أقلام

فيروس كورونا: ما هي احتمالات أننا سنغير من سلوكنا في أعقاب جائحة كورونا

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

العالم كما نعرفه قد لا بيكون أبدا هو نفسه، الاقتصاد العالمي قد تباطأ، والناس يعيشون في عزلة و عدد الموتى من فيروس غير مرئي يتزايد أسيا، جائحة فيروس كورونا قد فرضت حقيقة قاسية من الفجائع والمرض والبطالة، كثير من الناس تواجه بالفعل صعوبات مالية و عدم يقين بشأن مستقبل فرص العمل.

البيانات القديمة تشير إلى أن الوقع النفسي  المباشر للجائحة  هو وقع كبير، كما أن هناك المزيد من التحليلات الملهمة توحي بأن التجربة قد تساعدنا على تغيير أنماط حياتنا إلى الأفضل.

ولكن هل  البشر قادرون حتى على تغيير سلوك مستدام؟، ونحن نعلم أن الأزمات يمكن أن تؤدي إلى الغضب، والخوف، على مستوى المجتمع المحلي، هذه المشاعر يمكن أن تتحدر  إلى تصرفات  كبش فداء، ووصم، وتمييز، الصدمات البيئية والأوبئة قد تجعل المجتمعات حتى لتصبح أكثر” أنانية”، مما يجعلها تنتخب قادة سلطويين ويظهرون تحيزا تجاه الأجانب.

كما أننا نعلم أن عدم التفاوت( عدم المساواة) المجتمعي القائم- والذي يعتبر تهديدا للصحة النفسية- يتعمق بعد الأحداث المأساوية، فأي ضائقة نفسية تميل إلى أن يكون وقعها أكبر  في الطبقة الفقيرة.

حتى نغيير سلوكنا نحو الأفضل، نحتاج أولا إلى التغلب على هذه الصعوبات والرفع من مستوي العافية/ الرفاهية  ‪well-being‬( وهي كون المرء في حالة من الراحة والصحة والسعادة)، خلال السنوات الثلاث الماضية، أولت مجموعتنا البحثية الكثير من التفكير في( العافية/ الرفاهية)، عرفناها على أنها تواصل  إيجابي مع أنفسنا والمجتمعات وبيئتنا الأوسع.

على المستوى الأساسي، تعتبر السلوكيات الصحية الإيجابية مهمة لتحقيق عافية/ رفاهية الشخص، كالأكل الصحي والنوم الجيد وممارسة الرياضة.

إن الإحساس القوي بالمعنى والهدف وهو الحافز الذي يدفع الشخص  تجاه مستقبل مرض، أمر حاسم بشكل خاص للتغلب على أحداث الحياة الرئيسية وتحقيق( نمو ما بعد الصدمة)، على حد تعبير أحد زملائنا- الذي تغلب على متلازمة التصلب المتعدد- يجب أن نلتزم بـ ” الإيجابية والهدف والممارسة” أثناء الأزمات الشخصية، وهذا ينطوي على تجاوز أنانيتنا وخدمة الشيء الأكبر.

لهذا السبب، الروابط الاجتماعية الإيجابية والمجتمعات المحلية ضرورية، العلاقات الاجتماعية ترسي الأساس للهوية الشخصية و إحساسنا بالارتباط مع الآخرين، هذا يفضي إلى مشاعر إيجابية في علاقة لولبية متصاعدة.

الأبحاث العلمية والأعمال العلمية الأخيرة أيضا تثبت أن لدينا حاجة فطرية، حتى نكون مرتبطين بالطبيعة وغيرها، من أشكال الحياة لنشعر بالراحة، الأشخاص الذين يقضون وقتا في الطبيعة بانتظام يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة ولديهم شعور بمعنى أكبر في الحياة لسوء الحظ، فإنه لم يعد من الممكن مناقشة العلاقة بين البيئة و السعادة دون الأخذ في الاعتبار التهديد الرئيسي وهو تغير المناخ الذي أحدثه الإنسان.

هذا يمكن أن يؤدي الى الشعور بالسولاستالجيا” ‪solastalgia‬”، (حالة من الحزن واليأس والسوداوية الناجمة عن التغيير السلبي للبيئية.

القواسم المشتركة بين جائحة فيروس كورونا وتغير المناخ شديدة الوضوح، كلا  التحديين يمثلان المشاكل” البيئية” المدفوعة اجتماعيا. الفرق الرئيسي، مع ذلك، هو استجابتنا الكونية لواحد منها، وليس للآخر، الطبيعة المجردة لتغير المناخ، جنبا إلى جنب العجز الذي نشعر به فيما يتعلق بهذا التغير، تسهم في وقوفنا” مكتوفي الأيدي ليس بمقدورنا عمل شيئ”.

هذة الظاهرة تعرف باسم ” مفارقة غيدينز ‪giddens‬، ولعل الجانب المشرق  هنا هو ما يمكن وما ينبغي لفيروس كورونا أن يعلمنا إياه- ذلك الالتزام بالعمل سيؤدي إلى التغيير-.

التغيير ممكن، الكلمة الصينية” للأزمة” تتضمن حرفين، واحد للخطر والآخر للفرصة، أثناء الجائحة، كثير من الناس أجبروا على العمل من بيوتهم- مما أدى إلى الحد من وقت التنقل من البيت إلى العمل، فضلا عن  الحد من تلوث الهواء هذا قد يستمر، إذا راينا فيه قيمة، على الرغم من أنه لا يخلو من صعوبات، محاولات أساليب العمل المرنة، مثل أربعة أيام عمل في الأسبوع، أثبتت مجموعة فوائد من فوائد العافية للفرد.

فيروس كورونا يطرح السؤال التالي: لماذا نريد أن نرجع إلى حالة الوضع الراهن من الإدمان على العمل عندما يمكن تحقيق الهدف النهائي بطريقة مختلفة، بطريقة داعمة للعافية والإنتاجية والبيئية المستدامة؟

أي تغيير إيجابي قليل يساعدنا على أن نشعر بالمزيد من التمكين، الجائحة، بعد كل شيء، علمتنا كيف نتمكن من أن نعيش دون التسوق بإفراط ومن السفر على رحلات جوية طويلة( أكثر من ٦ ساعات) من أجل قضاء الإجازات، هناك أدلة على أنه يمكننا إجراء تغييرات سلوكية بعد الأزمة، نحن نعلم أن بعض الإجراءات الاحترازية، كجهاز التنفس والممارسات الصحية لليدين، يمكن أن تصبح عادة بعد الجائحة الفيروسية.

كما أظهرت الأبحاث أن سكان نيو جيرسي في الولايات المتحدة، أصبحوا أكثر احتمالا لدعم السياسات البيئية بعد إعصارين مدمرين وبالمثل، أثبتت تجارب الفيضانات في المملكة المتحدة أنها تؤدي إلى الاستعداد لتوفير الطاقة، وفي الوقت نفسه، حرائق الغابات في أستراليا عززت النشاط الأخضر.

الحفاظ على التغيير ومع ذلك، تظهر الأبحاث أن التغيير الإيجابي يتضاءل بشكل عام بمرور الزمن، وفي نهاية المطاف، نعطي الأولوية لاستعادة الفعاليات المجتمعية لا للإجراءات المؤيدة للبيئة، الحفاظ على أي تغيير في السلوك صعب ويعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك الدوافع والعادات والموارد والكفاءة الذاتية والتأثيرات الاجتماعية، الحالات النفسية الإيجابية[ مثل السعادة والابتهاج والإستلهام والحب]، والمشاعر والإحساس بالهدف( وهو الحافز الذي يدفع باتجاه مستقبل مرض، ويساعد على تحقيق اقصى استفادة من الأشياء التي تقوم بها وتنجزها)، المرسخ حديثا قد يحمل المفتاح للدفع بالبواعث والأهداف غير الواعية تجاه السلوكيات المستدامة بيئيا.

تشير الدلائل الناشئة أيضا إلى أن التثقيف البيئي والأنشطة القائمة على الطبيعة يمكن أن تسهل دعم المجتمع وترابطه.

لحسن الحظ، ثبت أن التدخلات البسيطة كالمشي و” التعلم الواعي”، مع الاهتمام بالحاضر، تعزز الانفتاح على الأفكار المتعلقة بالتداخل بين الناس والطبيعة، يمكن أن تساعد هذه الأشياء في الحفاظ على التغييرات السلوكية، معرفة أن عوالمنا النفسية، والاجتماعية والاقتصادية والطبيعية هي جزء من نظام مترابط يسهل أيضا وجود أخلاقيات ايكلوجية، تجاه حماية عالم الطبيعية والحفاظ عليه.

ولتحقيق ذلك، التدخلات التي ترتكز على تعزيز الإيجابية واللطف والامتنان قد تكون فعالة، نحن نعلم أن هذة الأشياء تؤدي إلى تحولات إيجابية مستدامة.

التأمل الذي يركز على الحب واللطف يمكن أيضا من المشاعر الإيجابية والإحساس الشخصي، بترابط المجتمع، تدخل آخر يمكن أن يقلل من الضغط النفسي ويعزز العافية النفسية هو الاحتفاظ بمذكرات يومية، هذا يمكن أن يعزز حتى السلوك المؤيد للبيئة عندما يمجز في الطبيعة.

مسؤولية الدولة ومع ذلك، من المستحيل على الفرد إصلاح بعض المشاكل بمفرده- ومن هنا تأتي مفارقة غيدينز ‪Giddens Paradox‬.

من المحتمل أن يكون التغيير الإيجابي من قبل الأشخاص  مؤقتا أو ليس بذات أهمية، إذا لم  تعززه السياسة أو اللوائح التنظيمية، تتحمل المنظمات والصناعة والسلطة مسؤولية كبيرة في تعزيز التغيير الإيجابي، وستكون الخطوة الأولى هي تمكين الرفاهية لجميع المواطنين من خلال التغلب على تهديدات، عدم المساواة والخوف من الأجانب وكراهيتهم والمعلومات المضللة في أعقاب الجائحة.

إذا فشلنا في القيام بذلك، فسوف نهمل في النهاية فرص التغيير الإيجابي ونخاطر بإمكانية بقاء جنسنا البشري، إن ما نقرر فعله اليوم وبعد الأزمة الحالية له أهمية قصوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى