أقلام

طريق الظهران-الدمام- رأس تنورة- الجبيل الصناعية-الاحساء

أمير الصالح

قضيت أكثر من ثلاثة عقود متنقلًا بين مدن الدمام-الظهران-رأس تنورة-الجبيل الصناعية-الاحساء، ذهابا وإيابا من أجل إنجاز أعمال ترتبط بالوظيفة والتحصيل العلمي. لم أفتأ عن استخدام الطرق التي تربط تلكم المدن حتى بعد تعرضي كضحية لحوادث مرورية لأكثر من مرة. إلى جانب أني عملت في مدن أخرى داخل وخارج الوطن لصالح العمل المهني إلا أن التنقل بين تلكم المدن هو نصيب الأسد من عمري في التنقل المهني. أثناء التنقل من مكان عمل لآخر، شاهدت وعايشت أحداثا كثيرة متنوعة، منها الجميل من الأحداث ومنها المؤلم ومنها الضاغط من الأعمال ومنها المحفز ومنها المبهج من الأخبار ومنها المحزن. وكأن لسان الحال يقول إني التقطت صورا متناقضة في مسيرة الطريق للعمل. بالمقارنة مع تدفق العربات والتنقل البشري مع منطقة Tijuana -California المكسيكية – الأمريكية، فإني أزعم بأن التنقل اليومي على تلكم الخطوط البرية بين المدن المذكورة في عنوان المقال أكبر منها بعدة أضعاف. إلا أن عدد الإصابات والمخالفات والحوادث بين المدن المذكورة كان يدمي القلب. على مدى سنوات فائتة، تعرض الكثير من الناس في تلكم الطرق للحوادث. وإني أحمد الله على انخفاض عدد الحوادث بُعيد تنشيط الرقابة الالكترونية.

راودتني فكرة تخليد ذكريات تنقلي بين تلكم المدن وانطباعاتي عن المدن المذكورة بفيلم وثائقي، إلا أن الإمكانيات الفردية المتاحة لي غير مناسبة لهكذا عمل توثيقي عن ذكريات تمتد لعقود. ما قد يعزز قيمة الفيلم الوثائقي لو تم تبنيه هو أن المدن المذكورة وعلى مدى ثمانين سنة تقاطر إليها من أقصى المعمورة موظفون ورجال أعمال وعمال وتجار ومدراء وخبراء ومدنيون من كل الجنسيات والأعراق والألسن والقوميات والديانات والحضارات في العالم. وثانيا أن معظم رواد الصناعة والهندسة في دولتنا العزيزة قد ارتادوا تلكم الطرق أثناء عملهم أو دراستهم أو تدريبهم المهني. على مدى عقود وفي عدة مناقشات ومدارسات مع أبناء الجاليات المختلفة من العمال المتقاطرين من مختلف دول الجوار ودول العالم تعرفت على ثقافات متنوعة ورؤى فكرية متفاوتة وأساليب معيشية مبتكرة وطموحات حياة متعددة وطرق تفكير ونظرات للحياة متضادة وممارسات بشرية بألوان الطيف. وهذه الأشياء تثير في النفس الحماس المعرفي وقراءة التنوع الحضاري وتخصب لدى المتابع إدارة الاختلاف.

كل مدينة مشمولة في العنوان نحتت شيئا في ذاكرتي بناء على الانطباعات والمشاهدات والاحتكاك بأهل تلكم المدينة؛ فمدينة الاحساء ترمز عندي للأصالة والنخيل والنفط والمياه والتقاليد المتجذرة والتسامح والتعايش السلمي والكدح الشريف وحب الخير وبشاشة الوجه والبساطة والتواضع ومعالجة الأمور بسعة الصدور وطول البال. ومدينة الظهران ترمز حسب قراءتي لخصوبة التحديات في الأعمال ومتابعة شؤون التقنية والصناعة والهندسة والجدية والمشاريع العملاقة والإعداد المهني والتنوع البشري واختلاف الثقافات وتعدد الألسن والدهاء وإدارة الصراع الوظيفي والتنافس بكل أطيافه والدراسة الأكاديمية. ومدينة الخبر تركت لدي انطباعا عن حسن الترتيب ومظاهر الفشخرة والانفتاح المدني والتنوع الطبقي. ومدينة الدمام تركت لدي انطباعا عن الازدحام و المجاملات والكانتونات الاجتماعية وتكوين الائتلافات وتدبر الحال مع تفاوت الدخول المالية وتنوع الأنشطة التجارية وحدة البحث عن إشباع الطموح. ومدينة رأس تنورة تركت انطباعا لدي عن أن العمل هو محور كل شيء، فليس هناك أي شي سوى منطقة العمل. ومدينة الجبيل الصناعية تركت انطباعا لدي عن الحديث في شؤون البيئة والتقسيمات الاجتماعية والقبلية والصناعة البتروكيميائية والنمو والفرص الوظيفية والبحث عن مجتمع بديل أمر قائم. هكذا ألوان لحراكات اجتماعية مختلفة تستنهض العقل لتأملات عديدة وتستحق أن توثق في فيلم وثائقي بتفاصيل متعددة ومن زوايا كثيرة.

ملحوظة: المقالة تسلط الضوء كلقطات انطباعية لمناطق عمل قضيت جل عمري المهني فيها ولا تتكلم عن مدن سكنتها أو ارتحلت لها أو زرتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى