أقلام

الحرية الدينية بين الإسلام والليبرالية

علي محمد عساكر

هل يتمتع الإنسان بالحرية الكاملة في اختيار الدين الذي يريد؟، فله أن يكون مسلما، أو يهوديا، أو مسيحيا، أو بوذيا، أو هندوسيا…بل وله أن يكفر بجميع الأديان، ويكون ملحدا، باعتبار أن ذلك حقّ من حقوقه المشروعة؟، أم أنه مسلوب هذه الحرية، ويجب عليه أن يدين بدين معيّن، ويلتزم بشريعة ذلك الدين، باعتبار أن التدين ليس حقا للإنسان، وإنّما هو واجب عليه؟

الرأي الليبرالي:
من الأسس التي يقوم عليها الفكر الليبرالي هو الاعتقاد بنسبية الحقيقة، سواء على مستوى الأفراد، أو حتى على مستوى الأديان، فوفق الفكر الليبرالي لا يمكن لأحد أن يدعي امتلاك الحقيقة كاملة، بل كل فرد يملك من الحقيقة نصيبا، كما لا يمكننا حصر الحقيقة في دين معيّن، أو ملّة معيّنة، أو شريعة معيّنة، بل الحقيقة موزّعة بين جميع الملل والأديان بنسب متفاوتة، فكل دين يملك شيئا من الحقيقة، وليس هناك دين يملك الحقيقة المطلقة أبدا وعلى الإطلاق.

كما تؤكد الليبرالية على أن الإنسان حرّ في كل شؤونه ما لم تهدد حريته السلم الأهلي، أو تتصادم مع حريات الآخرين، وليس لأي أحد، أو أية هيئة -سواء كانت دينية، أو غير دينية- أية سلطة عليه، لتفرض عليه عملا معيّنا، أو تلزمه باعتقاد معيّن، أو دين معيّن، أو شريعة معيّنة .

وبما أن الحقيقة نسبية وموزّعة بين الأديان، ولا يوجد دين يملك الحقيقة كاملة، كما أن الإنسان حرّ على الإطلاق، وليس لأي أحد ولا لأية جهة سلطة عليه، فتكون النتيجة المترتبة على ذلك أن الإنسان يملك حرية التدين والاعتقاد، فله أن يدين بأي دين يشاء، كما له أن يكفر بجميع الأديان ويتحرّر منها، ولا يتعبّد بشرائعها.

وقبل أن ننتقل إلى بيان الرأي الإسلامي في الموضوع لا بأس أن نلفت النظر إلى ما في الرأي الليبرالي من تناقضات، إذ في الوقت الذي تؤكد فيه الليبرالية الحرية المطلقة للإنسان، وتقول بعدم وجود أية سلطة عليه، تعود لتقيّد تلك الحرية بوجوب عدم تصادمها مع حريات الآخرين، أو تهديدها للسلم الأهلي.
وهذا يعني عدم إمكان تحقّق الحرية المطلقة أصلا، كما يعني اضطرارنا في الاحتياج إلى السلطة والقانون لنلزم المجتمع به، ونعاقب من يخالفه، أو يقوم بتهديد السلم الأهلي، أو يعتدي على حريات الآخرين، فكأنما الليبرالية تعطي الإنسان الحرية المطلقة بيد وتسلبها منه باليد الأخرى، كما أنها ترفع عنه السلطة والقانون وتفرضهما عليه في وقت واحد!

الرأي الإسلامي:
إن الفكر الإسلامي يختلف مع الفكر الليبرالي في القول بنسبية الحقيقة المطلقة -خصوصا على مستوى الأديان- كما يختلف معه في سعة هذه الحرية الممنوحة للإنسان، والتي وصلت في الفكر الليبرالي إلى حدّ رفع كل سلطة عنه، وأعطته الحق الكامل في أن يفعل كل ما يشاء كما يشاء.

فالفكر الإسلامي يدعي امتلاك الإسلام للحقيقة المطلقة، وينكر ما تذهب الليبرالية إليه وتنظر له من القول بنسبية الحقيقة.

وإذا كان الفكر الإسلامي يخالف الفكر الليبرالي في القول بنسبية الحقيقة على وجه العموم، فإنه يختلف معه -كل الاختلاف- في القول بنسبية الحقيقة بين الأديان على وجه الخصوص، ففي الوقت الذي لا ينكر فيه الإسلام وجود مشتركات بينه وبين غيره من الملل والنحل والأديان، إلا أنه يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة على مستوى الأصول والفروع وما يرتبط بهما، ويرى أن كل ما يخالفه هو زخرف وباطل، سواء كان ذلك على مستوى الاعتقاد أو التشريع.

 تأكيد القرآن على أن ما أنزله الله هو الحق:

ولو سبرنا القرآن الكريم لوقفنا على عشرات الآيات التي تؤكّد أن الإسلام -عقيدة وشريعة- هو الحق المبين، الذي ليس فيه أي باطل أبدا وعلى الإطلاق، وإليك هذا القليل من ذاك الكثير من تلك الآيات البيّنات: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} ، {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} ، {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}، {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}، {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ}، {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} ، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}، {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ}، {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} ، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ، {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ} ، {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} ، {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ، بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}.

إلى غير ذلك من الآيات البينات التي تؤكّد أن دين الله عز وجل هو (دين القيمة) وأنه الحق المطلق، وأن الذين لا يدينون بالإسلام إنّما هم -كما يصفهم القرآن الكريم-: {لَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} مما يثبت لنا أن الإسلام لا يقرّ ما تدعيه الليبرالية من نسبية الحق في الأديان، ويؤكد أنه يملك الحقيقة المطلقة، وأن كلّ من خالفه فقد خالف تلك الحقيقة، وحاد عن الصراط المستقيم، وابتعد عن الحق المبين.

نعم، هناك مشتركات بين الإسلام وغيره، ولكن هذا يختلف عن القول بنسبية الحقيقة، كما لا شك أن الوصول إلى تلك الحقيقة أمر نسبي، ولا يمكن أن ندعيه، أما أصل امتلاك الإسلام الحقيقة المطلقة، فهو مما لا شك فيه من وجهة نظر دينية إسلامية.

 الإنسان بين الحقوق والواجبات:

أمّا الإنسان، فمع أن الله عز وجل خلقه حرّا مختارا، إلا أن الإسلام جعل له حقوقا وفرض عليه واجبات، وأعطاه حقّ التصرّف في حقوقه كما يشاء في حدود ما شرّع الله عز وجل، كما أوجب عليه القيام بما فرض عليه من واجبات.

فالقصاص حق للإنسان، له أن يطالب به وله أن يتنازل عنه، ولكن ليس له أن يعتدي، أو يتجاوز ما شرعه الله من قصاص إلى البغي والظلم والانتقام، والزواج حق للإنسان، فله أن يتزوج ويحصّن نفسه، وله أن يعيش أعزبا، ولكن ليس له أن يمارس الفاحشة لإشباع غريزته، كما له حقّ التصرّف في ماله وملكه بالبيع والشراء والتجارة والهبة والهدية…ولكن ليس له أن يتعامل بالغش والربا، أو أن يبذل المال في المحرم…وهكذا كل ما هو حقٌّ للإنسان له حقّ التصرّف فيه، ولكن في حدود ما رسمه الشارع المقدس.

وفي مقابل هذه الحقوق التي له فيها حقّ التصرّف، عليه واجبات لابدّ له من القيام بها، سواء على الصعيد العقائدي، أو العبادي، أو العملي، وعليه سلطة تحاسبه وتعاقبه إن هو ترك تلك الواجبات، ولم يقم بأدائها كما يريدها الله عز وجل منه.
فعلي الصعيد العقائدي، الإنسان لا يملك حرية اختيار الدين الذي يريد، بل يجب عليه أن يدين بدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وهو الإسلام.

وعلى الصعيد العبادي، يجب عليه الالتزام بكل التكاليف العبادية التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده من صلاة وصوم وحج…وغيرها.

وعلى صعيد السلوك يجب عليه الالتزام بالقيم الفاضلة من صدق ووفاء وأمانة وعفة… والتنزه عن كل الرذائل من كذب وغيبة ونميمة وسرقة وزنا…

وبكلمة: على الإنسان أن يلتزم بالدين الإلهي الذي جعله الله لعباده على مستوى العقيدة والشريعة، فكل هذه القضايا هي واجبة على الإنسان، وليست حقا له، وهو ملزم بها، ولا فرار له منها، فإن التزم فهو مأجور ومثاب، وإن لم يلتزم فهو مأثوم، ومحاسب على تركه، أو إهماله وتقصيره.

والخلاصة التي نصل إليها على ضوء هذا العرض هي أن الفكر الإسلامي يخالف الفكر الليبرالي -سواء في القول بنسبية الحقيقة بين الأديان، أو في إعطاء الإنسان حرية الدين والاعتقاد، أو التشريع وسن القوانين والأحكام- فالإسلام يرى أنه يملك الحقيقة المطلقة، كما يذهب إلى أن التدين ليس حقا للإنسان ليمكنه تركه، أو أن يكون له اختيار الدين الذي يريد حسب رأيه وأهوائه، بل يجب عليه أن يدين بدين الحق الذي أراده الله لعباده، وهو الإسلام، وأن يلتزم بكل التشريعات الإسلامية المشرّعة من قبل رب العالمين، وليس له أن يكفر بذلك الدين، ولا أن يأتي لنفسه بشريعة تخالف شريعة رب العالمين.

الحرية الدينية على ضوء النصوص القرآنية:

إن القول بأن الإسلام لا يقرّ الحرية الدينية، ولا يسمح بمخالفة التشريعات الإلهية، ولا يعتبر ذلك حقا للإنسان، بل يعتبر الإيمان بالله، والعمل بشريعته واجبا عليه، وأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من الإنسان الكفر والإلحاد، ويفرض عليه اعتناق الدين الإسلامي باعتباره دين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، والذي لم يبعث سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء إلا من أجل تبليغه إلى الناس، ودعوتهم إلى اعتناقه، وحثّهم على العمل بشريعته، والالتزام بأحكامه وقوانينه، هو ما تؤكّده النصوص الإسلامية كتابا وسنة.

ولو أننا ذهبنا نستقصي هذه النصوص، ونسلّط الضوء عليها شرحا وتبيانا، لملأنا صفحات كثيرة جدا، لكننا نكتفي من كل ذلك ببعض الآيات الكريمات الواردة في هذا المعنى، فمن ذلك قوله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.

فالآية الكريمة تأمر الإنسان بأن يقيم وجهه للدين الإسلامي، بمعنى أن يقبل عليه بكلّه، لا يميل عنه إلى غيره، ولا يخالف تشريعاته، مؤكّدة له أن هذا الدين هو الدين القيّم المعتدل، المتناسب مع الفطرة الإنسانية.

والآية الكريم تضمّنت فعل الأمر {أَقِمْ} وفعل الأمر المجرّد من قرائن الاستحباب والإباحة يدلّ على الوجوب، وفعل {أَقِمْ} في هذه الآية الشريفة مجرّد من تلك القرائن، فهو دالٌّ على وجوب التوجّه إلى الإسلام، واعتناقه دون غيره من الأديان، والعمل بتشريعاته دون غيرها من التشريعات، باعتبار أن قوام الدين بقوام شرائعه.

وقد أكّد هذا الوجوب ما بعد هذه الآية من الآيات التي تدعو الإنسان إلى الإنابة إلى الله عز وجل، وتنهاه عن الشرك به، أو التفرّق في دينه سبحانه وتعالى.

وفي آية أخرى يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}.

فالآية تؤكّد أن الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وأرسل الرسل لتبليغه واحد، هو (الإسلام) وأن الرسل والأنبياء كانوا يتدرّجون في تبليغه إلى الناس بما يناسب مستوياتهم العقلية والفكرية، فكلما نضج الإنسان فكريا وتطوّر علميا، أرسل الله له رسولا بشريعة تناسب ذلك التطوّر والتقدّم، إلى أن اكتمل الدين الإسلامي، وختمت الشرائع بالشريعة الإسلامية الغراء، مما يعني أن دين الله واحد هو الإسلام، تكامل بشرائع متعددة، هي شرائع أولي العزم من الرسل، وهم: (نوح وإبراهيم موسى وعيسى ونبينا الأعظم الأكرم محمد صلى الله عليه وآله) الذي هيمنت شريعته على الشرائع، وبها أكمل الله الدين، وأتمّ النعمة، ورضي الإسلام لنا دينا.

وأمّا اختلاف أهل الكتاب من اليهود والنصارى في الدين، وتفرّقهم فيه، فلم يكن عن جهل منهم بأن دين الله واحد بشرائع متعددة، فقد جاءهم العلم بذلك بما أنزل الله على أنبيائهم من كتب إلهية مقدّسة، وإنّما دفعهم إلى ذلك التفرق والاختلاف ظلمهم وبغيهم {وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
ولأن اختلافهم وتفرّقهم في الدين إنّما كان عن بغي وظلم، وجّهت الآية الكريمة رسول الله بعدم الدخول معهم في جدال عقيم حول إعراضهم عن الدين، واختلافهم فيه، وانحرافهم عن شريعته، وأمرته بأن يقول لهم -إن هم حاجّوه-: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} كناية عن التسليم المطلق لله، والالتزام الكامل بشريعته، وذاك هو حقيقة الإسلام، ثم يسألهم ويسأل الأميين معهم إن كانوا أسلموا لله لوضوح الحق لهم {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا} إذ لا هداية إلا في الإسلام وشريعته، وإن تولّوا وأعرضوا عن الإسلام، فما على رسول الله إلا البلاغ المبين، وإن الله بعباده لخبير بصير.

ولعلّ أوضح آية في عدم حرية الإنسان في اختيار الدين الذي يريد، وعمله بالتشريعات التي يهوى، وأنه لابدّ له من اعتناق الإسلام دون غيره من الأديان، والعمل بشريعته دون غيرها من الشرائع، هي قوله عز وجل: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

والابتغاء هو الطلب، والمعنى: ومن يطلب لنفسه دينا آخر غير الدين الإسلامي الذي ارتضاه الله لعباده، ويعمل بشريعة أخرى غير شريعته التي شرّعها الله لهم، وأمرهم بالعمل بها، فإن الله عز وجل لن يقبل ذلك الدين منه، ولن يعذره على عدم تديّنه بالإسلام، وعدم عمله بشريعته، وأن مصيره يوم القيامة هو الخسران المبين.

وقد قال تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
فنحن مأمورون دينيا بإتباع صراط الله المستقيم، المتمثّل في دينه وشريعته سبحانه وتعالى، وألا نتبع أي سبيل آخر، حتى لا نتفرّق عن سبيله فنقع في التيه والضلال.

أمّا الآيات التي تؤكد أن الشرك والكفر بالله عز وجل هو أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، وأن الله يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك، وأنه سبحانه وتعالى حرّم الجنة على الكافرين به، المعرضين عن دينه، المخالفين لشريعته، فهي تكاد لا تحصى كثرة.

فإذا كان الإسلام يقرّ حرية الاعتقاد الديني، ويسمح للإنسان أن يشرّع لنفسه الشريعة التي يريد، ويعدّ ذلك حقا مشروعا له، فلماذا يعذّب الله الكافرين به بعدم دخولهم في دينه، وتركهم العمل بشريعته؟!، أيعقل أن يعطي الله عز وجل الإنسان حرية الاعتقاد الديني، ويبيح له مخالفة تشريعاته إلى تشريعات يضعها لنفسه بنفسه، ثم لا يقبل منه أي دين ولا شريعة إلا الإسلام وشريعته، ويعذّبه على عدم تديّنه به، وعدم التزامه بشرائعه عذابا أبديا؟!، ألا يعدّ ذلك من الظلم الفاحش الكبير، الذي تنزّه الله عز وجل عنه؟!

مع آيات حرية الاعتقاد:

في القرآن الكريم بعض الآيات التي ربّما فهم منها البعض أن الإسلام منح الإنسان حرية الاعتقاد الديني، وأن يشرّع لنفسه الشريعة التي يريد، كما هو الحال في قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وكذا قوله عز وجل: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.

ولو أننا قلنا إن هذه الآيات فعلا تمنح الإنسان حرية الاعتقاد الديني، والعمل بتشريعات بشرية محضة، لقلنا بوجود التناقض في القرآن الكريم، لأن هذا القول يتعارض مع تلك الآيات الواضحة جدا في أن من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبله الله منه، وهو في الآخرة من الخاسرين.

والحق أن هذه الآيات ليست بصدد منح حرية الاعتقاد الديني للإنسان، ولا تعطيه حق سنّ القوانين، وتشريع التشريعات، فلو عدنا إلى آية عدم الإكراه في الدين، وتأملنا فيها جيدا، لرأينا أنها لا تدلّ على منح الإنسان حرية اختيار الدين الذي يريد، وإنّما هي تنهى عن إكراه الآخرين على الدين، لأن الرشد في الدين بيّن وواضح، كما أن الغي في الكفر بيّن وواضح، وكل إنسان سوي العقل والتفكير، لا يملك إلا أن يختار الرشد على الغي، فهو ليس بحاجة إلى جبر وإكراه.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فإن الدين اعتقاد محلّه القلب، وليس عملا ليكون محلّه الجوارح، وبالتالي هو غير قابل للجبر والإكراه أصلا، فنحن يمكننا أن نجبر الإنسان على فعل معيّن، ولكن يستحيل أن نتمكن من إجباره على اعتقاد معيّن، لأنه لا سلطة لنا على قلبه، فحتى لو قال لنا: أنه صدّق بالدين، واعتقد به، فقد يكون كاذبا في ذلك، ولهذا جاءت آية عدم الإكراه في الدين، ليس لتنهى عن ذلك، وإنّما لتبيّن عدم إمكان ذلك من الأصل.

وكذلك الحال في آية: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} فهي أيضا ليست بصدد إعطاء الإنسان حرية الإيمان والكفر، وإنّما هي بصدد بيان غنى الله عن خلقه، وعدم حاجته إلى إيمانهم، إضافة إلى ما تنطوي عليه من تهديد ووعيد لمن لا يستجيب لدعوة رسول الله، ولا يؤمن برسالته صلى الله عليه وآله، مما يؤكد عدم منحها حرية الاعتقاد للإنسان.

فهي توجّه رسول الله عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى السلام بأن يبلّغ الدين، ويبيّن أنه هو دين الحق من الله رب العالمين، ثم يترك للناس حرية الاختيار، فمن شاء أن يؤمن، فله جزاء إيمانه من الله عز وجل، ومن شاء الكفر {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

ومع هذا فهو -بكفره- إنّما يظلم نفسه، ويعرّضها إلى غضب الله ولعناته الأبدية، ولذا بعد أن قالت الآية الكريمة: {وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أعقبت ذلك بقوله جلّ من قائل: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} لتبيّن عاقبة سوء استغلالهم لهذه الحرية بالكفر، والنتائج الوخيمة المترتّبة على ذلك، كما توجّه رسول الله صلى الله عليه وآله بأن لا يأسف، ولا تذهب نفسه عليهم حسرات، بل يكفيه أن يقول لهم: إن هذا الدين هو {الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ} ثم يتركهم يختارون بين الحق والباطل، وكل سيجني ثمار اختياره، وسيتحمّل مسؤوليته الكاملة أمام رب العالمين.

بين الحرية واستعمالها:

وأما ما يتعلّق بمنح الحرية للإنسان، وكيفية استعماله لها، فمعناه أن الله سبحانه وتعالى مكّن الإنسان من التمييز بين الخير والشر، والصالح والطالح، والحق والباطل، والحسن والقبيح، والإيمان والكفر…كما أعطاه القدرة على اختيار وفعل ما يريد من خير أو شر، ومن إيمان أو كفر، ثم وجّه إليه الأمر والنهي، وكلّفه بتكاليف دينية وعقائدية وعبادية وأخلاقية واجتماعية…وعبّر ما شئت.

وكون الإنسان حرّا ومختارا، فهو يستطيع أن يستجيب لهذه الأوامر والنواهي، والتكاليف والتشريعات، فيدين ويعمل ويلتزم بها، كما في قدرته أن يكفر بها، ويتركها وراء ظهره.

ولكن الذي يجب أن نلتفت إليه هو أن الإنسان -رغم ما منحه الله من حرية وقدرة على الاختيار- إلا أنه ليس من حقّه أن يستخدم هذه الحرية وفق أهوائه ورغباته، بل يجب عليه أن يسخّرها في طاعة الله، ويجعلها منسجمة مع إرادته سبحانه وتعالى.

فإن استجاب لأوامر الله ونواهيه، فهذا يعني أنه وظّف حريته الممنوحة له من قبل الله تعالى توظيفا صحيحا، وأصبح مستحقّا لثواب الله عز وجل، وإن لم يوظّفها هذا التوظيف، فخالف أوامر الله ونواهيه، ولم يلتزم بشرائعه وقوانينه، فهذا يعني أنه أساء استغلال هذه الحرية، واستعملها في غير المسموح له به، فأصبح مستحقّا للعقوبة الإلهية.

أما لماذا عدم توظيفه لهذه الحرية في طاعة الله يجعله معرّضا للعقوبة؟

فجوابه هو: لأنه ليس من حقّه استعمال هذه الحرية إلا فيما يريده مانحها، وهو الله عز وجل.

فهناك فرق كبير جدا بين منح الحرية للإنسان، وبين أن يكون من حقّه استعمال هذه الحرية في كل ما يهوى ويريد، سواء فيما يعود إلى الاعتقاد أو إلى العمل.

فمثلا: الله أوجب على الناس الإيمان به، والتصديق برسله، والالتزام بشرائعه، والعمل بتكاليفه سواء في الالتزام بالواجبات، أو ترك المحرمات…ولكنه سبحانه وتعالى لا يجبرهم على فعل هذه الواجبات، وترك تلك المحرمات.

والذي نقصد بالجبر -هنا- سلب الإرادة والحرية والاختيار عنهم، مما يجعلهم يقومون بتلك الأعمال بدون حرية ولا إرادة، فيكونون مجبورين على أعمالهم، بل منحهم القدرة على الاختيار، وأعطاهم الحرية في الفعل والترك.

ومعنى ترك الحرية لهم، ليس التخيير، فإن شاؤوا عملوا، وإن شاؤوا لم يعملوا دون ترتّب أي أثر على العمل وعدمه، وإنّما المعنى أنه جل وعلا لم يسلبهم حريتهم التي تمكّنهم من الاستجابة وعدمها، وإلا لكانوا مسيّرين غير مخيّرين.

وهذا هو معنى أنهم أحرار في الاستجابة وعدمها، ولكن الذي يجب الالتفات إليه هو: أنه -رغم أنهم أحرار في الاختيار، ويملكون القدرة على الاستجابة وعدمها- إلا أن واجبهم وتكليفهم هو الاستجابة لكل ما يريده الله منهم، وليس من حقهم أن يستغلّوا هذه الحرية استغلالا سيئا بعدم استجابتهم لخالقهم ومالكهم، والمتصرّف فيهم كيف يشاء سبحانه تعالى.

وبهذا نفهم أن معنى حرية الاعتقاد الديني، هي أن الإسلام يترك للإنسان حرية اختيار الدين الذي يريد، ولكن ليس بمعنى أن الله يعطيه الحق في ذلك، وإنّما بمعنى أنه سبحانه وتعالى لا يسلب الإنسان حريته، ولا يجعله مجبورا على اختيار الإسلام دون غيره، بل يريده أن يعتنقه بطوعه ورضاه واختياره، فإن فعل فهو مأجور ومثاب، لأنه وظّف الحرية توظيفا صحيحا موافقا لإرادة الله عز وجل، وإن لم يفعل فهو مأثوم ومعاقب، لأنه أساء استغلال هذه الحرية، واستخدمها فيما ليس له بحق، إذ وظّفها في غير ما يريده الله عز وجل.

 الفرق بين الإسلام والليبرالية في الحرية:

والفرق بين الليبرالية والإسلام في حرية الاعتقاد، هو أن الليبرالية تعتبر حرية اختيار المعتقد حقّا طبيعيا للإنسان، فلا يصح أن يعاقبه أحد على ذلك، لأنه لم يذنب، وإنّما مارس حقّه الطبيعي المشروع له، في حين أن الإسلام يقول ما شرحناه تفصيلا من أن الله عز وجل لا يمنح الإنسان حرية الاعتقاد الديني، ولا يقبل منه إلا الإسلام، لكنه لا يجبره على ذلك جبرا، بل يريده أن يدين به بطوعه ورضاه.

وبهذا يتضح لنا أن الإسلام لا يوافق الليبرالية في القول بحرية الاعتقاد، بل يختلف معها كل الاختلاف، وأن الفرق بين الرأيين كبير وشاسع جدا جدا.

نعم، الإسلام -في الوقت الذي لا يبيح فيه الحرية الدينية بالمعنى الذي تقول به الليبرالية- يحترم الأديان الأخرى، ويعطي أصحابها كل الحق في ممارسة طقوسهم التعبّدية وفق العقيدة التي يدينون بها، وينهانا عن محاولة إكراههم على اعتناق الدين الإسلامي بالقوة والجبر، ويكفل لهم كل الحقوق التي تمكّنهم من ممارسة طقوسهم، وإحياء شعائرهم، كما يؤكّد على ضرورة احترامهم، وحسن التعامل معهم، وإقامة العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها معهم، وإن كانوا يعيشون في الديار الإسلامية فالإسلام يكفل لهم حقوق المواطنة الكاملة…ولكن ليس معنى هذا أن الإسلام يقرّ تلك الأديان، أو يعني أنه يعتبر الاعتقاد الديني حقّا شخصيا -كما هو الحال في الليبرالية- وإنّما معناه أن الإسلام هو دين التسامح، وكفالة الحريات لكل الناس، بغض النظر عن دينهم ولغتهم وموطنهم…كما أنه تنظيم لسلوك الإنسان المسلم، وبيان لوظيفته في كيفية التعامل مع من لا يدينون بدين الله عز وجل.

عدم منح الحرية الدينية هل يعني الديكتاتورية؟:

لقد أوصلنا هذا العرض إلى أن الإنسان -وإن كان حرّا ولديه القدرة على الاختيار بين الدين الإلهي وتشريعاته، وبين غيره من الأديان والتشريعات- إلا أنه لا يملك حرية استعمال هذه الحرية كيف يشاء، بل هو ملزم بتوظيف حريته والاستفادة منها في حدود الشريعة الإسلامية الغراء.

وقد أساء بعض الذين يدعون إلى إلغاء التشريعات الإلهية واستبدالها بالقوانين الوضعية ما يوجبه الإسلام من العمل بتشريعاته أسوء استغلال، فاتهموا الفكر الإسلامي بالديكتاتورية والإرهاب الفكري، عكس القوانين الوضعية التي تحترم الإنسان وحريته وخياراته في الحياة.
والحق إن هذا الادعاء غير صحيح، وإنما هو سفسطة ومغالطة، وتشويه للحقائق، ولكن لأننا لا نريد التوسع في مناقشة هذا الادعاء لكي لا نطيل أكثر مما أطلنا، فيكفينا أن نقول في رده وإثبات عدم صحته: إن القانون الوضعي لا يختلف عن التشريع الإسلامي من هذه الجهة، فهو لا يمنح أصحابه الحرية المطلقة ليفعلوا كل ما يريدون، ووفق ما يحبون ويشتهون -كما قد نتصور- بل هم ملزمون باستعمال حريتهم فقط ضمن حدود ما تسمح به تلك التشريعات، وتقرّه تلك القوانين، مما يعني أن ما يحاول البعض تصويره من ديكتاتورية الدين وحجره على الحريات ليس صحيحا واقعا، وإنّما هو نتاج الجهل أو المغالطة لا أكثر.

وإذا كان البعض يصرّ على وجود هذه الديكتاتورية بحجة عدم سماح الدين الإلهي مخالفة تشريعاته، فلنا -في المقابل- أن نقول: إن القوانين الوضعية ديكتاتورية ومتسلّطة، لأنها تلزم الإنسان بالتحرك في حدودها، ولا تسمح له باستغلال حريته في التمرّد عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى