتتاحية في نيويورك تايمز المقترح التالي:  على أساس بيانات الرنين المغناطيسي الوظيفي، الحالة  التي  يشعر بها مستخدمو الآيفون iPhone تجاه هواتفهم تشابه  الحب الرومانسي .

وقام  أربعة وأربعون من الأكاديميين بتوجيه خطاب إلى صحيفة نيويورك تايمز  منتقدين فيه هذه الافتتاحية.  هذا الشك قد يتلاشى قريبًا لسببين.

ولاً: لقد تطور العلم بسرعة في السنوات الخمس الماضية وبدأ في التحقق من صحة بعض ادعاءات “قراءة الأفكار” الجريئة التي قدمها ليندستروم ومؤيدو التسويق العصبي الأوائل.

ويقول مايكل بلات ، مدير مبادرة وارتون للعلوم العصبية، إن فريقًا من جامعة بنسلفانيا على وشك إثبات أنه على المستوى العصبي؛ يحب الناس هواتفهم الذكية بالأسلوب الذي ادعاه ليندستورم.  وكلما أصبح  العلم  أكثر رسوخاً – وكلما  غادر المتخرجون بدرجة الدكتوراه في العلوم العصبية  المختبرات الأكاديمية الى الشركات الصناعية – فمن المحتمل أن تصبح عمليات مسح الدماغ أكثر شعبية بين المسوقين.

أساليب التسويق العصبي:( نظرة عامة)

التسويق العصبي يتطلب وسائل ومهارات متخصصة بعيدة عن متناول معظم الشركات نفسها.  عندما يتطلع المديرون التنفيذيون إلى إشراك أحد مزودي  خدمات التسويق العصبي الكثيرة ، ينبغي عليهم  معرفة  أهم ميزات ومميزات الأساليب  المتاحة.   ثانياً ، أثبتت سلسلة من الدراسات الأكاديمية أن بيانات الدماغ يمكن أن تتنبأ بنجاح مستقبلي للمنتجات بدقة أكبر من أدوات أبحاث السوق التقليدية كالدراسات الاستقصائية ومجموعات التركيز.

على سبيل المثال ، في عام ٢٠١٢ ، وجد باحثون في جامعة إيموري Emory أن ذلك النشاط في منطقة معينة من الدماغ ، كما قيس بالرنين المغناطيسي الوظيفي أثناء الاستماع إلى الموسيقى ، يرتبط بشكل كبير بالشعبية المستقبلية للأغنية كما قيست ببيانات المبيعات بعد ثلاث سنوات.  ولكن عندما سئل المشاركون عن مدى إعجابهم بالأغاني التي سمعوها ، لم تتنبأ ردودهم بالمبيعات.

ووجدت الدراسات أيضًا أن مسوحات الدماغ التي أجريت أثناء مشاهدة المشاركين إعلانات عن مكافحة التدخين أنها  تنبأت بحجم المكالمات لخطوط تلفون الإقلاع عن التدخين الساخنة، في حين أن الدراسات الاستقصائية التقليدية لفعالية الإعلان التجاري لم تنجح في  ذلك.

استخدم فريق من جامعة ستانفورد التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للتنبؤ بنجاح الطعون في  القروض الصغرى والتمويل الجماعي على الإنترنت بشكل أفضل من الاستطلاعات التقليدية.

إذ توقع فريق بقيادة موران سيرف Cerf ، بروفيسور علوم الأعصاب والأعمال في جامعة نورث وسترن ، بنجاح الأفلام بدقة  أكثر من ٢٠٪  مقارنة بالأساليب  التقليدية عن طريق استخدام تزامن قراءات الـ EEG للجمهور أثناء مشاهدتهم مقاطع من الأفلام.

وتُظهر هذه التجارب فوائد التسويق العصبي على الأساليب التقليدية ، والتي لها نقاط ضعف متأصلة وبليغة  على سبيل المثال ، المستجيبون دائمًا غير مستعدين لتقديم معلومات عن ذكرياتهم ومشاعرهم وتفضيلاتهم. حيث ان لدى  الناس ذكريات خاطئة، مما يجعلهم يكذبون عندما يحاولون إرضاء غيرهم أو حين يشعرون بالحرج ؛ تصوراتهم يمكن أن تتأثر بكيف  يُطرح السؤال (عليهم). ويقول بلات Platt: “ما يخرج من أفواهنا ليس دائمًا ترجمةً مثاليًةً لما يحدث في أدمغتنا”.

يمكن أن يتغلب اختبار السوق Market testing على هذه النواقص، ولكن قد يكون اجراؤه باهظًا، وقد يتضمن مخاطر l تنبيه المنافسين على الابتكارات ، ولا يمكن تنفيذه إلا في وقت متأخر من عملية التطوير ، عندما تكون أنظمة الإنتاج والتوزيع قائمة بالفعل.

فـ مقاربات التوفيق، كالأسواق المحاكاتية والتحليلات المقترنة ، تنطوي على بعض المفاضلة بين التكلفة والجودة.  التنبؤ العصبي “Neuroforecasting” ، كما صاغ عالِم الأعصاب في ستانفورد براين كنوتسون  القدرة التنبؤية لبيانات الدماغ ، يبدو أنه يمكن أن يتجنب هذه المشاكل.

تكنولوجيا تتبع العين وترميز الوجه  يساعدان في تحسين تأثير المحتوى الإبداعي. ومع ذلك لا يزال يتعين على هذه الأساليب أن تشق طريقها إلى مجموعات أدوات تسويق عادية ، لأنها غالية الثمن ويصعب إدارتها تقنيًا.    ومع هذا، تعتقد أوما كارماركار Uma Karmarkar، باحثة الاقتصاد العصبي في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، أنه في بعض المواقف العالية المجازفة – مثل إطلاق منتج كبير من قبل شركة عملاقة للسلع الاستهلاكية – فإن الفائدة الإضافية على الطرق التقليدية تجعل عمليات المسح الدماغي تستحق الثمن.

و”ما ينبغي أن يكون مثيرًا بشكل خاص للمسوقين هو احتمال أن يكون عدد صغير فقط من الأشخاص قادرين على التنبؤ [بدقة] بكيف ستستجيب قاعدة عملاء كبيرة” ، كما قالت مؤخراً.  يوافق سيرف Cerf على أنه: “عندما تُحسب المخاوف المتعلقة بوقت وجهد وتكلفة وجودة الطرق التقليدية للوصول الى  وجهات نظر شخص ، فإن التنبؤ العصبي neuroforecasting هو في الواقع منافس قادر على البقاء.

“قياس الإشارات الفسيولوجية : على الرغم من هذه التطورات ، كان المسوقون العصبيون neuromarketers أسرع في تبني أدوات أقل تكلفة ، مثل تقنية تتبع العين وتشفير الوجه.

على سبيل المثال، تقول شركة نيلسن، إحدى الشركات الاستشارية الرائدة في مجال مزدحم بالشركات ، إنها تستخدم تقنية تتبع العين  لتساعد  العلامات التجارية على أن  تضمن أن يكون انتباه العملاء مركزاً في اللحظة الصح  وعلى الأشياء الصح (عندما يظهر شعار الشركة، على سبيل المثال) ،  وتشفير الوجه للمساعدة في ضمان أن الإعلان يؤدي فعلاً إلى اثارة الاستجابة التي صممت الدعاية التجارية لإثارتها (على الرغم من أن شركة نيلسن نادراً ما تستخدم أيًا من أدواتها بمعزل عن غيرها).  وفي الواقع ، فإن الرؤى التي تقدمها الأدوات الفسيولوجية عادةً مفيدة بشكل خاص لتصميم الإعلانات التجارية – سواء كان، في حالة وجود حافز معين كالإعلان التجاري، شخص ما يشعر بانفعال شديد ويولي اهتمامًا ، ويتذكر المحتوى. كما يقول هورست ستيب Horst Stipp من مؤسسة أبحاث الإعلانات التجارية: “ليس هناك ما هو أكثر أهمية لفعالية الإعلانات التجارية من الإبداع الجيد”.

“وهناك دليل جلي على أن أساليب البحث التسويقي المستند إلى علوم الأعصاب يمكن أن تجعل الإعلان التجاري  أكثر فاعلية”.  إلا أن العديد من الأكاديميين يفضلون مسح الدماغ على البدائل  الفسيولوجية لإجراء أبحاثهم.  كما يقول كنوتسون Knutson: “وجهة نظري العامة هي أنه كلما زاد استفادتك من الدماغ الفعلي ، كلما كانت قياساتك أسوأ”.

ولذا من المرجح أن تظل أساليب القياس الفسيولوجي لها شعبية  في الصناعة، لأنها كانت موجودة لفترة أطول، وأقل تكلفة، وتتطلب لتشغيلها خبرة تقنية أقل، ويمكن إقرانها بسهولة بأدوات بحث تسويقية تقليدية أكثر، كالدراسات الاستقصائية، ومجموعات التركيز  ، وما يسمى بقياس الارتباط الضمني(على سبيل المثال، الوقت الذي يستغرقه الحصول على الرد بعد طرح السؤال).

الجهاز العصبي أداة بيع، لذا هل يجب على الشركات الاستثمار في التسويق العصبي، سواء من خلال عمليات مسح  الدماغ أو من خلال أساليب أرخص؟ فقد قام البعض بالفعل بذلك: حيث قامت  شبكة تلفزيون  NBC وشبكة  تايم ورنر  TimeWarner بتشغيل وحدات التسويق العصبي لسنوات، وقامت شركات التكنولوجيا مثل مايكروسوفت Microsoft و غوغل Google و فيس بوك Facebook بتكوين وحدات من هذه التقنية  مؤخرًا. وتقول اوما كارمكار Karmarkar أن القدرة العصبية داخل الشركات لا تزال بعيدة المنال بالنسبة لمعظم الشركات ببساطة بسبب النفقات الباهظة ولكن يمكن للشركات الأصغر أن تتطلع إلى شراكة مع شركات استشارية متخصصة.

ومع ذلك ، فقد حذرت أومأ وخبراء آخرون من أن هذا الحقل يعاني من مقدمي خدمات (بائعين)  يفرطون في بيع مما يمكن أن يقدمه التسويق العصبي. ويقول سيرف: “لا يزال هناك الكثير من زيت الثعابين “، مضيفًا أنه قد تم الاتصال به من قبل أكثر من ٥٠ شركة بخصوص  “عروض علوم الأعصاب (تسويق علوم الأعصاب)” باحثين عن مصادقته على العرض .

ويقول: “لقد وجدت فقط ست منها تستوفي معيارًا أساسيًا أعتبره مفيدًا للمدراء”.أما المجموعات الصناعية تحاول مساعدة المسوقين على تقييم قيمة أساليب التسويق العصبية المختلفة.   على سبيل المثال ، نشرت مؤسسة أبحاث الإعلانات التجارية في عام ٢٠١٧، اختبارًا أكاديميًا واسع النطاق لمعرفة ما إذا كانت الأدوات العلمية العصبية أفضل في التنبؤ بالسلوك على مستوى السوق من الأساليب  التقليدية مثل مجموعات التركيز وقياسات  الارتباط الضمني: فقد اختبر باحثون في جامعة تمبل وجامعة نيويورك دراسات التسويق التقليدية  على مجموعة متنوعة من الأساليب “العصبية”، بما في ذلك تقنية تتبع العين ومعدل ضربات القلب وموصلية الجلد و EEG و fMRI.    وأظهر التحليل اللاحق أن التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي يوفر أهم تحسن في القدرة التنبؤية على الطرق التقليدية ولكن الأساليب الأخرى كانت مفيدة لتحسين الإبداع الإعلاني وفعاليته.

في حين قد يبدو التلاعب العصبي مروعاً، لكن المستهلكين يتأثرون بالفعل.  فـ تقليديًا، يهتم المسوقون بأكثر من مجرد قياس تفضيلات المستهلك؛  كما يحاولون تغييرها.  بدأ الباحثون في علم الأعصاب في التحقق مما إذا كان يمكن استخدام الدماغ للتأثير في عمليات الشراء – وهو مجال دراسة  يؤدي الى إثارة، وكذلك يثير مخاوف أخلاقية.

فيما يلي نستعرض بعض الطرق التي يمكن بها استخدام علوم الأعصاب في المستقبل للتأثير على سلوك المستهلك:

• تقسيم أفضل.

يرغب المسوقون في معرفة أي جزء من السكان أكثر انفتاحًا على جهود الإعلان التجاري  والعلامة التجارية.  هذا التقسيم  يُِنفّذ بشكل تقليدي وفقًا للعوامل الديموغرافية (العمر والثروة ، على سبيل المثال) أو السايكوغرافيكس psychographics – وهي دراسة وتصنيف السكان من حيث الأمزجة والطموح وغيرها من المعايير النفسية (الاندفاعية).  قد يكون من المفيد بشكل أكثر تقسيم المستهلكين حسب الاختلافات في الدماغ: وجدت دراسة أجراها باحثو  الأعصاب في كلية إنسيادINSEAD اختلافات في أدمغة الأشخاص الذين يتأثرون بسهولة بإلماعات  التسويق.

• وكزة النوم .

لقد عرف باحثو علم الأعصاب أننا عرضة للتأثير أثناء فترات نومنا.  وجدت دراسة أجريت عام ٢٠١٥ أن تعريض المدخنين لرائحة السجائر الممزوجة بالبيض الفاسد خلال “المرحلة الثانية من النوم ” (عندما يستعد لجسم للنوم العميق) أدى إلى انخفاض في التدخين لعدة أيام.  منذ ذلك الحين ، أظهر عمل مماثل القدرة على زيادة الأفضلية لبعض المنتجات أو الترويج لسلوكيات معينة.

• التلاعب بالهرمونات.

يتأثر نشاط الدماغ بالعوامل العصبية ـ هرمونات الدماغ (مثل هرمون التستوستيرون والكورتيزول والأوكسيتوسين) والناقلات العصبية (المراسيل الكيميائية) التي تسمح لخلايا الدماغ بالتواصل مع بعضها البعض.  يدرس الباحثون حاليًا كيف يتغير سلوك المستهلك عند تغيير هذه العوامل العصبية.  في عام ٢٠١٥ ، وجدوا أن حقن المستهلكين بجرعات من التستوستيرون زاد من تفضيلهم للعلامات التجارية الفاخرة ؛  افترض الباحثون أن السلع الفاخرة تمثل علامات اجتماعية وأن هرمون التستوستيرون يجعل الناس أكثر حساسية للوضع (المقام) الإجتماعي.

• التثبيط العصبي المؤقت.

آلات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS) تستخدم الحقول المغناطيسية لتحفيز الخلايا العصبية في الدماغ أو تثبيطها ، “مؤقتًا” ازاحة  مناطق معينة  كما  يحدث عندما  يصاب الدماغ.  في عام ٢٠١١ ، استخدم باحثو  الأعصاب الـ TMS لتثبيط النشاط في قشرة الفص الجبهي الإنسي الخلفية ، ووجدوا أن القيام بذلك قلل من الدرجة التي أظهر بها الناس سلوكاً  موافقاً اجتماعيًا (سلوك يتسق مع سلوك المجتمع).

وعمل موران سيرف مع أشخاص ثُبط أو ضُخم خوفهم أو اشمئزازهم لمعرفة ما إذا كانوا يظهرون  اختلافات في استجابتهم لأشياء قد تكون مخيفة في العادة (حشرات ، أو ،قل، كوارث طويلة الأجل) ومعرفة ما يمكن القيام به لجعل الناس أكثر عرضة للرسائل التي تشجعهم على التعامل مع هذه الأشياء – على سبيل المثال ، لأكل الطعام المحضر من الحشرات، والتي تُعد مصدرًا جيدًا للبروتين بتأثير بيئي منخفض.

وعلى الرغم من أن التلاعب العصبي قد يصدم  البعض كشيء مروع  ، وحتى كواقع مرير، المدافعون يشيرون إلى أن المسوقين يستخدمون بالفعل أساليب للتأثير على المستهلكين دون علمهم.   “إذا رأى رجل إعلانًا عن شاحنة وامرأة مثيرة (جنسياً)  تقف أمامها، فسوف يتأثر بالنموذج الغريب، حتى لو لم يدرك ذلك” كما يقول مايكل بلات، الذي نظمت مجموعته مؤخرًا مؤتمراًعن أخلاق التأثير على الدماغ  neuroethics، “يجب علينا إشراك الناس في القانون وحماية المستهلك لإجراء هذه المحادثات.  لكنني لست منزعجًا بشكل رهيب من هذه النقطة. ”ويشير هو وآخرون إلى أنه من شبه المستحيل حاليًا استخدام أدوات علوم الأعصاب للتلاعب مادياً  بأدمغة الناس دون موافقتهم.

لكن أشكال التلاعب الأخرى خفية.  يقول سيرف إن أكثر ما يهمه هو عدم وجود شفافية حول ما يحدث في مختبرات علم الأعصاب في الشركات الكبرى ، ولا سيما عمالقة التكنولوجيا مثل فيس بوك  Facebook و غوغل Google أمازون Amazon.

حيث تخضع بعض الشركات بالفعل للتدقيق لإجرائها تجارب دون موافقة المستخدم – مثلما حدث عندما تعاملت فيس بوك Facebook مع ما يقرب من ٧٠” ألف حالة مزاجية للمستخدمين في عام ٢٠١٢ عن طريق تغيير ملفاتهم الإخبارية دون إبلاغهم.    يقول سيرف: “ما يقلقني هو ما إذا كانت هذه الشركات لا تمتثل للأوامر بل تعمل ما يحلو لها”.  “إنها بالفعل توظف باحثو أعصاب من مختبراتي ومن مختبرات آخرين ، ومع ذلك فإنني والآخرون في الأوساط الأكاديمية ليس لديهم سوى القليل من الرؤى الثاقبة عما يعمل هؤلاء الباحثون عليه .

”  أنا فقط أمزح  ولكني جاد عندما أقول  للناس في اللحظة التي تقدم فيها شركة تكنولوجيا الـ EEG ليتصل  بجهاز مساعدهم المنزلي –  يجب أن نشعر بالذعر. “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى